مُقَدّمَة الْمُؤلف الْحَمد لله الَّذِي أنزل الْقُرْآن الْمُبين مَعَ الرّوح الْأمين على قلب سيد الْمُرْسلين وَجعل مِنْهُ النَّاسِخ والمنسوخ رَحْمَة للْمُؤْمِنين وفتنة للْكَافِرِينَ أَحْمَده ﷾ على نعْمَة الْإِسْلَام وتيسير أُمُور الْمُسلمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيد الْعَالمين وأمام الْمُتَّقِينَ النَّاسِخ بمحكم أَحْكَام شَرِيعَته مَا سلف من شرائع النَّبِيين وعَلى آله وَأَصْحَابه أولى البصيرة وَالْيَقِين وعَلى الْأَئِمَّة الْعلمَاء الْأَعْلَام من التَّابِعين وتابع التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين وَبعد فَهَذِهِ عرائس تجلى للناظرين ونفائس تشرى بالدر الثمين جمعت فِيهَا آيَات النَّاسِخ والمنسوخ بعد أَن كَانَت لطول كَلَام الْأَئِمَّة مفرقة بالغت حسب الطَّاقَة فِي ضمهَا وقدمت بعض فوائدي إِلَيْهَا فَإِذا هِيَ عرائس مشرقة هَذَا وَقد صنف الْأَئِمَّة من الْعلمَاء الْأَعْلَام فِي نَاسخ الْقُرْآن ومنسوخه كتبا جمة إرشادا لأهل الْإِسْلَام فَمن جُمْلَتهَا كتاب هبة الله الْمُفَسّر الْبَغْدَادِيّ الْعَلامَة الْأَمَام ذكر انه استخرج مَا فِيهِ من كتب عدتهَا خَمْسَة وَتسْعُونَ كتابا على التَّمام

1 / 19

فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك وَعلمت أَن علم النَّاسِخ علم الْحَلَال من الْحَرَام وَفِيه من الغموض مَعَ كَثْرَة التَّطْوِيل مَا يدق فهمه عَن كثير من ذَوي الأفهام دَعَاني دَاعِي الْمَشِيئَة والإلهام إِلَى جمع مؤلف مزيلا للظلام مبالغا فِي اختصاره على وضوحه خشيَة تَطْوِيل الْأَحْكَام لَا سِيمَا والهمم قد ضعفت والنفوس قد جبلت على حب الْمُخْتَصر من الْكَلَام واعتمدت فِيهِ على مَا ذكره الْأَئِمَّة الْعلمَاء من الْمُفَسّرين هداة الْأَنَام وَمَعَ ذَلِك فالفقير معترف بقصر الباع مغترف من بَحر غَيره للِانْتِفَاع موقن بِأَن أغراض المصنفين أغراض سِهَام أَلْسِنَة الحساد مَا وجدوا إِلَيْهَا سَبِيلا سنة الله الَّتِي قد خلت من قبل وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا وسميته قلائد المرجان فِي بَيَان النَّاسِخ والمنسوخ فِي الْقُرْآن فَأَقُول وَالله خير موفق ومعين وَبِه فِي أموري كلهَا استعين لَطِيفَة فِيهَا الْحَث على معرفَة النَّاسِخ والمنسوخ وذم من لم يعرفهُ وَلَو كَانَ عِنْده فِي الْعلم رسوخ قَالَ صَاحب كتاب الإيجاز رُوِيَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيح أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عليا كرم الله وَجهه رأى رجلا فِي الْمَسْجِد يذكر النَّاس فَقَالَ لَهُ أتعرف النَّاسِخ من الْمَنْسُوخ قَالَ لَا فَقَالَ لَهُ هَلَكت وأهلكت وَأخرجه من الْمَسْجِد وَمنعه من الْقَصَص فِيهِ وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن عبد الله بن عَبَّاس وَأَنه ركله بِرجلِهِ وَقَالَ لَهُ هَلَكت وأهلكت وروى عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله تَعَالَى ﴿وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا﴾ فَقَالَ هُوَ معرفَة الْقُرْآن الْكَرِيم ناسخة ومنسوخة ومحكمة ومتشابهة

1 / 20

ومجمله ومفصله ومقدمة ومؤخرة وَحَرَامه وَحَلَاله وَأَمْثَاله وروى عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان أَنه قَالَ إِنَّمَا يُفْتِي النَّاس أحد ثَلَاثَة رجل يعلم مَنْسُوخ الْقُرْآن وناسخه وَرجل قَاض لَا يجد من الْقَضَاء بُد وَرجل متكلف وَلست بِالرجلَيْنِ الماضيين وأكره أَن أكون الثَّالِث قَالَ الشَّيْخ الْجَلِيل هبة الله بن سَلامَة فِي كِتَابه النَّاسِخ والمنسوخ جَاءَ عَن أَئِمَّة السّلف أَن من تعلم فِي شَيْء من علم هَذَا الْكتاب وَلم يعلم النَّاسِخ والمنسوخ كَانَ عمله نَاقِصا لِأَنَّهُ يخلط النَّهْي بِالْأَمر وَالْإِبَاحَة بالحظر إِذا علمت ذَلِك فَعلم النَّاسِخ والمنسوخ أَمر مُهِمّ ومتفق عَلَيْهِ وَبَيَانه فرض لَازم فَلذَلِك سارعت إِلَيْهِ وَوضعت فِيهِ هَذَا الْمُخْتَص على أحسن تأسيس وأبرزت فِيهِ الْفَوَائِد لطَالب النفيس وقللت حجمه لنيل المطالب ووضحت نظمه ليقرب فهمه على الطَّالِب وَلم أودعهُ إِلَّا مَا وَجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ ودعت الْحَاجة إِلَيْهِ وَقد ختمته أخيرا بِأَحْسَن خَاتِمَة راجيا من الله فِي الْآخِرَة حسن الخاتمة وَبِاللَّهِ مولَايَ أستعين فَهُوَ نعم الْمولى وَنعم الْمعِين

1 / 21

ﷺ َ - الْبَاب الأول الْفَصْل الأول مُقَدّمَة فِي معنى النّسخ قَالَ الْعلمَاء بِلِسَان الْعَرَب النّسخ لُغَة التبديل وَالرَّفْع والإزالة وَالنَّقْل وَسَيَأْتِي مَعْنَاهُ شرعا وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم النّسخ على ثَلَاثَة أَقسَام الأول من مَعَاني النّسخ فِي الْقُرْآن بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيّ أَن يكون مأخوذا من قَول الْعَرَب نسخت الشَّمْس الظل إِذا أزالته ورفعته بانبساطها وحلت مَحَله وَهَذَا مُوَافق لما أَزَال الْقُرْآن لَفظه وَحكمه وَحل مَحَله قلت ويمثل لَهُ بِآيَة الْخمس رَضعَات أَو حكمه دون لَفظه الثَّانِي أَن يكون مأخوذا من قَوْلهم نسخت الرّيح الْآثَار وَكَذَا يَقُولُونَ فِي الأمطار إِذا أزالتها ومحتها قلت وَهُوَ بِمَعْنى الأول من حَيْثُ الْإِزَالَة لَا من حَيْثُ الْحُلُول لِأَن الرّيح لَا تحل مَحل مَا أزالته حينا وَهَذَا مَوَاقِف فِي الْقُرْآن لما زَالَ لَفظه دون حكمه كآية الرَّجْم

1 / 22

أَو زَالا مَعًا الثَّالِث أَن يكون مأخوذا من قَوْلهم نسخت الْكتاب إِذا نقلته حاكيا للفظه وحروف هجائه قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْمَعْرُوف بمكي فِي كِتَابه النَّاسِخ والمنسوخ وَهَذَا الْوَجْه لَا يَصح أَن يكون فِي الْقُرْآن وَأنكر على جَعْفَر أَحْمد بن النّحاس حَيْثُ أجَاز أَن يكون فِي الْقُرْآن وَاحْتج بِأَن النَّاسِخ فِيهِ لَا يَأْتِي بِلَفْظ الْمَنْسُوخ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِلَفْظ آخر وانتصر صَاحب كتاب الإيجاز لِأَبْنِ النّحاس فَقَالَ وَالَّذِي قَالَه أَبُو جَعْفَر قَرِيبا مُسْتَعْملا فِي كتاب الله قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ وَقَالَ ﴿وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا﴾ الْآيَة وَمَعْلُوم أَن مَا نزل من الْوَحْي هُوَ مَا فِي أم الْكتاب وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿فِي كتاب مَكْنُون لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ﴾ وَمِنْه ينْقل مَا ينزل قَالَ تَعَالَى ﴿يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب﴾ فَهَذَا أدل دَلِيل على جَوَاز النّسخ فِي كتاب الله تَعَالَى يَعْنِي بِالْمَعْنَى الْمَذْكُور فالقرآن على هَذَا التَّأْوِيل مَنْسُوخ من أم الْكتاب مَنْقُول بالخط وحروف الهجاء وَأم كل شَيْء فِي كَلَام الْعَرَب أَصله وَأم الْكتاب اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَالَّذِي علل بِهِ مكي وَاعْترض لَا يبطل اسْتِعْمَال هَذَا الْوَجْه ومجيئه قلت وَفِي جَوَاب صَاحب الإيجاز عَن ابْن النّحاس ليرد مَا قَالَه مكي نظر فَأن هَذَا أَمر مُتَّفق عَلَيْهِ وَالْقُرْآن بِهَذَا الْمَعْنى كُله مَنْسُوخ لِأَنَّهُ نسخ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَي نقل مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ بِمُرَاد مكي فَأَنَّهُ لَا يجهل ذَلِك وَلَا يَسعهُ إِنْكَاره

1 / 23

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.