بعد فترة من الصمت سألت مصدر الصوت: «كل هذا غير حقيقي.» - «نعم.» - «كيف لم أنتبه لشيء مثل هذا من قبل!» - «في الواقع، أنت انتبهت لعدة تلميحات تخبرك بعدم واقعية حياتك عدة مرات، لكن ولكونك جزء من المنظومة نفسها، لم يمكنك تخطيها لتستوعب خارجها، عندما اقتحمت المجال دون الذري لكونك، لاحظت أنه العالم الكمي فوضوي لا تضبطه أي قوانين، وأن ملاحظتك له هي ما تحدد سلوكه وانضباطه من عدمه، يحدث هذا لأن عالم الكوانتم عندك هو بكسل شفرة البرنامج، كلما اقتربت أكثر تشوشت الصورة وبانت الأخطاء.» - «لماذا يحدث هذا؟» - «الأخطاء تحدث!»
سألته وأنا أتلفت حولي: «هل أنا هنا لوحدي؟» - «نعم.» - «أين البقية؟» - «لا يوجد بقية.» - «لكن ... زوجتي؟ وأصدقائي؟» - «لا يوجد سواك، كلهم «أنت»، كلهم نسخ متعددة منك، من نسج خيالك، كل الكون من نسج خيالك، أنت وضعتهم هناك حتى لا تكون وحيدا، ولتجد من تحسن إليه وتتكامل معه نفسك، لتتعلم كيف تتقبل ذواتك الأخرى المختلفة، لكنك صنعت اختلافاتك ونسيت، ثم ميزت نفسك عن الآخرين، لكنك لم تفهم أنه لا يوجد آخرون، كل شيء يختفي عندما تدير بصرك عنه، وعندما تموت.»
سألته: «ومن أنت؟» - «أنا ما يمكنك أن تسميه شيء مبرمج لأجيب على أسئلتك، وقد سألتني هذه الأسئلة ملايين المرات في كل مرة يوقظك الموت فيها، الموت ليس سيئا كما تعتقد، هو فقط ركلة الاستيقاظ والبدء من جديد عند انتهاء كل مرحلة فاشلة.» - «ومن قام بصنعك؟» - «أنت ... أنت قمت بصنعي ...
ألم تفهم بعد!
أنا هو أنت، أنت ميت في ماض سحيق، في عالم آخر، وقبل موتك صنعت هذه الخوارزمية لتخلق الأرض كما تعرفها، لتتحايل على موتك وتعيش مجددا، في خيالك، عقلك يحلم بكون ينفجر من العدم، وحيوات أخرى، وبشر وحيوانات، ليعيش فيها خيارات جديدة، هذه الحروف المتساقطة حولك هي رموز برمجة حياتك كما عشتها، وهي ذاتها حروف شفرة حمضك النووي، هدف البرنامج أن تترقى وتصبح إنسانا، أو تظل تعيد التجربة وتتقمص الحيوات حتى تصل إلى الكمال المنشود، هذا التكرار لا ينتهي إلا بكسر الحلقة والوصول لهدف البرنامج.» - «كيف أكون أنا من صنعتك في حين أنك أنت من تحلم بي؟ ألا ترى في هذا بعض التناقض؟ من أوجد الآخر أولا؟»
يصمت الصوت قليلا، ثم يعود ويتردد في ذهني بصداه المحبب: «لا يوجد تناقض، أنت صنعتني وأنا أوجدتك، لا يوجد قبل وبعد، تلك مقاييسك الزمنية، لكن الزمن الذي تعرفه وتتحدث عنه غير موجود هنا، لم يبدأ إلا مع بدء الكون كما رأيته من قبل. هنا يمتزج الماضي الحاضر والمستقبل في دائرة آنية لا نهائية لا بداية لها أو نهاية، ولا سطوة فيها للزمن، أنا رقيبك في عالم خيالي صنعته أنت، وقد عشت كل الخيارات الممكنة، ولا تزال تعيشها، بينما عالمك الحقيقي الذي توفيت فيه يتجه للفناء.
أنت الله الذي تعبده على الأرض، صنعت من ذاتك الحقيقية ذواتا افتراضية لتؤنس وحدتك، أنت من أرسلت الرسل والأنبياء، ومن كتبت الكتب المقدسة، أنت من فجرت الكون، وصنعت المادة، ونظمت تطور الحياة، خيالك خلق كل هذا.
لكنك تنسى، دوما ما تنسى.»
صوت غريب يتصاعد في الخلفية، صوت كلب يزمجر في مكان ما.
ليس واضحا جدا، لكنه صوت كلب بالتأكيد.
Bog aan la aqoon