كنت قد نهضت من مكاني أثناء حديثه والتقطت العلبة الفارغة مع جملته الأخيرة التفت له في دهشة.
كيف بحق ال؟
أكمل هذيانه دون أن يعيرني انتباها: «المستقبل يتغير في كل ثانية، بناء على القرارات التي نتخذها في كل لحظة، مهما كانت ضئيلة وتافهة، لوحك المحفوظ يتغير ويتشعب باستمرار بناء على تصرفاتك، يشبه الأمر تكنولوجيا الردود التفاعلية كما نعرفها اليوم، ومع خلفيتك هذه يغدو أي تصرف بسيط، كرمي علبة عصير؛ مهما لتغيير مستقبلك، هذا التصرف البسيط منك الآن أغلق في وجهك آلاف الأبواب، وفتح بابا جديدا يقود لخيارك الأخير.»
دوما ما كان يراودني ذلك الشعور الغريب بأنني قد عشت هذه اللحظة من قبل، يطلقون عليها مصطلحا فرنسيا متحذلقا، ديجا فو! نعم هذا هو، يقولون إنها بسبب خلل في النواقل العصبية في الدماغ أو سريان الدم، لا أذكر بالتحديد، لكنني شعرت بأنني قد عشت هذه اللحظة مسبقا، سمعت هذا الحديث من قبل في هذا المكان بالتحديد!
أخذ «عثمان» شهيقا عميقا، ونظر لي بتركيز وأنا أقف قبالته مصعوقا.
أضاف بهدوء: «بسبب مسمار سقطت المملكة، يمحو الله ما يشاء ويثبت.»
في اللحظة التالية خرق مسمعي صوت الارتطام العالي.
التفت مذعورا لأرى الهول ذاته يتحقق.
في لحظة تجمد فيها الزمن، وشل فيها عقلي، رأيت الشاحنة البيضاء المنفلتة تهشم سور الجامعة الحديدى وتندفع نحوي بسرعة جنونية، كان السائق النحيل يتقافز في مكانه مغشيا عليه ... وجمع غفير من الناس عبر السور المتداعي يلوحون لي بأيديهم وهم يصرخون محذرين.
ورأيت «عثمان» جالسا ينظر لي في ثبات.
Bog aan la aqoon