Sheekada Suugaanta Adduunka (Qeybta Koowaad)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Noocyada
أكبر ممثل لتلك الكوميديا - كما قلنا - هو أرستوفان المولود حوالي سنة 450ق.م. ولد هذا الشاعر الموهوب لأبوين أثينيين من أصل حر، وكان لوالديه إقطاع صغير بجزيرة «إيجينا» يستغلانه فيقوم بأودهما. وقد عاش الشاعر منقطعا لفنه فكل ما نعرفه عنه إنما يتصل بذلك الفن، ومن كوميدياته نفسها استقى المؤرخون معلوماتهم عنه، وذلك لوجود عنصر في الكوميديا القديمة هو «الاستطراد» وفيه يتحدث الشاعر دائما عن نفسه وعن روايته وعما يريد أن يدلل عليه. ولقد كان أرستوفان مبكر النضوج، فمنذ سنة 427ق.م. أخذ يقدم للمسرح كوميدياته وكانت أولاها بعنوان «ضيوف هرقل» وهي مفقودة، ولكننا نعلم أن الشاعر قد هاجم فيها الاتجاه الذي أخذ يسود إذ ذاك تربية الشبان وتوجيههم نحو النقد الفلسفي للتقاليد القديمة؛ دينية كانت أو اجتماعية. وفي السنة التالية 426ق.م. قدم «البابليون» ونال بها الجائزة الثانية، وهذه الرواية أيضا مفقودة، ولكنا نعلم أنه قد هاجم فيها الزعماء الشعبيين وبخاصة كليون. ولقد قدم للمحاكمة من أجل تلك الرواية، ولم يستطع أن يفلت من العقاب إلا بعد مشقة كبيرة، ولكنه خرج من المحاكمة أشد إقداما وأحمى قلما، وقدم في سنة 425ق.م. رواية جديدة في «الأكارنيون» وهي أقدم رواية وصلت إلينا من رواياته. ولقد نال بها الجائزة الأولى، وفي تلك الرواية يعرض الشاعر قصة فلاح أتيكي مل الحرب (حرب البلبونيزيا التي كانت قائمة وقتئذ بين أثينا وإسبرطة) التي أكرهته على التخلي عن حقله والالتجاء إلى المدينة، ومن ثم فهو يريد السلام ولكنه يريده وحده، ولهذا نراه يعقد - وحده وباسمه الخاص - الهدنة مع الأعداء. ويصل الخبر إلى المحامين وهم الذين يكونون الجوقة فيسرعون إلى الرجل ليقتلوه كخائن، ولكن فلاحنا ينجح في أن يقنعهم بمزايا السلم، وبأنه كان على حق فيما فعل. ونراه عندئذ ينعم بكل خيرات السلم فيشتري ويبيع ويولم ويمزح، بينما الآخرون يتضورون جوعا ويصلون ويلات الحرب. وفي سنة 424ق.م. قدم رواية «الفرسان» وفيها أعنف هجوم على «كليون» خصمه اللدود، مع أن هذا الزعيم الشعبي كان عندئذ في أوج المجد بفضل انتصاراته الحربية. وفي سنة 423ق.م. قدم رواية «السحب» وهي من أشهر رواياته، وفيها يعود إلى نقد التربية الفلسفية. وقد اختلطت الفلسفة عنده بالسفسطة. ومن غريب الأمر أنه عد سقراط كبير السوفسطائية. وقصة الرواية تتلخص في أن فلاحا بسيطا نشيطا مقتصدا له ولد مسرف ما فتئ يبدد أموال أبيه حتى أثقلت الرجل الديون وعجز عن دفعها، فأراد أن يتعلم البلاغة معتقدا أنها الفن الذي يمكنه من العبث بدائنيه والإفلات من القضاة. وقد بلغه أن معلم هذا الفن هو سقراط الذي يمثله الشاعر محتالا كبيرا. وذهب الفلاح إلى سقراط ولكنه كان أصلد عقلا من أن يعي دروس الأستاذ، ولذلك أرسل ابنه بدلا منه، وتعلم الابن فن البلاغة وحذقه، ولكنه بدل أن يستخدمه مع القضاة والدائنين استخدمه مع أبيه يضربه ويعبث به ويقنعه بأنه هو المخطئ، وهذه هي مزايا التربية الجديدة التي تستطيع أن تجعل الحق باطلا والباطل حقا. وهاج الأب الفلاح وغلى دمه فأخذ نارا واتجه إلى بيت سقراط وأشعلها فيه. والسحب في الرواية هي التي تكون الجوقة، وهي تمثل الأبخرة التي يعبدها الفلاسفة. وبرغم قوة هذه الرواية لم ينل الشاعر بها غير المرتبة الثالثة، ولكنه مع ذلك قد أصاب نجاحا واضحا؛ إذ كانت روايته من الأسباب التي مهدت الرأي العام لقبول الحكم على سقراط بالموت بعد ذلك بخمس وعشرين عاما. ونحن اليوم لا نملك أنفسنا من الدهشة عندما نرى شاعرا كبيرا كأرستوفان يمثل أبا الفلاسفة في هذه الصورة الظالمة، وإنه لمما يسوء أن يتحمل الشاعر نصيبا في مأساة تلك الروح النبيلة الخالدة روح سقراط، وفي سنة 422 قدم الشاعر رواية «الزنابير» وموضوعها أن رجلا مسنا تطن من حوله الزنابير الذين يمثلون رجال المحاكم ولكن ابنه يأخذ في علاج داء أبيه، ومحاولات الابن في هذا السبيل هي التي تكون الجزء الأساسي من الرواية، ولقد شفي الرجل من دائه فتخلص من هموم المحاكم والدعاوى وراق له العيش، ومن هذه الرواية استوحى الشاعر الفرنسي راسين روايته الشهيرة «المتقاضون» وهكذا. ولكن ابتداء من سنة 414ق.م. تتتابع رواياته التي تمثل مرحلة ثانية في فن الشاعر؛ إذ أصبح أقل عنفا وأكثر بعدا عن الهجاء الشخصي، ففي تلك السنة قدم رواية «العصافير» وموضوعها أن رجلين أثينيين قد سئما معاناة العمل من الصباح إلى المساء فهجرا البشر ليعيشا مع الطير. وقد اتفق مزاجهما ومزاج الطير، واستطاعا حمل الطير على بناء مدينة جديدة معلقة بين السماء والأرض. وعندما يحاول الدساسون من رجال الأرض أن يشقوا سبيلهم إلى تلك المدينة يحال بينهم وبين ذلك بالضرب بالعصى. وأما الآلهة فعبثا تحاول السيطرة على تلك المدينة، وأخيرا يعقدون صلحا مع أولئك الآلهة ويقبل «زيوس» أن يتخلى عن السيطرة لأحد الرجلين.
والظاهر أن الشاعر قد قصد بهذه الرواية إلى المرح أكثر مما قصد إلى درس أخلاقي بعينه، وكل ما نستطيع استخلاصه منها هو مهاجمته للدساسين والمحتالين.
ويختتم الشاعر هذه الدورة برواية الضفادع وهي من أهم روايات أرستوفان، وفيها وصف كامل لفن يوربيد الذي كان قد مات فأخذ ديونيسوس القلق إذ لم يعد للتراجيديا من يمثلها فصمم على الذهاب إلى العالم الآخر ليعود بأحد شعراء التراجيديا، ولكن بمن يعود؟ هنا موضع الحيرة فالإله يتردد بين أسكيلوس ويوربيد وأخيرا يقرر تنظيم مسابقة بين الشاعرين اللذين يأخذان في مهاجمة أحدهما الآخر. وبذلك ينقد كل منهما شعر صاحبه نقدا دقيقا مفصلا من الناحيتين الأخلاقية والشعرية، وينتهي الأمر بأن يظهر يوربيد في مظهر السوفسطائي الذي أفسد التراجيديا وحط من المثل العليا وأنزل الاضطراب بالنفوس وساق إلى انحلال الأخلاق، وبذلك يفضل ديونيسوس أسكيلوس ويعود به إلى الأرض.
في سنة 404ق.م. كانت الهزيمة قد حلت بأثينا فسلمت لإسبرطة بما تريد فعم الحزن المدينة ولم يعد للمرح مكان، وهنا نرى أرستوفان يحد من مزاجه ويكتم من ضحكاته وقد تطور فنه فماشى الحالة الجديدة ولكنه لم يعد في قوته الأولى. وأقدم رواية بعد سنة الهزيمة هي «جماعة النساء» التي قدمها سنة 392ق.م. وفيها يعرض نساء أثينا وقد ثرن فسيطرن على مجلس الشعب وقررن الأخذ بالاشتراكية المطلقة فلا ملكية ولا أسرة، والذي يريده الشاعر هو إظهار نتائج اشتراكية كهذه، فلا ترى في الرواية نقدا لذوي الأمر أو هجاء لأشخاص، وإنما يريد الشاعر أن يهاجم شيئا لا وجود له، وإنما هو مجرد فرض وشبح فكرة؛ إذ ليس من الثابت تاريخيا أنه قد هاجم بذلك الفكرة التي سيقول بها أفلاطون فيما بعد، ونحن لا نعلم لتلك الفكرة وجودا تاريخيا في ذلك الحين. وفي روايته الأخيرة المسماة «بلوتس»
162
أي إله الذهب نجد نفس المنحى . وموضوعها أن أحد رجال أثينا قد عثر بإله الذهب الأعمى وقاده إلى معبد أسكلبيوس
163
إله الطب حيث شفي الإله، وذهب الرجل إلى منزله، وبذلك أثرى هو وجيرانه وعمهم البذخ، ولكن آلهة الفقر لم تلبث أن ظهرت لتدافع عن مزاياها، ولعل في ظهور تلك الآلهة ما يشير إلى مغزى الرواية، فأصل الثراء ليس الذهب وإنما هو عمل الإنسان، فلو أن الأرض امتلأت ذهبا وجلس الناس بجواره لماتوا جوعا وهم لن يأكلوا الذهب. ولقد كانت هذه الرواية فيما يظهر آخر رواية قدمها أرستوفان الذي يحكي أحد القدماء أن أفلاطون قد كتب على قبره «إن ربات الحجال عندما بحثن عن معبد لا يصيبه الفناء لم يجدن خيرا من روح أرستوفان فأوين إليها.» وفي الحق أن أرستوفان لم يكن شاعرا كبيرا فحسب، بل كان قوة اجتماعية لها خطرها. ولقد رأيناه يتناول المشاكل الكبيرة في عصره يدلي فيها بآراء لا تقف صحتها عند عصره بل تسري إلى كافة العصور، فتفضيل السلم على الحرب، ومهاجمة السفسطة الفلسفية، ومناهضة الاشتراكية وتجريح التهريج الذي يستخدمه الزعماء الشعبيون، كل هذه مشاكل إنسانية خالدة وأرستوفان بوجه عام رجل محافظ، وفي المحافظة التي لا تبلغ التحجر خير لا شك فيه؛ وذلك لما هو معروف من أن الحياة الاجتماعية لا يمكن أن تتماسك إذا تفككت التقاليد القديمة. (3-8) الكوميديا المتوسطة والكوميديا الحديثة
لقد رأينا في الكوميديا القديمة آثار التطور فروايات أرستوفان التي كتبها بين 426 و421 تغاير تلك التي كتبها بين 411 و404؛ إذ خفت حدة الشاعر وهدأت مهاجمته للأشخاص نوعا ما، وأخيرا جاءت روايتاه الأخيرتان «مجمع النساء» و«بلوتس» من منحى جديد، فهو لا يعالج فيهما نظما قائمة بل يتصور مجرد فروض كفرض الاشتراكية وفرض الثراء العام، ويبحث ما ينتج عن ذلك من مشاكل، وهذه هي خصائص الكوميديا المتوسطة التي يعتبر العلماء روايتي أرستوفان بدءا لها.
ولو أننا أضفنا إلى ذلك اختلاقا فنيا في بناء الكوميديا المتوسطة - هو خلوها من الجوقة ومن الاستطراد - لكمل لنا تعريف الكوميديا المتوسطة، فهي رواية تعالج مسائل فرضية يتصور الشاعر حدوثها ثم يعالج نتائجها كمشاكل الغنى والفقر والتطفل والغرور. وهي قد تستخدم لذلك الأساطير ترمز بها لما تريد كما قد تتصور بالخيال المواقف والأوضاع.
Bog aan la aqoon