122

Qalbiga Ciraaq

قلب العراق رحلات وتاريخ

Noocyada

إن الصولجانيين ليستحقون ميدانا ببغداد أرضه لينة متماسكة تحت فراش من العشب المجزوز. وإن حكومة العراق لتحسن صنعا، إذا ما عنيت بتربية الخيول العربية خصوصا للعبة الصولجان، فالحصان العربي لا يبز في المرونة والقيادة. إنه في الجولات وفي الدورات السريع المطواع، وفي الكر والفر اللامع المجيد. فإذا ما عنيت الحكومة بهذا الأمر تمكنت من تصدير الخيل إلى أوروبا للعبة الصولجان، فتجاري في هذا بل تسبق أوستراليا والأرجنتين. عندئذ نقول مفاخرين: دونكم والصولجان وخيوله العربية! فاللعبة التي عادت من الغرب إلى الشرق، بعد ألف سنة، تعود بخيلها هذه المرة من الشرق إلى الغرب. •••

ولا نهاية لسياحة الألعاب، ولا مشاحة أن أكثرها، مثل الأديان، من الشرق. فالنرد والشطرنج من بلد الصولجان. والفروسية عربية الأصل. وهناك لعبة كان لها ازدهار في الغرب منذ ثلاث سنوات، وهي اليويو، وقد عادت منتصرة إلى مسقط رأسها، إلى هذه البلاد.

أجل، إن اليويو لعبة عربية المولد، وهل تعرف كيف ولدت وتطورت؟ لقد ولدت في منتجع الإبل. فالعرب، عندما يسوقون الإبل إلى الماء، يصيحون بها: جو، جو! وبعض العرب في نجد وفي البصرة مثلا يقلبون الجيم ياء فيقولون: يو، يو، ثم استخدموها في صيدهم بالصقور والبزاة.

يو، يو! طار الصقر لينقض على فريسته. يو يو! عاد الصقر إلى صاحبه. هل بان لك وجه الشبه بينه وبين اللعبة؟ يويو! أفلت الدولاب المربوط بالخيط. يو يو! عاد على خيطه إلى يدك. •••

وفي نادي الضباط لفرقة الهاشمي دار الحديث ذات ليلة على الألعاب وعلى الصيد. كان جميل الراوي مضيفنا للعشاء، فعرفنا إلى عشرين ونيف من الضباط العراقيين، وكل واحد منهم، في بزته ورونقه وحديثه مثال الأناقة والتهذيب. هي التربية الإنكليزية، وما أحسنها إذا ما نزهت عن السياسة.

وما الضباط العراقيون ممن يغمضون فضل معلميهم، فقد قال الملازم الأول صبحي العمري: «ما رأيت في الناس ألطف من بعض أولئك الضباط أساتذتنا، ولا من هم أرحب منهم صدرا، وأجمل صبرا. كنا نأتمر بأوامرهم في ساعات التعليم والعمل، وكنا نلعب وإياهم بعد ذلك كالإخوان الأكفاء، فنغلبهم في البولو، وفي الصيد. وما من مرة، في الصيد أو في اللعب، جعلونا نشعر بأنهم أرفع منا شأنا ومقاما، ثم إنهم يستقبلون الغلبة بصدر رحب، وصبر جميل، شأن من تعودوا الألعاب الرياضية، وعززوا آدابها القائمة على النبل والإنصاف والصبر.»

ولكن للقاعدة شواذها، فقد عرفوا كذلك الإنكليزي المتكبر المتحذلق الشرس الأخلاق. وعندما يكون مثل هذا الرجل ضابطا في الجيش، وأستاذا لضباط أجانب، فالعياذ بالله. ذكر أحد الضباط عسكريا من أساتذتهم تعددت صفاته المنكرة، فقال الملازم الراوي: هي الشخصية في كل حال، وعليها المعول حتى في صيد الخنازير.

ثم دار الحديث على الخنزير البري، الذي لا يزال يصطاد في العراق على الطريقة القديمة بالرماح والنبال، فروى أحدهم قصة مطاردة كان ذلك الضابط الإنكليزي بطلها قال: خرجنا وإياه ذات يوم للصيد، فضل الطريق وهو يطارد خنزيرا حول هور من الأهوار، فغرق حصانه في الوحل، وعلق به. وكان الخنزير قد فر هاربا، شكرنا عندما أنقذناه وحصانه من الوحل، ثم طاردنا ذلك الخنزير، وأدركناه، ورميناه فقتلناه، وعدنا به وسهم الأستاذ لا يزال غارزا في فخذه، أو تعرف كيف نظر إلينا؟ شكرنا، نعم. ولكني قرأت في عينه أن يود لو كان ذلك السهم في قلب واحد منا.

لا ريب في أن العراقي أمهر من الإنكليزي في مطاردة الخنازير البرية وصيدها، ولا سيما وهو أعلم منه بأرض العراق. فالخنزير يكثر في الأهوار والمستنقعات، والصياد الذي لا يعرف مداخلها ومخارجها، وموحلاتها ومزالقها، يخفق في صيده، وقد يقع هو وفرسه في نهر تخفيه الأعشاب، أو في موحلة بين القصب. أما العالم بتلك الأماكن، فهو يعرف متى ينبغي أن يثبت، ومتى ينبغي أن يدور أو يتقهقر؟ وهو يدرك، حتى من وقع حوافر فرسه، إذا كان على حاشية بركة من الوحل والماء، أو في أرض تدنو من الهور. بيد أن الإنكليزي هو الرابح في كل حال، إن كان هو صاحب الصيد أو العراقي؛ ذلك لأن العراقي المسلم يكتفي بلذة صيد الخنازير البرية، والإنكليزي يأكل تلك الخنازير. •••

لقد حدثتك عن لعبة لصولجان، وعن صيد الخنازير البرية بالرماح والنبال، وسأحدثك الآن عما ترمز إليه العصا؛ أي الكشافة، وهي ركن وطيد من أركان النهضة الوطنية.

Bog aan la aqoon