لو كان لبيلاطس عقل متوازن جيدا، لطلبت له عامين فقط لأعلمه الحقيقة الميتافيزيقية، ولأن الحقيقة الميتافيزيقية مرتبطة بالضرورة بالحقيقة الأخلاقية، فسيرضيني أنه كان من شأنه في أقل من تسعة أعوام أن يصبح عالما حقيقيا ورجلا أمينا تماما.
كان علي أن أقول لبيلاطس حينئذ: إن الحقائق التاريخية مجرد احتمالات. لو أنك قاتلت في معركة فيليبي، فذلك - من وجهة نظرك - حقيقة تعرفها بالحدس والإدراك. ولكن، من وجهة نظرنا، نحن الذين نقطن بالقرب من الصحراء السورية، هي مجرد أمر محتمل جدا، نعرفه بالشائعات. كم يلزم من الشائعات لتشكيل اقتناع مساو لاقتناع رجل يمكنه - وقد شهد الشيء - أن يبتهج بأن لديه نوعا من اليقين؟
ذلك الذي سمع الشيء يخبر به من اثني عشر ألفا من شهود العيان، لديه فقط اثنا عشر ألف احتمال تساوي احتمالية قوية واحدة، ولا تساوي اليقين.
ولو عرفت الشيء من واحد فقط من هؤلاء الشهود فأنت لا تعرف شيئا. سيجب عليك حينها أن تكون شكاكا. وإن كان الشاهد ميتا فستكون أكثر شكا بعد؛ لأنك لا تستطيع أن تستنير. وإن كان من شهود عدة موتى فأنت في البلوى نفسها. وإن كان من أولئك الذين تحدث إليهم الشهود فسيزداد شكك أكثر وأكثر.
من جيل إلى جيل، يزداد الشك، وينقص الاحتمال، وعما قريب سيقل الاحتمال إلى الصفر.
الطغيان
يطلق اسم الطاغية على ذلك الحاكم الذي لا يعرف قوانين سوى قوانين نزوته، ويستولي على ممتلكات رعاياه، ثم يجندهم ليذهبوا ليستولوا على ممتلكات جيرانه. لا وجود لهؤلاء الطغاة في أوروبا.
يميز المرء بين طغيان إنسان واحد وطغيان الجمع. قد يكون طغيان الجمع هو طغيان كيان انتهك حقوق كيانات أخرى، ومارس الاستبداد لصالح القوانين التي أفسدت بسببه. لا وجود أيضا لطغاة من هذا النوع في أوروبا.
تحت أي نوع من الطغيان تفضل أن تعيش؟ لا أحد منهما؛ لكن إن كان علي أن أختار، فسأكره طغيان إنسان واحد أقل مما أكره طغيان جماعة. ستظل للمستبد دائما لحظاته الخيرة، أما جماعة الطغاة فلن تكون لديهم أبدا لحظات طيبة. إذا ألحق بي طاغية ظلما فيمكنني أن أسترضيه عبر خليلته، أو الأب الذي يعترف له، أو خادمه؛ لكن جماعة من الطغاة الخطرين لا تكون منفتحة لكل الإغواءات. حتى حينما لا تكون ظالمة، تكون قاسية على الأقل، ولا تجود بالنعم.
إن كان لدي مستبد واحد فقط، فأنا بمأمن منه بالوقوف قبالة حائط حينما أراه يمر بالقرب مني، أو بالانحناء، أو بلمس الأرض بجبهتي، طبقا لعادات البلد؛ ولكن إن كانت هناك جماعة من مائة مستبد فأنا مهدد بتكرار هذه المراسم مائة مرة في اليوم، وهو أمر مزعج للغاية على المدى الطويل إن لم تكن ركبتا المرء مرنتين. إن كانت لدي مزرعة بجوار أحد سادتنا فسأسحق؛ وإن احتججت ضد قريب من أقارب أحد سادتنا، فسأهلك. ما العمل؟ أخشى أنه في هذا العالم، يختزل المرء ليكون إما مطرقة وإما سندانا؛ ومحظوظ من ينجو من هذين البديلين!
Bog aan la aqoon