Rules of Rulings in the Interests of People
قواعد الأحكام في مصالح الأنام
Daabacaha
مكتبة الكليات الأزهرية
Goobta Daabacaadda
القاهرة
Noocyada
Usulul Fiqh
لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي التَّسَاوِي وَالرُّجْحَانِ، فَيَتَحَيَّرُ الْعِبَادُ عِنْدَ التَّسَاوِي وَيَتَوَقَّفُونَ إذَا تَحَيَّرُوا فِي التَّفَاوُتِ وَالتَّسَاوِي.
وَكَذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ يَدْفَعُونَ أَعْظَمَ الْمَرَضَيْنِ بِالْتِزَامِ بَقَاءِ أَدْنَاهُمَا، وَيَجْلِبُونَ أَعْلَى السَّلَامَتَيْنِ وَالصِّحَّتَيْنِ وَلَا يُبَالُونَ بِفَوَاتِ أَدْنَاهُمَا، وَيَتَوَقَّفُونَ عِنْدَ الْحِيرَةِ فِي التَّسَاوِي وَالتَّفَاوُتِ؛ فَإِنَّ الطِّبَّ كَالشَّرْعِ وُضِعَ لِجَلْبِ مَصَالِحِ السَّلَامَةِ وَالْعَافِيَةِ، وَلِدَرْءِ مَفَاسِدِ الْمَعَاطِبِ وَالْأَسْقَامِ، وَلِدَرْءِ مَا أَمْكَنَ دَرْؤُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِجَلْبِ مَا أَمْكَنَ جَلْبُهُ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ تَعَذَّرَ دَرْءُ الْجَمِيعِ أَوْ جَلْبُ الْجَمِيعِ فَإِنْ تَسَاوَتْ الرُّتَبُ تُخُيِّرَ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ اُسْتُعْمِلَ التَّرْجِيحُ عِنْدَ عِرْفَانِهِ وَالتَّوَقُّفُ عِنْدَ الْجَهْلِ بِهِ. وَاَلَّذِي وَضَعَ الشَّرْعَ هُوَ الَّذِي وَضَعَ الطِّبَّ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضُوعٌ لِجَلْبِ مَصَالِحَ وَدَرْءِ مَفَاسِدِهِمْ.
وَكَمَا لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ لِلْمُتَوَقِّفِ فِي الرُّجْحَانِ فِي الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ الرَّاجِحُ، فَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِلطَّبِيبِ الْإِقْدَامُ مَعَ التَّوَقُّفِ فِي الرُّجْحَانِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الرَّاجِحُ، وَمَا يَحِيدُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ إلَّا جَاهِلٌ بِالصَّالِحِ وَالْأَصْلَحِ، وَالْفَاسِدِ وَالْأَفْسَدِ، فَإِنَّ الطِّبَاعَ مَجْبُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا جَاهِلٌ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةُ أَوْ أَحْمَقُ زَادَتْ عَلَيْهِ الْغَبَاوَةُ. فَمَنْ حَرَّمَ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ مِنْ الْكَفَرَةِ رَامٍ بِذَلِكَ مَصْلَحَةَ الْحَيَوَانِ فَحَادَ عَنْ الصَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ مَصْلَحَةَ حَيَوَانٍ خَسِيسٍ عَلَى مَصْلَحَةِ حَيَوَانٍ نَفِيسٍ، وَلَوْ خَلَوْا عَنْ الْجَهْلِ وَالْهَوَى لَقَدَّمُوا الْأَحْسَنَ عَلَى الْأَخَسِّ، وَلَدَفَعُوا الْأَقْبَحَ بِالْتِزَامِ الْقَبِيحِ. ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم: ٢٩]؟ فَمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَعَصَمَهُ أَطْلَعَهُ عَلَى دَقِّ ذَلِكَ وَجُلِّهِ، وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَا أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ فَقَدْ فَازَ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ.
قَالَ: وَقَدْ كُنَّا نَعُدُّهُمْ قَلِيلًا فَقَدْ صَارُوا أَقَلَّ مِنْ الْقَلِيلِ، وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْأَحْكَامِ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَعَصَمَهُ مِنْ الزَّلَلِ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى الْأَدِلَّةِ الرَّاجِحَةِ، فَأَصَابَ الصَّوَابَ فَأَجْرُهُ عَلَى قَصْدِهِ وَصَوَابِهِ، بِخِلَافِ مَنْ أَخْطَأَ الرُّجْحَانَ
1 / 6