وفي أثناء السنوات الأولى من تلك الشركة، كان قد نحف كثيرا وشحب لونه، وفي سن الثلاثين كان يبدو شيخا والخوف والهموم أصابته بالمرض، ولكنه لم يقرر التزام الفراش، وكان شريكه ومعلمه السابق يدعوه إلى مائدته لكي يمكنه من استرداد قواه، وعندما كان يأكل لم يكن يترك إلا العظام بعد أن ينظفها تماما.
وبهذا النظام في الأكل استرد صحته بسرعة، وذات يوم وبينما كانوا يتناولون الإفطار على العشب؛ لكي يحتفلوا بعيد أول مايو، ويحتسون فيه العرق، سأله معلمه عرضا: «قل لي يا تيودوز ... أوما تريد أن أبحث عن فتاة لطيفة مناسبة ومعها بائنة محترمة؟ وذلك لأن الإنسان يعرف لماذا يعيش عندما يكون له طفل أو طفلان.» - مستحيل يا معلمي، مستحيل امرأة وأطفال يتطلبون غذاء وكساء وتعليما! ... ليست لدي القدرة على ذلك، والقليل الذي أمتلكه مستثمر في العمل، والمال الذي يستثمر في التجارة إنما يملكه جميع أولئك الذين يريدون أن يخاتلوك! - تيودوز يا بني! لا تقل هذا ... إنه خطيئة ... واحذر أن تجلب على نفسك الفأل السيئ!
ولف معطفه حول صدره، وتمتم بنغمة الغارق في التفكير: الفأل السيئ! ... مستحيل يا معلمي! الأطفال يتطلبون خبزا وملابس وتعليما، والمرأة ثيابا ونزهات ومعطفا من الفرو، وجونلات محبوكة ... مستحيل يا معلمي! ... صدقني ... مستحيل!
4
أي سعادة استشعرها الحاج يوم أن بقي السيد الوحيد في المشغل! ولقد أحس أول الأمر بما يشبه الحمى، فوجنتاه مشتعلتان وكذلك رأسه، وهو يشعر بنمنمة في عينيه، وفي كل لحظة كان يخرج إلى باب المشغل لكي يتأمله من الخارج ويتفحصه من جميع جوانبه، ويقيس الحجرات، ويتأمل الجدران في عناية، وأحيانا كان يقف على أطراف قدميه لكي يلقي نظرة فوق السقف، وكان المشغل بالنسبة إليه كطفل جميل وردي الخدين، وكأب سعيد لديه ما يغدق عليه حنانه أو كامرأة فاتنة، وهو المجنون الذي يرتمي تحت قدميها مغلق العينين خافق القلب.
لقد تحقق حلمه، الحلم الوحيد الذي راوده طوال حياته، فهو السيد الوحيد للدكان، وجميع بكرات الخيط ولفائفه وربطاته ملك له، وكذلك الأنوال والفكاكات، وأكوام الصوف، وهو وحده القائم على الخزينة، كما أنه هو وحده الذي يساوم ويحدد السعر، ويده هو وحده هي التي تلمس قطع النقود.
وفي أول مساء، بينما كان يغلق الأبواب والمتاريس، كانت عيناه تسبحان في كل ناحية، ولا يكف عن زجر صبيانه. - برفق! برفق انتبه! إن الأبواب ليست من حديد.
لا تصك المصاريع إنها ليست من حديد.
حاسب على الأقفال أيها الأخرق! إنها ... ثم حتى لو كانت ... هناك يايات ومفاتيح وهي تتكلف المال.
وعاد أدراجه عشر مرات لكي يمعن في فحص حانوته، وأخيرا ألقى عليه نظرة طويلة وابتسم له، وامتلأت عيناه بالدموع، ثم قرر أن ينصرف وهو يتمتم: «حانوتي المسكين! ... إنه حزين هو أيضا بستائره المسدلة وبابه المغلق، وكأنه رجل أغلق عينيه، ولكن عند الفجر فتحت عيناه ونوافذه أيضا، ولاح الحانوت وكأنه يتكلم؛ لكي يجذب الزبائن ويرجو لهم صباحا طيبا، ويدعوهم لكي يشتروا منه شيئا ... يا له من فاتن!»
Bog aan la aqoon