ويصيح الحاج - وهو متدثر في ركن من الفراش: «انفخي بقوة أكثر»، وترد البنت - وهي ترتعش رغم البطانية التي تلفها حول كتفيها: ها أنا أنفخ يا عمي الحاج ... أنفخ ... ولكن البرد يخترقني وأنفاسي تتقطع، أعطني خشبا إذا كنت لا تريد أن نتجمد قبل الغد.
ماذا؟ خشب؟ الآن؟ ... في هذا الوقت عندما يصل البرد إلى هذا الحد يتكلف موقد من الخشب على الأقل قطعة من الذهب ... أتفهمين؟ قطعة من الذهب!
وتنسحب ليانا لتأكل في الغرفة المجاورة، ويبقى الحاج وحده، وكل ما حوله حزين مظلم وبارد، وريح ثلجيته تتدافع في المدخنة، ولكنها لا تجد فيها حجرا ولا رمادا.
ويرتعش الحاج ويمضغ قطعة الخبز، وتسري في ظهره رعشات من الثلج، ولا يعود يشعر بما بين القدمين والركبتين.
وترتفع أكوام الجليد إلى مستوى النوافذ، وفي القرية كلها لا يسمع صوت ثان ولا نباح كلب.
وينام الحاج على مرارة، وهو يقول لنفسه: إن الشتاء لو استمر بهذه القسوة لن يستطيع أن يستغني عن الخشب، ولما كان الخشب غاليا، فإنه سيكون بلا شك طريح الفراش عند نهاية الشتاء، ولكنه مع ذلك نام في النهاية، وإن ظل يتفزز في فراشه، ويتقلب يمنة ويسرة، ويحلم طول الليل بأنه يتدفأ على ذهب نار كبيرة.
وفي الصباح تجده بنت أخته نصف متجمد، وبالكاد وجد القوة اللازمة ليقول: «ليانا ليانا ... أوقدي النار بسرعة، فسأموت من البرد»، ويمد لها يده بقطعة صغيرة من الذهب، وهو مغلق العينين، والخجل يرادوه من أن القطعة الذهبية ستحس بالسهولة التي يلقيها بها إلى الأيدي التي لا ترحم، ثم يطلق زفرة ينشق لها القلب!
وها هي النار تئز في المدفئة، وترسل حرارة حية وتلقي بظلالها على الحائط المواجه، والسقف يقرقع والجدران يغطيها البخار، وليانا تكشف سيقانها حتى الركبتين التماسا للدفء أمام النار، ويخرج العجوز من تحت الغطاء ويتدفأ، ولكنه مع ذلك يرتعش، وساقاه ترتجفان فهو منهك، ولأول مرة في حياته يموت لهفة لكوب من الماء.
لماذا أتيت بكل هذا الخشب؟ ... إنه أكثر من اللازم! أكثر مما ينبغي! ستضرمين النار في المنزل! آه ... الخبز لم يعد يكفيني، ولا أستطيع الوقوف على قدمي.
وأجابت ليانا: «قد تكون مريضا يا عمي ... هل تود أن أستدعي أحدا؟ ... هناك طبيب يسكن إلى جوار الصيدلي.»
Bog aan la aqoon