فقال القزم: «كلا، بل لا بد من مجيئك إليها حالا وسريعا، وهذه هي عبارتها: «قل له إن اليد التي ترمي الورد تقدر أن تلبس الإكليل».»
فاحتار السر وليم في أمره واضطرب وزاد اضطرابه بقول القزم له: «اذهب معي حالا أو أعطني الخاتم.» فقال له: «اصبر علي دقيقة.» ثم قال: «الظاهر أني مستعبد للملك ريكارد أكثر مما يجب علي؛ لأنني أتيت إلى هذه البلاد وقد عاهدت نفسي على أن أحارب في سبيل الله ولأجل التي أحبها.» فقال له القزم: «الخاتم الخاتم، رد علي الخاتم الذي لا تستحق أن تلمسه بيدك ولا أن تراه بعينك.»
فقال له الفارس: «اصبر هنيهة ولا تعترض مجرى أفكاري.» ثم قال: «لو هجم العدو الآن على المكان المعد لنزولي أكنت أبقى بجانب هذا العلم لكي لا يمس شرف إنكلترا أم أهجم على العدو وأجاهد في سبيل الله؟! الجهاد في سبيل الله مقدم على كل شيء، وبعده الجهاد من أجل التي وقفت لها نفسي، ولكن أين وعدي للملك؟! بالله عليك يا نكتبانس هل المكان بعيد؟» فقال: «رمية سهم في تلك الخيمة التي عليها كرة ذهبية تلمع في ضوء القمر.»
فقال الفارس: «أويمكنني أن أعود من هناك في لحظة، وأن أسمع نباح الكلب من هناك؟! فلماذا لا أمضي وأطلب من مالكة فؤادي أن تسمح لي بالرجوع حالا؟» قال ذلك وطرح رداءه بجانب الراية وأشار إلى كلبه أن يبقى هناك. فربض الكلب بجانب الرداء وصر أذنيه كأنه فهم مراد سيده، ثم قال الفارس للقزم: «هلم يا صاح، ودعنا نسرع ما أمكننا.»
فقال القزم: «أنت لم تسرع إلى إجابة طلبي فلا أسرع أنا إلى إجابة طلبك، ولا أقدر أن أجاريك لو أردت؛ لأنك لا تمشي كما يمشي البشر بل تزف كما يزف النعام.» قال ذلك وجعل يتأخر في مشيه عمدا، فلم ير السر وليم واسطة إلا أن يحمله ويعدو به، فحمله بين يديه كما يحمل الباشق العصفور وأسرع في عدوه حتى بلغ الخيمة المشار إليها، وهي خيمة الملكة، فوجد أمامها نفرا من الحرس، فخاف أن يوقظهم بمشيه أو بحركة سلاحه، فوضع القزم من يده، وقال له: «خذنا في طريق آخر حتى لا ينتبه إلينا الحراس.» فجعل القزم يدور بين الخيام والسر وليم يتبعه حتى بلغ الخيمة، فرفع سجفها ودخل من تحته وقال له: «اتبعني.» فتردد السر وليم أولا عن الدخول وراءه على تلك الصورة، ثم رأى أن لا سبيل لدخول الخيمة إلا إذا دخل من حيث دخل القزم، فأحنى رأسه ودخل من تحت السجف دبا على يديه، فقال له القزم: «انتظرني هنا.» واختفى من أمام عينيه.
الفصل الثالث عشر
وقف السر وليم بضع دقائق في الخيمة ولم يكن فيها نور، فندم على ما فعل ولات ساعة مندم؛ لأنه تعدى وصية الملك وخالف واجباته العسكرية، فأراد أن يتربص ليعلم نهاية الأمر، ثم خطر له أن الأميرة جوليا ساكنة مع الملكة، فإذا عرف أنه دخل خيمة الملكة لم ينج من العقاب، فعزم أن يرجع على عقبه، وفيما كانت هذه الأفكار تتردد في باله سمع أصوات نساء يضحكن ويتكلمن في الخيمة المحاذية للخيمة التي كان فيها، وما بينه وبينهن إلا ستار، وكان في خيمتهن شموع موقدة فكان يرى أشباحهن خيالات وسمع واحدة منهن تقول: «ناديها ناديها، أحسنت يانكتبانس مثلك من يؤتمن في الحاجات.» ثم قالت أخرى: «ولكن كيف نتخلص من هذا الرجل الذي أتانا به نكتبانس؟» فقالت ثالثة: «اسمعي يا مولاتي الملكة، إذا لم تكن غيرة نكتبانس شديدة على زوجته الأميرة كوانفرا، فهي تمضي وتصرف هذا الفارس وتعلمه قدر نفسه.» فقالت لها: «أحسنت أحسنت، فإن زوجها أتى به فعليها أن تصرفه.»
فلما سمع السر وليم هذا الكلام كاد يتميز غيظا وهم بالانصراف، وإذا بالتي تكلمت أولا تقول: «لا لا، نادوا ابنة عمنا جوليا أولا لكي تنظر هذا الفارس بعينها فترى تقصيره في إتمام واجباته، فإنها قد اهتمت بأمره أكثر مما تقتضيه الحكمة.» ثم سمع واحدة تتكلم عن حكمة الأميرة جوليا، ولكنه لم يسمع كلامها جيدا، بل سمع الجواب الذي أجيبت به وهو: «ما هذه حكمة؟! هذه كبرياء، فلا أريد أن أضيع هذه الفرصة، أنتن تعلمن أنه إذا هفت واحدة منا هفوة صغيرة لا تنجو من ملامها، ها هي.»
وحينئذ دخل الخيمة فتاة طويلة القامة وامتزجت مع اللائي فيها، فشعر السر وليم براحة في نفسه رغما عن الاضطراب الذي أصابه وعن الخطر المحدق به من دخوله خيام الملكة في جنح الليل وسماعه حديثها؛ لأن التي كانت تتكلم وتلح بحضور الأميرة جوليا هي الملكة. فقال في نفسه: «الحمد لله، فإن الأميرة جوليا لا دخل لها بإغرائي إلى الدخول في هذا المكان، فهي بريئة من ذنبي.» وكان يجب عليه أن ينصرف حالا ويعود إلى حراسة الراية، ولكن النفس أمارة بالسوء؛ فلبث في مكانه يسمع ما يدور بينهن من الحديث عساه أن يسمع صوت حبيبته، وقال في نفسه: «إذا كانت الملكة استباحت حياتي وشرفي بإغرائي بالمجيء إلى هذا المكان، فلا يحق لها أن تلومني إذا وقفت فيه قليلا لأتمتع بسمع من بخل علي الزمان بسمعها قبلا.» وظهر له كأن الأميرة جوليا كانت منتظرة أمر الملكة، والملكة تريد أن تتكلم ويمنعها الضحك من الكلام، وبعد قليل قالت الأميرة جوليا: «يظهر لي أيتها الملكة أنكن في مجلس أنس وطرب، أما أنا فقد حان وقت نومي، ولما بلغني أمرك كنت قد خلعت ثيابي لأنام.»
فقالت الملكة: «لا أؤخرك طويلا عن النوم يا بنت العم، ولكنني أخاف أن أخبرك بفقد الرهن فتقلقي الليل كله.»
Bog aan la aqoon