معنى هذا أن الأساطير التي تحدثت عن رمز الوحش لم تكن خرافات إلى هذا الحد، الأمر حقيقي بعد كل شيء.
كانت ساعة الحائط في الصالة تشير للرابعة صباحا، لن أستطيع النوم مجددا، سأظل مستيقظا حتى تشرق الشمس ثم أذهب للجامعة ... أعددت كوبا من الشاي الثقيل، ومع رائحة النعناع الزكية المتصاعدة من الشاي جلست في المكتبة على ضوء الأباجورة الخافت أطالع الكتاب.
في الفصل السابع المسمى «في الأسماء التي كان النبي عيسى يحيي بها الأموات» يقول أحمد ابن البوني: «لم يكن السر الخاص بالسحر والشياطين وكيفية تسخيرهم متاحا للبشر في أي زمن مضى، حتى جاء النبي سليمان ملك بني إسرائيل، وسخر الله له كائنات العالم الآخر، وبعد وفاته انتشرت أقاويل أن هناك مخطوطا كتبه أحد الجن يحتوي كل الرموز التي كان يستخدمها النبي سليمان للسحر ويشرح كافة تفاصيله بدقة.»
ثم راح في الصفحات التالية يتحدث بإسهاب عن الجني «شمشوق». «شمشوق» هذا - بحسب ابن البوني - ملاك ساقط، من أوائل الملائكة التي تمردت مع إبليس ورفضت السجود لآدم، فنفاهم الله جميعا إلى الأرض، ثم سخره لاحقا ضمن حاشية من الجن ليكون خادما لدى سليمان، وقد كان حاضرا عندما طلب سليمان عرش بلقيس وجاءه الجني ليعرض عليه أن يحضر عرشها قبل أن يرتد إليه طرفه ... وحدث ما حكى عنه القرآن الكريم لاحقا.
كان «شمشوق» مقربا من نبي الله «سليمان»، وكثيرا ما كان الملك يستشيره في أمور الناس.
لكنه كان يملك عادة سيئة جدا، هي أنه وسيم جدا.
وعادة سيئة أخرى، أنه يكتب كثيرا!
حشد من العادات السيئة كانت السبب لما حكى عنه لاحقا.
في مخطوطة تقع في أكثر من ألف صفحة من جلد الجمال المدبوغ، سطر «شمشوق» تفاصيل الأيام التي قضاها مع «سليمان»، تحكي الأوراق عن القوة الهائلة التي حصل عليها النبي، وكيف أن العالم المنظور وغير المنظور كان تحت تصرفه وأوامره، حكى عن هوس السلطة، وجنون العظمة الذي بدا يعتري النبي الملك، وهو شيء مفهوم بالطبع، افتح أي كتاب في التاريخ واقرأ عن قادة الجيوش أو الملوك والأمراء، ستصاب بالذهول من الكم الهائل من الاضطرابات النفسية، والنرجسية المفرطة، وكل أوهام العظمة، والبارانويا، التي كانت تنضح من وجوههم وأفعالهم، أن تكون ملك الملوك، وأقوى الأقوياء على وجه البسيطة، لم يخلق بعد الإنسان الذي يستطيع الحياز على كل هذه السلطة دون أن تغير فيه شيئا.
لم يكن السحر بمعناه الحديث معروفا في تلك الأيام، لذلك كانت الأشياء السحرية الإعجازية التي يقوم بها الملك مثيرة للذهول ، تحكي الأوراق كذلك عن الشفرة السرية التي كان يرددها النبي والتي أوحى الله له بها عن طريق الملك «جبريل»، حين زاره ذات مساء في قصره، وأعطاه ملفوفا يحتوي عبارات غريبة، نوع من التعاويذ يحافظ على كل هذه الكائنات المرعبة تحت سيطرته حتى لا يفلت عيارها، أو تتمرد عليه!
Bog aan la aqoon