Gabay iyo Sawir
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
Noocyada
أكدت السنوات العشر التالية (من 1500م إلى 1510م) نبوغه والدور الرائع الذي ساهم به في الارتفاع بالفن إلى ذروة عصر النهضة. وإذا كانت أعماله الأولى قد تأثرت بأستاذه (مثل لوحته عن الصلب)، فإن أول عمل يحمل توقيعه (وهو لوحته عن خطبة العذراء 1504م) قد تجاوز هذا التأثر وشهد بتفوقه عليه في قوة التكوين وصفائه. وكشفت له إقامته في فلورنسا (ابتداء من حوالي سنة 1504م) أن كل ما كان يعرفه قد بلي وتقادم عليه العهد. وبدأ يتعلم كل ما استطاع تعلمه من الفن والفنانين في فلورنسا. وصوره ورسومه التي أنتجها في هذه الفترة تبين قدرته العجيبة على تمثل ما تلقاه من دروس وتجارب، وما استفاده من علم ليوناردو وخبرة مايكل أنجلو في رسم الوجوه والموازنة بين الضوء والظل وصرامة التنفيذ وصفائه (خصوصا في سلسلة صوره التي أتمها في تلك الفترة للعذراء أو المادونا).
اتجه إلى روما في أواخر سنة 1508م بعد أن سمع عن عزم البابا جوليوس الثاني على تجديد الفاتيكان وتزيين حجراته، وكان مايكل أنجلو قد سبقه إلى هناك وعكف على تنفيذ رسومه المشهورة على سقف السيستينا «الكابيلا سيستينا»، وبدأ رافائيل العمل مع تلاميذه ومعاونيه على تزيين جدران الغرف برسومه الرائعة التي أتمها بين سنتي 1900-1911م ، ونذكر أهمها وهما «مدرسة أثينا» (التي تجد قراءة تحليلية لها في كتابي مدرسة الحكمة)، و«الجدل»، اللتان تصوران الفلسفة واللاهوت كمرحلتين من مراحل تطور العقل البشري بأسلوب كلاسيكي بالغ الصفاء والاتزان، فضلا عن الرسوم التي أنجزها بنفسه أو صممها وأشرف على تنفيذ مساعديه وتلاميذه لها على جدران غرفة أخرى هي غرفة هيليو دوروس، وصور فيها - بأسلوب أكثر درامية وألوان أكثر حيوية - موضوعات متصلة بالتأييد الإلهي للكنيسة، وهي طرد هيليودوروس من المعبد، وتحرير القديس بطرس ومعجزة المناولة في بولزينا.
تراكمت أعباء العمل على رافائيل، وانهالت عليه العروض من البابا والملوك والأمراء، وأسند إليه الإشراف الهندسي على بناء كنيسة القديس بطرس الجديدة خلفا للمهندس برامانته الذي مات سنة 1514م، وتنفيذ مجموعة المشاهد المستمدة من العهد القديم في مدخل الفاتيكان، وقد أتمها سنة 1919م، ويرجح أن يكون دوره فيها قد اقتصر على التصميم لكثرة مهامه ومشاغله. وكان آخر عمل كلف به هو لوحته الكبيرة «التجلي» (متحف الفاتيكان) التي صممها ونفذ معظم رسومها، ومات قبل إتمامها، فأكملها وريثه وتلميذه جوليو رومانو (من حوالي 1492م إلى 1546م)، وتشهد هذه الأعمال الأخيرة بأنه كان على مشارف تحول فني جديد، لولا أن عاجلته المنية في عامه السابع والثلاثين.
أما هذه الصورة الجدارية فتعبر عن عروس البحر جالاتيا (ومعناها في اليونانية الأبيض اللبني) التي ذكرها هوميروس أول مرة في إلياذته (النشيد 18، سطر 45)، ثم روى «أوفيد» قصتها (التحولات، 13، سطر 738 وما بعده)؛ فقد عشقها العملاق الأعور الرهيب (أو السيكلوب) بوليفيموس الذي يذكره قارئ الأوديسة بغير شك؛ فهو الذي سجن أوديسيوس ورفاقه في كهفه، وراح يزدرد اثنين منهم كل صباح ومساء، حتى احتال عليه الداهية بدهائه وفقأ عينه الوحيدة بعمود ناري بعد أن أطعمه هو ورفاقه وأسكروه؛ وهرب أوديسيوس مع من تبقى منهم، وخرج العملاق الأعمى يتخبط وينادي على «اللاأحد» الذي غرر به وعلى أبيه بوزيدون رب البحر لينتقم له!
والمهم في هذا السياق أن هذا العملاق الرهيب قد عرف قلبه الحب قبل أن يجري له ما جرى على يد السندباد اليوناني ورفاقه؛ فقد جن جنونه بعروس البحر جالاتيا، وراح يتودد إليها دون فائدة؛ ذلك لأن قلبها كان مشغولا عنه بحب شاب اسمه أكيس. وكانت المحبوبة المتكبرة تستمع ذات يوم مع حبيبها لأغنيات الحب اليائسة التي كان ينشدها بوليفوموس. وانتهى العملاق من أغنيته وانتبه إليهما وهما يغادران مخبأهما، فاستبد به الغضب وانطلق يجري وراءهما. أسرعت جالاتيا إلى الماء وغاصت فيه، وأدرك العملاق حبيبها وقذفه بصخرة عظيمة سحقته، لكن الحبيبة لم تنس حبيبها فحولته إلى نهر يحمل اسمه إلى الأبد! ... (1) رونالد بوترال (
Roland Bottral ) (1906م-...)
سبقت ترجمته مع لوحة بروجيل «سقطة إيكاروس». وقد شاهد الشاعر الإنجليزي هذا «الفريسكو» أو الرسم الجداري لرافائيل أول مرة سنة 1949م، ووصفه في كتابه «مراكز الفن في العالم، روما» الذي صدر في لندن ونيويورك سنة 1968م، ص30. أما القصيدة نفسها (وهي من نوع السوناتة) فقد أنشأها سنة 1972م. ويلاحظ أن العجوز الذي يشير إليه السطر الأول هو نيرويس إله البحر، أما قصة حب العملاق الأعور (السيكلوب ) بوليفيموس لجالاتيا ابنة إله البحر نيرويس، فقد رواها الشاعر الروماني أوفيد في كتابه التحولات، الفصل الثالث عشر، السطور 749-897 وذكرناها قبل قليل ... «جالاتيا»
نيريدا، يا بنت عجوز البحر،
كم كرهت الدب والفيل
اللذين يثقلان عليك كل يوم بزيارتهما،
Bog aan la aqoon