مقدمة المؤلف
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
قال العبد الفقير إلى الله - تعالى - أبو العباس أحمد بن عمر الحموي: اما بعد. فهذه مقدمة تشتمل على مسائل يفتقر غليها المشتغلون بفن القراءة جمعتها عن سؤال بعض الإخوان رجا المغفرة، والرضوان والله حسبي ونعم المستعان.
مسألة في تفضيل بعض القرآن على بعض وفاقا لابن راهويه نصا، وابن سريج، والقاضي أبي يعلى في ظاهر كلامهما واختاره
1 / 21
النووي خلافا للأشعري والقاضي أبي بكر. وهو راجع إلى الأجر لا في ذات الحروف على الأصح.
واختاره النووي خلافا لابن تيمية فإن قيل يلزم مفضولية البعض قلنا: بالنسبة إلى بعضه الأفضل مسلم وملزم؛ إذ لا محذور كإثبات الفصيح، والأفصح، وبالنسبة إلى مطلق الكلام ممنوع؛ إذ الغرض خصوص الفاضلية بين بعض القرآن نظرا إلى متعلقه كما في الصحيحين: (قُل هُوَ اللَهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن.
1 / 22
قال المازري: لان القران على ثلاثة انحاء، قصص، واحكام وصفات فلتمحضها للصفات كانت جزءا من الثلاثة. وسكت عليه عياض.
والاصح بناء على تعلق الفضيلة بالاجر. اجر قارئها قدر اجر الثلث ابتداء، ثم تستويان في التضعيف
فصل في قوله
أنزل الله القرآن على سبعة أحرف
مسألة: العدد فيها خاص في الأصح. وفي السبعة الأحرف أقوال.
1 / 23
أحدهما: معان كالحظر، والإباحة، ونحوهما.
الثاني: صور النطق كالإدغام، والإظهار، ونحوهما.
الثالث: الحروف، والألفاظ. وهو ظاهر قول ابن شهاب.
الرابع: الأوجه، والقراءات السبع. حكاه القاضي عياض، وابن قرقول، وغيرهما. وهو ظاهر قول الشاطبي وضعفه المحققون. وحكي الاجماع على بطلانه. بل الصواب أن القراءات السبع على حرف واحد من السبعة. وهو الذي جمع عثمان ﵁ المصحف عليه.
1 / 24
الخامس: لغات للعرب جملة. وهو قول أبي عبيد وصححه مكي والجعبري وابن جبارة، وغيرهم.
السادس: يخصها بمضر.
السابع: خواتيم الآيات كجعله موضع (غفور رحيم)، (سميع بصير) وهو باطل بالإجماع.
1 / 25
والإجماع على منع التغيير. وفي الحديث) إن قلت كان الله سميعا عليما أو غفورا ريحما فالله كذلك (وهذا يدل عليه.
1 / 26
الثامن: وهو قول الطبري قال مكي في التبيان: تبديل كلمة في موضع كلمة يختلف الخط بينهما، ونقصان كلمة، وزيادة أخرى؛ فمنع خط المصحف المجمع عليه ما زاد على حرف واحد؛ لأن الاختلاف لا يقع إلا بتغير الخط في رأي العين وحكى ابن حبان خمسة وثلاثين قولا.
مسألة: لم يجتمع السبعة في كلمة في الأصح وقيل جمعت في (بيس) ونحوها.
مسألة: حكي عن ابن مسعود ﵁ من تجويز القراءة
1 / 27
بالمعنى، ولا يصح وعن أبي حنيفة ﵁ جوازها بالفارسية وعنه بشرط العجز عن العربية.
قال القاضي: الصحيح أن السبعة استفاضت وضبطتها الأمة، وأثبتها عثمان ﵁ في مصحفه. وذكر الطحاوي في ابتداء الأمر تسهيلا على العرب لاختلاف لغاتهم، وعسر اجتماعهم على لغة، فلما
1 / 28
لانت لهم اللغات، وتذللت ألسنتهم ارتفعت بحرف واحد، فصار الناس إليه، وانعقد إجماعهم عليه.
قال الداوودي وابن أبي صفرة المالكي: السبع. واحد من الاحرف السبعة وهو الذي جمع عثمان ﵁ المصحف عليه. وكذلك قال النحاس وعول عليه مكي والسمرقندي وغيرهما.
واختلفوا هل قال الله - تعالى - بحرف، وأذن في الستة أو قاله بالسبعة جميعا على ثلاث أقوال ثالثها: إن اختلف معنى القراءتين كان قائلا بهما، وإن ائتلف فبحرف، وأذن في الآخر؛ وهو قول السمرقندي والصواب أنه قال بالسبعة والا لزم أن بعض القرآن ليس بكلام الله حقيقة.
1 / 29
مسألة: حكى البغوي الإجماع على تواتر العشرة؛ ونذكر أبوبكر بن عياش - وهو من رواة عاصم - ووافقه أبو الحسن السبكي وغيره وعليه جمهور القراء؛ وضابط الاحرف السبعة ما تواتر سندا واستقام عربية، ووافق رسما. ذكره المهدوي، ومكي، والجعبري، وابن جبارة
1 / 30
وصاحب الكفاية وابن خلف.
قال الجعبري: المعتبر تواتر السند، ولازمه الآخران وهو كما قال.
وأول من جمع السبع أبو بكر بن مجاهد على رأس المئة الثالثة ببغداد؛ وجعلها سبعا ليوافق في الأشياخ عدد الأحرف، ولم يرد حصر التواتر في سبع هؤلاء، وخص هؤلاء لكونهم أشهر القراء من أشهر الأمصار.
وجمع ابن جبير كتابا يذكر فيه الخمسة، وأسقط حمزة
1 / 31
والكسائي وهو قبل ابن مجاهد. وجمع قوم الثمانية بزيادة يعقوب الحضرمي.
وقيل: جعلها ابن مجاهد سبعة على عدة المصاحف التي كتبها عثمان والأول أصح.
والصحيح أن المصاحف العثمانية خمسة. ذكره مكي في الإبانة
1 / 32
والنووي في التبيان.
ولم يكتبها عثمان بيده؛ وإنما كتبت بأمره. ذكره غير واحد والمشهور أن عثمان - رضوان الله عليه - كتب مصحفا واحدا، والأرجح أنه في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
مسألة
ذهب قوم من الفقهاء، والمتكلمين والقراء إلى اشتمال المصحف العثماني على الأحرف السبعة وهو قول القاضي أبي بكر
1 / 33
بناء على امتناع إهمال شيء من الأحرف على الأمة، وقد اتفقت على نقل المصحف العثماني وترك غيره.
قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن بعض الأحرف السبعة التي أذن فيها الشارع ﷺ.
والأول أظهر إذ لو جعله مشتملا على الأحرف السبعة لم يزل الخلف؛ ومقصوده بجمعه إزالته.
وجرده عن النقط والضبط لئلا يتحجر على حرف بعينه.
وأجاب ابن جرير الطبري عن قول القاضي وموافقيه أن الأمة لم تكلف القراءة بالسبعة وإنما رخص لهم في ذلك؛ وكذلك قال رسول الله ﷺ في بعض ألفاظ خبر السبعة:) هون على أمتي (. ولا يجب الإتيان بالرخص.
1 / 34
مسألة
ترتيب السور فعل الصحابة على الأصح والآيات بالوحي عن الجمهور، وحكي عليه الإجماع وحكى القرطبي قولين. وكذلك اختلفت المصاحف في ترتيب السور دون الآي.
فصل: ما لا يثبت كونه من الأحرف السبعة لا يجب القطع بنفيه خلافا لبعض المتكلمين.
وقد قطع الإمام أبوبكر بخطأ الشافعي، وموافقيه في إثبات البسملة) أنها من القرآن غير التي في النمل (. قال بعض المتأخرين: والصواب
1 / 35
القطع بخطأ القاضي، وموافقيه، وأنها آية من القرآن حيث أثبتها الصحابة ﵃ مع تجريد المصاحف عن التفسير، ونحوه مما ليس قرآنا.
فصل
الاختلاف بين القراء
فيما يحتمله الرسم على ضربين مختلف في السمع مؤتلف في المعنى كتثليث جيم) جُذوة (ومختلف فيهما) كيَنشُرُكٌم (و) يسَيِّرُكُم (. قال مكي:) وسبب الخلاف أن عرف الصحابة عدم إنكار كل منهم على الآخر بعد قوله: ﷺ أنزل القرآن على سبعة أحرف (.
وبعث صلى الله لعيه وسلم بعضهم إلى الامصار، فأقرأ كل منهم أهل مصره بقراءته التي كان يقرأ بها في عهد رسول الله ﷺ فاختلف قراء الامصار لاختلاف من أقرأهم من الصحابة ثم بعث عثمان المصاحف فحفظوا ما وافق رسمه، ورفضوا ما خالفه، وأخذ بذلك الآخر عن الغابر. والله أعلم.
قال نافع: قرأت على سبعين من التابعين فما اجتمع عليه اثنان
1 / 36
أخذته، وما شك به واحد تركته حتى ألفت هذه القراءة. وقرأ الكسائي على حمزة وغيره، فاختار من قراءة غيره نحوا من ثلاثمائة حرف، وكذا أبو عمرو على ابن كثير، وخالفه في نحو ثلاثة آلاف حرف اختارها من قراءة غيره.
فصل
اختلف فيمن جمع القرآن
في عهد رسول الله ﷺ
فقيل: أربعة، وقيل: ستة وقيل: خمسة؛ فعد المربعون أبيا، ومعاذا، وزيد بن ثابت، وأبا زيد وهو قول أنس. فقيل: من أبو زيد قال
1 / 37
بعض عمومتي. وعد بعضهم مجمع بن جارية وسالما مولى أبي حذيفة وترك زيدا، وأبا زيد وعثمان، وتميما الداري. وعد بعضهم أبا الدرداء مكان تميم. وحكى ابن عيينة عن الشعبي أنه قال: لم يقرأ القرآن على عهد رسول الله ﷺ إلا ستة كلهم من الأنصار: أُبي،
1 / 38
ومعاذ، وأبو الدرداء، وسعد بن عبيد القاري وأبوزيد، وزيد. فقيل هو ابن ثابت، وقيل: لا. والأول أظهر.
وقال الشعبي: غلب زيد بن ثابت الناس بالقرآن، والفرائض.
وقيل: أول من حفظ القرآن على عهد رسول الله ﷺ من الأنصار سعد بن عبيد، ومن الخزرج أبي ومعاذ، والخلاف في غيرهما والجمهور على عثمان وزيد وتميم.
فإن قيل: قال ﷺ: خذوا القرآن من أربعة عبد الله بن مسعود، ومعاذ، وأُبي، وسالم مولى أبي حذيفة، وسكت عمن سواهم فالجواب من وجهين: أحدهما أن هؤلاء لم يكونوا مشهورين بما نسب إليهم النبي ﷺ فذكر لينبه عليهم، وسكت عن غيرهم لشهرتهم، ويؤيده إجماع النقلة عن ابن مسعود أنه لم يكن جمع القرآن في عهده ﷺ.
1 / 39
قال ابن مسعود: جمعت في عهده بضعا وسبعين سورة وتلقنت من في رسول الله ﷺ سبعين سورة.
الوجه الثاني: أن النبي ﷺ قال هذا القول، ولم يكن في القوم أقرأ منهم، ثم حدث بعدهم من هو أرفع منهم كزيد، ونحوه. وإن قيل: قوله ﷺ (من أراد أن يسمع القرآن كما أنزل فليسمعه من في ابن أم عبد) يدل على اعتماد قراءته، والأخذ بحرفه مطلقا فلم تركت قراءته حتى منع منها مالك بن أنس وغيره.
فالجواب عنه ما حكاه مكي عن الحسين بن علي الجعفي أن النبي ﷺ حض على متابعة ابن مسعود في الترتيل. ويشهد لذلك قوله ﷺ في الرواية الأولى: (من أراد أن يسمع القرآن ...) الحديث. قال الجعفي: يعني الترتيل لا حرفه المخالف للرسم.
1 / 40