Qaahiro
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Noocyada
3-2 )، وحيث إنها كانت تتخذ شكلا بيضاويا فإنه من الصعب تحديد المساحة، فإنه قد لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا : إنها كانت في حدود كيلومتر مربع واحد، وهي مساحة ذات قدر بالقياس إلى ذلك الزمان. والسؤال هو: هل هذه أبعاد المدينة إبان ازدهارها؟ أم هي أبعاد لما تبقى من آثار المدينة بعد النكبات التي مرت بها الفسطاط، وكان آخرها تعمد إحراقها بأمر «شاور»، وزير آخر الخلفاء الفاطميين؛ تجنبا لسقوطها في أيدي الصليبين؟ والأرجح أنها لبقايا المدينة؛ فنحن نعرف أن المدينة - بما فيها قصر الشمع - أصبحت بعيدة عن النهر بعد أن غير النيل مجراه، وأن الأرض التي خلفها طرح النهر غربي جامع عمرو وقصر الشمع أصبحت مأهولة بالدور السكنية والأسواق في فترة سابقة على حريق الفسطاط.
15
شكل 3-2:
المخطط الأثري للفسطاط (محاولة الأثري علي بهجت لتحديد الفسطاط).
جامع عمرو كان غالبا هو نقطة البدء في إنشاء مدينة الفسطاط، ثم صار مركز المدينة الديني والثقافي والسياسي مقابل المركز التجاري وميناء المدينة. في البداية كانت مساحة الجامع لا تتجاوز 29 × 17 مترا، وأرضه يغطيها الحصى، وكان سقفه منخفضا مصنوعا من الجريد، ومحمولا على دعامات من جذوع النخيل، ولم يكن له صحن أو مئذنة أو محراب، وبعد 400 سنة زاره الرحالة الفارسي ناصري خسرو، ووصفه بأنه قائم على 400 عمود من الرخام، وكان جدار القبلة مكسوا بالرخام كتبت عليه آيات من القرآن، وفي ليالي المناسبات الدينية كان يغطى بطبقات من الحصر، ويقاد 700 قنديل - الليالي العادية 100 قنديل - وكان مركز اجتماع أهل المدينة، ويتلقى فيه العلم مئات من الطلبة وكثير من الكتاب الذين يحررون الرسائل والصكوك.
16
شتان بين البداية والتطور، وقد هدم الجامع وأعيد بناؤه عدة مرات، وزادت مساحته كل مرة حتى بلغت أبعاده 112 × 120 مترا في عهد الخليفة المأمون، وما تطور إليه هذا المسجد الجامع إنما هو مؤشر لحالة المدينة بين بدايات صغيرة إلى عاصمة حقيقية للحياة في مصر قرابة نيف وأربعة قرون. (2-4) إعمار الفسطاط وخطتها
بدأ الإعمار بسيطا ببيت عمرو شرقي الجامع، وبيت مجاور لابن عمرو، وقربهما بيت الزبير بن العوام، ثم خطة أو حي لأهل الراية - يبدو بمعنى القواد - جنوب الجامع، وحي لأبناء ساحل المهرة من جنوب الجزيرة العربية جنوب شرقي أهل الراية، وبالتالي كان إلى الشمال والشرق من قصر الشمع، ثم أبناء قبيلة - أو: تجمع - تجيب شرقي قصر الشمع، وأخيرا مجموعة «وعلان» جنوب القصر ومجموعة لخم شمال شرق الجامع في اتجاه ما نعرفه الآن بدير النحاس وفم الخليج، وإلى الشمال منهم مجموعات لقبت بالحمراء، وهي غير عربية وبعضها من الفرس والبعض من سكان إقليم برقة في شرق ليبيا الحالية، والذين كان يغلب اللون المحمر على ملابسهم، ومنها غلب اسم الحمراء. وقد استقرت هذه المجموعات في الحمراء الوسطى والقصوى في خط متفرق بطول الخليج المصري فيما يعرف الآن بمنطقة السد وفم الخليج. كما سكنت مجموعات من هؤلاء أيضا على البر الغربي للنيل في منطقة الجيزة.
وفي وقت ازدهار المدينة كان البناء مستمرا دون خطة واضحة، بل إنها ربما كانت في صورة خطتين؛ الأولى: شبه مستطيلة متبعة في ذلك ضفة النهر وأسوار قصر الشمع وجامع عمرو، ومخطط شوارعها أقرب إلى الاستقامة طولا وعرضا. والثانية: شبه مستديرة في القسم الشرقي مخطط دروبها شديد الالتواءات والانحناءات. وكان للدروب والحارات أسماء، نذكر منها على سبيل المثال: حارة التجيب ودرب السلسة وزقاق المهرة وزقاق بني العوام، وبعضها بأسماء طوائف أو السلع المميزة للسوق؛ كسويقة اليهود وسويقة العراقيين وزقاق البواقيل - ربما البقول - ودرب الزعفرانة. وحينما كثر السكان والثروة التجارية كانت هناك أسواق غالبها قريب من الميناء كالقطانين والسراجين والدقاقين والقفطانية والفطايريين وسوق الغنم وزقاق الرفائيين والمراوحيين والرزازين والوراقين. وذكر البكري قيساريات (= أسواق) أخرى، منها: قيساريات العسل والحبال والكباش وقيسارية عبد العزيز - ابن مروان - وهشام - ابن عبد الملك - ويباع فيهما البر (= الحبوب).
17
Bog aan la aqoon