Gabay iyo Sawir
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
Noocyada
وكل ما تحتاج أن تعلم.
لعل أقدم نص نعرفه في تاريخ الأدب والنقد الغربي عن هذه العلاقة الساحرة الغامضة بين الشعر والفنون التشكيلية هي العبارة المنسوبة إلى سيمونيدس الكيوسي (من جزيرة كيوس في بلاد اليونان، وقد عاش حوالي سنة 556 إلى حوالي سنة 468ق.م.) التي يقول فيها إن الشعر صورة ناطقة أو رسم ناطق، وإن الرسم أو التصوير شعر صامت.
5
ولا تلبث أن ترد على الخاطر تلك العبارة من كتاب «فن الشعر» للشاعر الروماني هوراس (65-8 ق.م.)، وهي التي يشبه فيها القصيدة بالصورة (كما يكون الرسم يكون الشعر، فن الشعر، 361)، كما يطالب ببذل الجهد لصقل البيت الشعري وتشكيله.
والمهم في هذه العبارة التي تعددت شروحها عبر العصور أنها أكدت التشابه بين الفنون - وخصوصا بين الشعر والرسم - إلى الحد الذي جعل النقاد في عصر النهضة يقرءونها على الوجه الآخر: كما يكون الشعر يكون الرسم. ولقد كانت هذه العبارة القصيرة وراء التأملات العديدة التي دارت حول نظرية الفن والعلاقة بين الفنون، خصوصا منذ القرن السادس عشر إلى معظم القرن الثامن عشر. وبينما ذهبت قلة من الشعراء إلى تفوق الرسم على الشعر لا محاكاة الطبيعة البشرية، جعلت الأغلبية من نفسها حماة للشعر، وراحت تؤكد أن الشعراء هم أعظم الرسامين. ومنذ أن وصف الكاتب الإغريقي الساخر لوكيان «من حوالي 120 إلى حوالي 180م»، شاعر الإغريق الأكبر هوميروس بأنه رسام مجيد (في كتابه الصور أو الأيقونات، 8-)، وأيده في هذا شاعر عصر النهضة بترارك «1304-1374م» انطبقت صفة الرسامين أو المصورين العظام على عدد كبير من الشعراء يمتد من ثيوكريتيس، وفرجيل، وتوركواتو تاسو، وأوريوستو إلى سبنسر، وشكسبير، وملتون وجماعة الشعراء الذين سموا أنفسهم في القرن التاسع عشر باسم «السابقين على رافائيل»،
6
والبارناسيين وعدد كبير من شعراء العصر الحديث. ولم يخل الأمر من ناحية أخرى من وجود نقاد يؤكدون أن الرسامين والمصورين شعراء، وأن فنانا رائع الخيال مثل أنجلو يشهد على شاعرية فن الرسم ويسمح بمقارنة الرسامين الشعراء بالشعراء الرسامين!
ومهما يكن الأمر فإن عبارة «هوراس» المشهورة قد نجحت في تأكيد العلاقة القائمة بين الشعر والرسم وغيرهما من الفنون، وأثرت على نظريات الشعر والفن عبر العصور، وهدت العديد من الشعراء والفنانين التشكيليين على دروب الإلهام ومسالكه الغامضة، وحفزتهم على مواصلة نشاطهم الإبداعي المثمر.
غير أن العبارة نفسها قد أثرت كذلك على الاتجاه المضاد الذي ينكر أصحابه تراسل الفنون وتجاوبها ويرفض مبدأ المقارنة بينها رفضا حاسما وكأنه «وباء علم الجمال الحديث» ... فقد حذر شافتسبري «فنون النحت 1712م» من عقد المقارنات بين الرسم والشعر، ووصفها بأنها محاولات عقيمة وباطلة. ثم جاءت الضربة الكبرى لهذا الاتجاه كله من كتاب هام ذائع الصيت هو كتاب «لائوكون» (1766م) لأديب عصر التنوير والكاتب والناقد المسرحي «ليسنج»؛ فقد نظر إلى الشعر والرسم من حيث علاقتهما بالزمان والمكان على الترتيب، وميز الأشكال الزمانية في الفن تمييزا حادا من الأشكال المكانية، وبين عواقب الخلط بينها في العمل الفني الواحد والتأثيرات الناجمة عن البنية الداخلية المختلفة في الشعر عنها في الرسم. ولقد كانت النظريات الفنية التي استندت إلى مبدأ «هوراس» هي في رأيه السبب الرئيس للاضطراب والخلط المؤسف بين الفنون في عصره. ثم جاء في عصرنا الحاضر من ألف «اللائوكون الجديد، مقال عن الخلط بين الفنون» (المؤلفة أيرفنج بابيت 1910م)، فأيد حجج ليسنج وشواهده - التي استمدها من الأدبين الإغريقي والروماني - بحجج جديدة تؤكد عبث المحاولة كلها وتبسيطها المخل لطبيعة الفن والواقع على السواء.
7
Bog aan la aqoon