ولكنهم في الوقت نفسه، ليسوا أقل خطأ بشأن استحالة وجود مجتمع من الملاحدة. ولا أدري كيف يمكن أن ينسى السيد بايل مثالا صارخا كان قادرا أن يحقق النصر لقضيته.
ما الذي يجعل مجتمعا من ملاحدة يبدو مستحيلا؟ هذا لأن المرء يحكم بأن الناس الذين ليست لديهم مرجعية لا يمكنهم العيش معا أبدا؛ أن القوانين لا تجدي في مواجهة الجرائم السرية؛ أن وجود الله المنتقم الذي يعاقب - في هذا العالم أو في العالم الآخر - الأشرار الذين هربوا من العدالة البشرية، ضروري.
صحيح أن شرائع موسي لم تبشر بحياة أخرى، ولم تهدد بعقوبات بعد الموت، ولم تعلم اليهود الأوائل عن خلود الروح، ولكن اليهود، وهم أبعد ما يكون عن تسميتهم بالملاحدة، وأبعد ما يكون عن الإيمان بتجنب الجزاء الإلهي، كانوا أكثر الناس تدينا. لم يؤمنوا بوجود الله الأبدي فقط، ولكنهم اعتقدوا أنه حاضر دائما بينهم، وكانوا يرتجفون خشية أن يعاقبوا في أنفسهم أو زوجاتهم أو أطفالهم أو في ذريتهم القادمة حتى الجيل الرابع. كان هذا وازعا فعالا للغاية.
أما غير اليهود فظهرت بينهم طوائف كثيرة بلا وازع: شك الشكوكيون في كل شيء، وعلق الأكاديميون الحكم على كل شيء، وكان الإبيقوريون مقتنعين بأن الإله لا يمكن أن يقحم نفسه في شئون البشر، وفي الحصيلة لم يقروا بأي إله. كانوا مقتنعين بأن الروح ليست جوهرا، ولكنها ملكة ولدت، وتضمحل مع الجسد؛ ومن ثم لم يكن من نير يثقلهم إلا الأخلاق والشرف. كان أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان الرومان ملاحدة حقيقيين؛ لأن الآلهة لم تكن توجد عند رجال لم يخافوها ولم يرجوا منها شيئا. هكذا كان مجلس الشيوخ الروماني في زمن قيصر وشيشرون - حقا - جماعة من الملاحدة.
يقول الخطيب العظيم، في خطبته من أجل كلوينشوس، لمجلس الشيوخ المنعقد بأكمله: «ما الضرر الذي يسببه له الموت؟ نحن نرفض كل الخرافات الموروثة من الأراضي الخفيضة، من أي شيء يحرمه الموت حينئذ؟ لا شيء سوى الوعي بالألم.»
ألم يعترض قيصر، صديق كاتالينا، متمنيا إنقاذ حياة صديقه، في مواجهة شيشرون هذا نفسه، محتجا بأن إماتة المجرم لا تعني معاقبته على الإطلاق؛ لأن الموت «لا يعني شيئا»، ولكنه مجرد نهاية لكل أوجاعنا، وهو لحظة سعيدة أكثر منها مأساوية؟ أولم يستسلم شيشرون ومجلس الشيوخ جميعا لتلك الحجج؟ لقد شكل غزاة الكون المعروف ومشرعوه مجتمعا من الناس الذين لم يخشوا شيئا من الآلهة، وكانوا ملاحدة حقيقيين.
علاوة على ذلك، يبحث بايل ما إن كانت الوثنية أخطر من الإلحاد، وما إن كان انعدام الإيمان بالإله جريمة أكبر من اعتناق آراء تافهة عنه. ويتبنى في ذلك رأي بلوتارخ؛ فيعتقد أن الافتقار لرأي أفضل من تبني رأي سيئ. لكن، مع كل الإجلال لبلوتارخ، كان من الأفضل كثيرا لليونانيين بوضوح أن يخشوا سيريس ونبتون وجوبيتر من ألا يخشوا أحدا على الإطلاق. قداسة الأيمان ضرورية للغاية، وينبغي أن يثق المرء بأولئك الذين يؤمنون بأن من يحنث في قسمه يعاقب أكثر مما يثق بأولئك الذين يظنون أن بإمكانهم أن يحنثوا في أيمانهم بلا عقوبة. لا شك أن وجود دين في مدينة متحضرة، وإن يكن دينا سيئا، أفضل كثيرا من الافتقار لأي دين على الإطلاق.
لذلك يبدو أن بايل كان ينبغي عليه أن يدرس، بدلا من ذلك، أيهما أخطر: التعصب أم الإلحاد؟ إن التعصب أخطر ألف مرة؛ لأن الإلحاد لا يثير الشغف الدموي، بينما يثيره التعصب. لا يتعارض الإلحاد والجريمة، لكن التعصب يؤدي إلى ارتكاب الجرائم؛ فالمتعصبون هم من ارتكبوا مذابح يوم سان بارثولوميو. عاش هوبز، الذي قضى حياته ملحدا، حياة هادئة وادعة. أما متعصبو عصره فأغرقوا إنجلترا واسكتلندا وأيرلندا في الدم. لم يكن اسبينوزا ملحدا فقط، لكنه كان يعلم الإلحاد. لم يكن هو بالتأكيد من أسهم في الحكم القضائي بإعدام بارنيفلدت، ولم يكن هو من مزق الإخوة دي ويت إربا وأكلهم مشويين.
الملاحدة، في المقام الأول، باحثون وقحون ومضللون وفاسدو الفكر، وبما أنهم غير قادرين على فهم الخلق، وأصل الشر، وغيرها من الإشكاليات، فهم يلجئون إلى فرضية أبدية الأشياء وفرضية الحتمية.
لا يملك الطموحون والحسيون الوقت لإعمال العقل، أو لاعتناق نظرية سيئة؛ فلديهم أشياء أخرى ليفعلوها غير مقارنة لوكريتيوس بسقراط. هكذا تسير الأمور بيننا.
Bog aan la aqoon