Rules of Rulings in the Interests of People

Al-Izz Ibn Abd al-Salam d. 660 AH
72

Rules of Rulings in the Interests of People

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

Daabacaha

مكتبة الكليات الأزهرية

Goobta Daabacaadda

القاهرة

إلَى فَوَاتِ النَّفْسِ، فَكَانَ صَوْنُ النَّفْسِ مُقَدَّمًا عَلَى صَوْنِ الْبِضْعِ، لِأَنَّ مَا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ مِمَّا يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْأَبْضَاعِ. الْمِثَالُ الثَّامِنَ عَشَرَ: تَقْدِيمُ الدَّفْعِ عَنْ الْإِنْسَانِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ، وَلَك أَنْ تَجْعَلَ هَذَا كُلَّهُ مِنْ بَابِ تَحَمُّلِ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ دَفْعًا لِأَعْظَمِهِمَا. فَنَقُولُ: مَفْسَدَةُ فَوَاتِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ فَوَاتِ الْأَبْضَاعِ وَمَفْسَدَةُ فَوَاتِ الْأَبْضَاعِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ فَوَاتِ الْأَمْوَالِ، وَمَفْسَدَةُ فَوَاتِ الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ فَوَاتِ الْأَمْوَالِ الْخَسِيسَةِ، وَمَفْسَدَةُ هَلَاكِ الْإِنْسَانِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ هَلَاكِ الْحَيَوَانِ. الْمِثَالُ التَّاسِعَ عَشَرَ: إذَا شَغَرَ الزَّمَانُ عَنْ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ الْعُظْمَى، وَحَضَرَ اثْنَانِ يَصْلُحَانِ لِلْوِلَايَةِ، لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، لِمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ مِنْ الْفَسَادِ بِاخْتِلَافِ الْآرَاءِ: فَتَتَعَطَّلُ الْمَصَالِحُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَرَى مَا لَا يَرَى الْآخَرُ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، فَيَخْتَلُّ أَمْرُ الْأُمَّةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ، وَإِنَّمَا تُنَصَّبُ الْوُلَاةُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ لِلْقِيَامِ بِجَلْبِ مَصَالِحِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ، وَبِدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ ﵇: ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٢] . فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَخَيَّرْنَا بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِتَأَذِّي مَنْ يُؤَخَّرُ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَصْلَحَ تَعَيَّنَتْ وِلَايَةُ الْأَصْلَحِ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ أَصْلَحِ الْمَصَالِحِ فَأَصْلَحِهَا، وَأَفْضَلِهَا فَأَفْضَلِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَصْلَحُ بَغِيضًا لِلنَّاسِ أَوْ مُحْتَقَرًا عِنْدَهُمْ، وَيَكُونَ الصَّالِحُ مُحَبَّبًا إلَيْهِمْ عَظِيمًا فِي أَعْيُنِهِمْ، فَيُقَدَّمُ الصَّالِحُ عَلَى الْأَصْلَحِ، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَيْهِ مُوجِبٌ لِلْمُسَارَعَةِ إلَى طَوَاعِيَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ أَرْجَحَ مِمَّنْ يَنْفِرُ مِنْهُ لِتَقَاعُدِ أَعْوَانِهِ عَنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ، فَيَصِيرُ الصَّالِحُ بِهَذَا السَّبَبِ أَصْلَحَ.

1 / 74