أيها المجانين، يا من لم تقدروا قط على عبادة الله الذي خلقكم! أيها المجرمون الذين لم تقدروا أبدا على الاهتداء بقدوة أتباع شرائع نوح، ولا بالصينيين المستنيرين، ولا البارسيين وكل الحكماء! أيها الوحوش الذين تحتاجون إلى الخرافات كما تحتاج حواصل الغربان للجيف! أخبرتم بهذا بالفعل ولا شيء آخر لأخبركم به؛ إن كان لديكم ديانتان في بلادكم فستذبح كل منهما الأخرى، وإن كان لديكم ثلاثون دينا فسيسكنون في سلام. انظروا إلى عظيم الترك، يحكم الزرادشتيين، والبانيانيين، والمسيحيين اليونانيين، والنساطرة، والروم. وأول من يحاول أن يثير الفتن يخوزق، ويصمت الجميع.
من بين كل الديانات، المسيحية بلا شك هي الديانة التي يجب أن تلهم البشر بالتسامح أكثر من غيرها، مع أنه حتى الآن، ظل المسيحيون أكثر البشر افتقارا للتسامح. انقسمت الكنيسة المسيحية في مهدها، وانقسمت حتى أثناء الاضطهادات التي استمرت أحيانا تحت حكم الأباطرة الأوائل. وكثيرا ما كان الشهيد يعد منشقا من قبل إخوته، وحتى طائفة المسيحيين الكاربوكراتيين انتهت تحت سيف منفذي الإعدام الرومان، وحرم أعضاؤها كنسيا من قبل المسيحية الإبيونية، التي كانت محرومة في نظر السابليين.
هذا النزاع المرعب الذي امتد قرونا كثيرة هو درس مذهل نتعلم منه أنه يجب أن يسامح كل منا أخطاء الآخر. إن النزاع هو المرض الكبير للبشرية، والتسامح هو علاجه الوحيد.
ما من إنسان يختلف مع تلك الحقيقة سواء أكان يتأمل بانتباه في دراسته، أم يفحص الحقيقة بهدوء مع أصدقائه. لماذا، إذا، يبرز الناس الذين يقرون في السر بالتسامح والشفقة والعدل، هم أنفسهم على الملأ بهذا الغضب الشديد ضد هذه الفضائل؟ لماذا؟ لأن مصلحتهم الخاصة هي إلههم؛ ولذلك يضحون بكل شيء لهذا الوحش الذي يعبدونه؟
لدي كرامة وقوة مؤسستان على الجهل والسذاجة؛ أسير على رءوس البشر الذين يخرون ساجدين عند قدمي؛ وإن قاموا وتطلعوا إلى وجهي، فسأضيع. يجب أن أوثقهم إلى الأرض بالسلاسل الحديدية.
هكذا فكر الرجال الذين جعلتهم قرون من التعصب أقوياء. لديهم رجال أقوياء آخرون أدنى منهم، وهؤلاء أيضا لديهم رجال أقوياء آخرون تحت سلطتهم، واغتنوا جميعا من نهب الفقراء، وسمنوا من دمائهم، وسخروا من غبائهم. جميعهم يمقتون التسامح؛ لأن المتحزبين الذين اغتنوا على حساب العامة يخافون من تقديم حساباتهم، ولأن الطغاة يرتجفون من كلمة الحرية. وبعد ذلك، وليتوجوا كل شيء، يستأجرون المتعصبين الذين يصرخون بأعلى أصواتهم: «احترموا سخافات سيدي، وارتعشوا، وادفعوا وأغلقوا أفواهكم.»
هكذا عومل جزء كبير من العالم لفترة طويلة، ولكن اليوم، إذ تصنع طوائف كثيرة توازن قوى فأي طريق يفترض اتباعه معها؟ كل طائفة، كما يعلم المرء، تشكل مصدرا للخطأ، فلا توجد طوائف من علماء الهندسة أو الجبر أو الحساب؛ لأن كل افتراضات الهندسة والجبر والحساب صحيحة. في كل علم آخر، ربما يضل المرء. أي عالم لاهوت أكويني أو سكوتي يمكن أن يجرؤ على أن يقول بجدية إنه متأكد من قضيته؟
إن كان مسموحا لنا أن نتفكر بطريقة متسقة في المسائل الدينية، فمن الواضح أنه يجب علينا جميعا أن نكون يهودا؛ لأن يسوع المسيح - مخلصنا - ولد يهوديا، وعاش يهوديا، ومات يهوديا، وقال بوضوح إنه كان يتمم، ويحقق الديانة اليهودية. لكنه واضح مع ذلك أننا يجب أن نكون متسامحين فيما بينا؛ لأننا جميعا ضعفاء، غير متوافقين مع أنفسنا، وعرضة للتقلبات والأخطاء. هل يمكن لخيزرانة أسقطتها الريح في الوحل أن تقول لمثيلتها التي سقطت في الاتجاه المقابل: «ازحفي كما أزحف، أيتها الحقيرة، وإلا سأقدم التماسا لكي تنتزعي من الجذور وتحرقي!»
الحق
«فقال له بيلاطس: «أفأنت إذا ملك؟» أجاب يسوع: «أنت تقول إني ملك. لهذا قد ولدت أنا، ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي.»
Bog aan la aqoon