Rules of Rulings in the Interests of People
قواعد الأحكام في مصالح الأنام
Daabacaha
مكتبة الكليات الأزهرية
Goobta Daabacaadda
القاهرة
Noocyada
Usulul Fiqh
الْوَجْهُ الثَّانِي: إنْ فَضُلَتْ الْمَدِينَةُ بِإِقَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ النُّبُوَّةِ، كَانَتْ مَكَّةُ أَفْضَلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ بِهَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً أَوْ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: إنْ فَضُلَتْ الْمَدِينَةُ بِكَثْرَةِ الطَّارِقِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَمَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْهَا بِكَثْرَةِ مَنْ طَرَقَهَا مِنْ الصَّالِحِينَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّهَا آدَم وَمَنْ دُونَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَلَوْ كَانَ لِمَلِكٍ دَارَانِ فُضْلَيَانِ فَأَوْجَبَ عَلَى عَبِيدِهِ أَنْ يَأْتُوا إحْدَى دَارَيْهِ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِغُفْرَانِ سَيِّئَاتِهِمْ وَرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ وَإِسْكَانِهِمْ فِي قُرْبِهِ وَجِوَارِهِ فِي أَفْضَلِ دُورِهِ، لَمْ يُرَتِّبْ ذُو لُبٍّ أَنَّ اهْتِمَامَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ أَتَمُّ مِنْ اهْتِمَامِهِ بِغَيْرِهِ مِنْ بُيُوتِهِ، وَقَدْ قَالَ ﷺ: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» . وَقَالَ: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ»، وَقَالَ فِي الْمَدِينَةِ، «مَنْ صَبَرَ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا كُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ التَّقْبِيلَ وَالِاسْتِلَامَ ضَرْبٌ مِنْ الِاحْتِرَامِ وَهُمَا مُخْتَصَّانِ بِالرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ السَّلَامِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْنَا اسْتِقْبَالَهَا فِي الصَّلَاةِ حَيْثُمَا كُنَّا مِنْ الْبِلَادِ وَالْفَلَوَاتِ، فَإِنْ قِيلَ إنْ دَلَّتْ الصَّلَاةُ إلَيْهَا عَلَى فَضْلِهَا فَلْتَكُنْ الصَّخْرَةُ أَفْضَلَ مِنْهَا لَمَّا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ إلَيْهَا؟ فَالْجَوَابُ إنَّ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ أُمَّتِهِ إلَى الْكَعْبَةِ أَطْوَلُ زَمَانًا، فَإِنَّهَا قِبْلَتُهُمْ إلَى الْقِيَامَةِ، وَلَوْلَا أَنَّ مَصْلَحَتَهَا أَكْبَرُ لَمَا اخْتَارَهَا لَهُمْ عَلَى الدَّوَامِ، وَكُلُّ فِعْلٍ نُسِخَ إيجَابُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي زَمَانِهِ أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ أَوْ مِثْلِهِ لِقَوْلِهِ: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦]، وَكَوْنُهُ أَفْضَلَ فِي زَمَانِهِ وَجْهٌ، لَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى.
1 / 46