Waqti Hore iyo Waqti Dambe

Kurd Cali d. 1372 AH
134

Waqti Hore iyo Waqti Dambe

القديم والحديث

Noocyada

زرت قبرك الشريف، وذكرت سيرتك المثلى، فبكيت على الإسلام والعرب، وقابلت بما قرأته على ضريحك بين السذاجة الغالبة عليك، وفخفخة الألقاب بعدك.

قرأت: «هذا ضريح العبد الفقير إلى رحمة ربه الكريم إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب عمر في شهور سنة سبع وعشرين وسبعمائة»، جملة لا يجوز نقشها اليوم على قبر أحد العامة، فأين أنت منها يا أبا الفدا في مفاخرك وسؤددك، ومجدك التالد والطارف.

حنانيك إسماعيل كنت في حياتك قدوة الملوك العادلين، تعلم الناس حب الخير، وتعلم العلماء فيما توفروا عليه، والفاتحين ما يفاخرون بمعرفته، والحكماء ما هو ثمالة أمجادهم، وها أنت الآن رهين حفرة، قد كاد ينسى بين قومك ذكرك فلا تبدي ولا تعيد، وقومك نسوا دينهم ودنياهم، فكيف لا ينسون رجالهم.

نشأت أيها السلطان العادل من بيت عز وملك، فلم تأخذ الزخارف بلبك، بل تخرجت في العلم، وربيت على أدب النفس وأدب الدرس، حتى جاء منك عالم، بل معلم للعلماء بسيرته وتفننه.

نشأت نشأة عالية في القرون الوسطى، وغيرك من الملوك نشئوا، ولا سيما بعدك نشأة جاهلية: على الخمر والزمر والقمر، لا يعرفون غير القصور، والولدان والحور، وغاية مفاخرهم أنهم يبطشون ولا يبالون، يقتلون ولا يتألمون، يتعاظمون ولا يتواضعون، يقضون فلا يراجعون، يأمرون ولا يعدلون.

أضحت أحكام بعض الملوك بعدك ذوقية، وأعمالهم على الأكثر استبدادية، اتخذوا الإسلام دينا وهو منهم بريء، وعبثوا بالرخص والعزائم، ليس لهم وازع من أنفسهم، ولا رادع من أممهم، أضحوا جبابرة لا ملوكا، وشياطين لا إنسا، وأنعاما لا يعرفون إلا ما فيه راحتهم، وتوفير قسطهم من اللذائذ والبذخ والنعيم.

كنت أبا الفدا ملكا بالاسم، وملكا بالفعل، كنت شريفا بماضيك وحاضرك، وها أنت إلى يوم الناس هذا وإلى غد وما بعد غد شريف في عامة أحوالك.

لم نعهد لك كما عهدنا للملوك قبلك وبعدك أن عددت الرعية كالسائمة التي تملك، فيتصرف مالكها بدرها ووبرها وجلدها ولحمها، ويعمل مطلقا في الاستمتاع بما لا ينازعه منازع، بل عهدناك تؤاسي الضعيف، ولا تجور على الفقير، وتحسن للعلماء، وتتفضل على الفقهاء والأدباء والشعراء، وتصرف فضل أوقاتك في التأليف والتصنيف، يا ثاني المأمون بعلمك وعقلك، وثاني صلاح الدين بعدلك وجهادك.

أبا الفدا، إن قومك أغفلوك وسيرتك، بل أهملوا ضريحك، ولو ذكروك لساروا ولو قليلا على سنتك المحمودة، فعلمت الملوك من بعدك بسيرتك الطاهرة، كما كنت في عصرك خير معلم للملوك العادلين والعلماء العاملين.

أبا الفدا، إن الملوك بعد عصرك جمعوا كثيرا وأضاعوا كثيرا، جمعوا فكان ملكك بجانب ما ملكوا جزءا صغيرا جدا، وما خلفوا إلا ما تحمر وجوههم خجلا منه، ويأتون في الآخرة، وقد شهدت عليهم لا لهم أعمالهم، وأنت سعدت بمن وليت عليهم وسعدوا بك، فأبقيت ذكرا لا تمحوه الأيام.

Bog aan la aqoon