الاخبار عن أمر اجتهادي حدسي من حيث اختلاف المذاهب فيما يوجب الفسق ولا دليل لنا يدل على وجوب تصديق العادل في هذا النحو من الاخبار.
توضيح ذلك أن العادل إذا أخبر عن شئ إما أن يخبر عنه عن حس وهذا مما دلت الأدلة الدالة على حجية خبر العادل على وجوب تصديقه في ذلك وجعل ما أخبر به كالواقع وهذا مما لا إشكال فيه وإما أن يخبر عنه عن حدس واجتهاد ورأي وهذا على قسمين أحدهما أن يكون ما أخبر عنه نفس الحكم الشرعي كالاخبار عن الحرمة والوجوب وغيرهما من الاحكام كأخبار المجتهد عما أدى إليه رأيه في الأحكام الشرعية وهذا مما قام الاجماع على عدم وجوب تصديق العادل فيه إلا في حق من كان مقلدا له ومن هذا القسم الشهادة على وقوع الرضاع المحرم فإنه لا يجوز تصديق الشاهد فيه لاحد إلا من كان يقلده لو كان مجتهدا ثانيهما أن يكون ما أخبر به الموضوع الذي تعلق به الحكم الشرعي ولكن كان طريق ثبوته مختلفا فيه بحسب اعتقاد المجتهدين كما فيما نحن فيه وهذا هو محل الكلام الذي ذهب المشهور فيه إلى عدم وجوب التصديق.
فنقول تنقيحا للمقام وتوضيحا للمرام ان معنى وجوب تصديق العادل في قضية هو جعله صادقا في أصل نسبة المحمول إلى الموضوع وجعل اخباره عن وقوع النسبة بين الموضوع والمحمول بمنزلة الواقع كما لو علمنا بوقوع النسبة فإذا أخبر عن موت زيد نصدقه في نسبة ما أراد من الموت إلى ما أراد من لفظ زيد ونحكم بما أراد من لفظ موت محمول على ما أراد من لفظ زيد واقعا وأما تصديقه في أطراف القضية وان الذي أراد من لفظ زيد أو الموت مثلا هو كذلك واقعا فلا يدل عليه ما دل على وجوب تصديقه في قضية مات زيد لان معنى تصديقه في تلك القضية حسبما عرفت هو الحكم بكون ما أراد من لفظ المحمول وأعتقد ثابتا لما أراد من لفظ الموضوع وهذا ليس من جهة كون الاعتقاد له مدخلا في وضع اللفظ كما توهم ولا من جهة كون المخبر إنما يخبر عن معتقده بأن يكون الاعتقاد جزء للمخبر به كما توهم لما قد حققنا في محله من كون الألفاظ أسامي للمعاني النفس الامرية وكون الاعتقاد بالنسبة إليها طريقا محضا وظرفا للنسبة ومرآتا لها من غير أن يكون له مدخل في أصل أطراف - القضية بل لما قد عرفت من عدم دلالة ما دل على تصديق العادل على أزيد من ذلك بل لو حمل لفظ الموضوع والمحمول على خلاف ما أراد منهما لكان تكذيبا له وافتراء عليه لا تصديقا مثلا إذا أخبر عادل بأنه قتل زيد وعلمنا بأن مراده من القتل الضرب فلا يجوز لنا حمله على القتل بمعنى ازهاق الروح لأنه ليس من مقتضى ما دل على تصديق العادل في شئ بل هو خلاف مقتضاه.
وإن أريد إثبات وجوب تصديقه في أطراف القضية من جهة انحلالها إلى قضاياء متعددة وأخبار متكثرة فإن الاخبار عن موت زيد يلزمه الاخبار عن الموت وعن زيد فيلاحظ أدلة التصديق بالنسبة إلى القضايا الموجودة فيها بالالتزام لا من جهة ما دل على تصديق المخبر عن وقوع النسبة في القضية فإذا يلزم حمل ما أراده من اللفظ على الواقع وترتيب آثار الواقع عليه.
ففيه ان الدليل على وجوب تصديقه في ذلك لا يخلو إما أن يكون ما دل على نفي احتمال الكذب الواقع عن العادل وجعل ما أخبر به بمنزلة الواقع وإما أن يكون ما دل على وجوب حمل كلام كل متكلم على معناه - الحقيقي ما لم يثبت خلافه.
أما الأول فقد عرفت أنه لا دليل يدل على وجوب تصديق العادل ونفي احتمال الكذب عنه في اخباره الحدسية والاجتهادية لما قد عرفت من أن مفاد أدلة وجوب تصديق العادل هو نفي الكذب عنه من
Bogga 73