Qaahiro
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Noocyada
خلاصة
الكباري العلوية والأنفاق عملية مكلفة غير ودودة بالبيئة؛ ولهذا فإن أهم التوصيات: عدم الالتجاء إلى أي منهما إلا عند الضرورة القصوى، والملاحظ أن بعض الكباري العلوية، مثل كباري ميدان الجيزة تسهل الحركة في قطاع صغير، ثم تلقي بها في خانق شديد الضيق في جزيرة الروضة أو شارع مراد، فهي حل جزئي يترتب عليه ضرر مضاعف! وقد حدث هذا أيضا عند افتتاح محور 26 يوليو أن تكدست السيارات في ميدان لبنان؛ مما اضطر إلى شق طريق في قرية ميت عقبة - مع كم من التعويضات - ولم يعد أمام هذا المحور من سبيل إلى وسط البلد إلا بالتفكير في عمل كوبري علوي يربط كوبري الزمالك بكوبري أكتوبر، وهو ما يحدث الآن في توسعة الكوبري بإضافة حارات مرور جديدة على جانبيه، ومثل ذلك أيضا ما نتوقعه في العتبة والأوبرا حين يبدأ استخدام نفق الأزهر الذي سوف يلقي بأكداس من السيارات في بحيرة مرور شبه مغلقة؛ لأنها مكدسة هي الأخرى في شوارع وسط البلد.
ما سبق ليس إلا نماذج من مشكلات المرور في القاهرة. فإذا كنا نقف أمامها طويلا بحثا عن وسائل وطرق لتخطي هذه العقبات، فما بالنا حين تلقى على القاهرة أعباء مرور وخدمات أكثر نابعة من مدن وأحياء تبنى لصيقة بالقاهرة، فتضاعف من همومها. ومثل هذه المدن والأحياء، فضلا عن تكلفتها الاستثمارية العالية، وتجميد مدخرات الناس في فيلات وشقق، فإنها تصبح جاذبة لمزيد من الهجرة السكانية من الأقاليم إلى القاهرة في الوقت الذي تتطلب فيه النظرة الموضوعية محاولة إيجاد صيغ حياتية تساعد على انتشار الناس على مسطح مصر بصورة أحسن مما هي عليه الأوضاع الراهنة بدلا من التركيز المرهق في حيز ضيق، والتكديس المخيف في مدينة القاهرة وحدها. فقد كانت القاهرة الكبرى تساوي 18,9٪ من مجموع سكان مصر عام 1947 وأصبحت بعد نصف قرن تستحوذ وحدها على نحو ربع سكان البلاد؛ أي من 3,6 مليون إلى نحو 15 مليون من البشر.
فأي انفجار نتوقع في السنوات العشر القادمة؟ وهل هذا هو ما سنورثه لمن بعدنا؟ (4) نماذج لمشكلات مرورية شديدة الصعوبة (4-1) شارع الجلاء ومحطة الترجمان المركزية
يسترعي انتباه كل الذين يمرون في شارع الجلاء كم هو ازدحام الشارع إلى درجة الاختناق والانسداد الكامل، ويحاول الناس قدر جهدهم تجنب السير فيه؛ لأنه على قصره النسبي مكدس بكل وسائل الحركة من الباصات الضخمة إلى الميني والميكروباص، إلى سيارات الملاكي والنقل الخفيف والثقيل والموتوسيكلات وسيارات الشرطة والإسعاف تطلق «سارينتها» دون جدوى؛ فالكل يسير قليلا ... ويتوقف طويلا.
هذا التكدس سببه واضح: فهو الشارع الوحيد الذي تنصرف فيه الحركة جنوبا من باب الحديد إلى التحرير مقابل شارع رمسيس الذي يقود الحركة في الاتجاه المعاكس؛ أي من التحرير إلى باب الحديد، وبطبيعة الحال هذا إجراء مروري سليم. إذن لماذا التكدس في الشارعين؟
شارعي رمسيس والجلاء هما بمثابة شارع «داير الناحية» الذي نعرفه في القرى؛ أي الشارع الذي يحيط بكتلة القرية السكنية من الخارج، ومنه وإليه تنصرف الدروب داخل القرية، وشارع رمسيس هو داير الناحية بالنسبة لوسط البلد تنصرف إليه كل شوارعها من عماد الدين وأحمد عرابي و26 يوليو وثروت وغيرها، فضلا عن امتداد الحركة الضخمة من وإلى شبرا عبر التوفيقية وعماد الدين، ومن ثم وسط البلد، وتخرج من رمسيس حركة إلى بولاق عبر الإسعاف، ووصلتان صغيرتان إلى شارع الجلاء عند معهد الموسيقى العربية وأمام التوفيقية.
أما شارع الجلاء فهو داير ناحية آخر، ولكن لمنطقة شديدة التباين التاريخي والسكني والمستوى الحياتي ونوع الوظائف، بين عشش الشيخ علي والترجمان وورش السبتية والسكن الشعبي في بولاق والقللي وغيرهما، وبين البنايات الفارهة الفارعة الحديثة؛ مركز التجارة العالمي وأبنية البنوك وفندق كونراد ودار الكتب وبرجي وزارة الخارجية والإعلام وهيلتون رمسيس على واجهة النيل، وأبراج المؤسستين الصحفيتين الأهرام والأخبار على شارع الجلاء. ويستقبل شارع الجلاء كل حركة باب الحديد وشبرا وبولاق، ولا يكاد ينصرف منه إلا القليل إلى السبتية وبولاق. فهو أشبه بأنبوب، أو إن شئنا وبلغة العصر أشبه بنفق المترو الذي يجري تحته وكوبري أكتوبر الذي يجري فوقه، وهو بالتعبير الجغرافي أشبه بنهر تصب فيه روافد كثيرة فيطفو فوق ضفافه بصفة دائمة.
شكل :
شارع الجلاء ومحطة الترجمان.
Bog aan la aqoon