خلا به البيت، انقطعت الرتابة التي كان يشكوها، طابت نفسه بعض الحين بفراغ البيت، إنه يستطيع أن يفكر، وهل يحتاج إلى تفكير؟ لقد استقر إلى الرأي، ولكن ... ولكني مشوق لجعفر! بل إنني أريد أن أرى زوجتي! لماذا؟ أتحبها؟ لا أدري، لا تدري؟ ففيم كل هذا؟ ففيم تريد أن تفصل أما عن أولادها؟ لقد جنيت عليها في أول طريقها إلى الحياة، فجاءت بهم، وتريد أن تجني عليها ثانية بالانفصال عنهم من أجل فكرة لا تدري إن كانت قائمة في نفسك أم غير قائمة؟ لا أدري، ولكني أريد أن أرى زوجتي، أهي لهو هذه الوشائج التي تقطعها، وهذه الآمال التي تمزقها؟ أهي عبث أطفال؟ إنها الحياة، إنها آمال قوم، ومستقبل أطفال سيطالعهم غدا بحديث أم تركتهم من أجل رجل آخر، ومستقبل طفل هو طفلك سيلقاه الزمان وهو مجرد من حنان الأبوة الذي نعمت أنت به والذي صرت بفضله إلى ما صرت، ألا تدري؟ ألا تدري؟
ومد وصفي يده إلى التليفون، وأدار القرص دورة واحدة، وطلب من الترنك أن يوصله بعزبة زوجته.
الفصل الثالث عشر
دلفت سهير إلى القصر فوجدت القصر مائجا، فالخادمات رائحات غاديات في شغل شاغل عنها، فمنهن من تحمل زجاجة وتهرول بها، وأخرى منهن تقف إلى جانب التليفون في ذعر لا تكف يد لها عن إدارة القرص، بينما انهمكت اليد الأخرى في وضع السماعة ورفعها في حركة آلية ليس فيها من فهم أو عقل، ووقفت سهير في البهو حائرة تلاحق كل سائرة، أو مشغولة بعينيها ذاهلة النظرة، مفتوحة الفم، لا تملك أن تضم شفتيها لتكون سؤالا واحدا يشرح لها الجواب عن هذا الذعر الذي يسود القصر.
واستطاعت إحدى الخدم أخيرا أن تجمع شتات نفسها وتراها، وكأنما انتشلت الخادمة من وهدة عميقة الحيرة: ستي. - خير يا نبوية! - سيدي أحمد يا ستي.
ولم تزد الفتاة، وما كانت بحاجة إلى زيادة، فقد اندفعت سهير في ثورة مجنونة إلى حجرة ولدها: ابني ... ابني.
ووجدت ولدها شاحب الوجه ملقى لا حراك به على الفراش، وقد تفتحت عيناه لا تريان شيئا، يجتذب أنفاسه وكأنما ينازعه عليها خصم عنيف قوي الأسر، فما يكاد صدره يخرج إلا حشرجة مجهودة متقطعة غير مكتملة، وارتمت أمه بجانبه: أحمد ... مالك يا أحمد؟
ولو كان أحمد يستطيع نطقا لما كان هذا الذعر الذي انقض على القصر، وقالت الأم: دكتور ... أين الدكتور؟
وجاءت الخادمة التي بجانب التليفون وهي تقول لاهثة: طلبته يا ستي، سيأتي حالا.
وفزعت الأم إليها: طلبته! ألم يذهب أحد إليه؟ أين السيارة؟ أين عم دهب؟ لماذا لم يذهب إلى أي دكتور في الجوار؟ دكتور ... أما زلتن واقفات؟!
Bog aan la aqoon