لما دل على وجوب العمل به فيستنتج من هاتين المقدمتين وجوب ما أخبر العادل بوجوبه كصلاة الجمعة مثلا فعروض الوجوب لذلك الموضوع إنما هو باعتبار اندراجه في العنوان الكلي وهو المخبر به بخبر العادل فإذا انكشف انتفاء هذا العنوان الكلي في الواقع من جهة العلم بفسق المخبر له يحصل عروض وجوب لذلك الموضوع والمفروض اشتراك المجتهد والمقلد في العمل بقول العادل غاية الأمر كون المجتهد نائبا عنه في احرازه من حيث عجزه عن ذلك وقدرته عليه فإذا علم المقلد ان المخبر بوجوب صلاة الجمعة مثلا غير عادل بل هو فاسق فاجر ويكون اعتقاد - المجتهد بعدالته جهلا مركبا كيف يجوز له الاخذ بفتواه مع كونه مأمورا بالأخذ بفتواه التي يكون المدرك لها خبر العادل فإذا كان الامر فيما نحن فيه كذلك حسبما هو المفروض فلا يعقل أن يقال بوجوب الالتزام بإلزام الحاكم بعد ما كان المستند فيه البينة الفاسقة باعتقاد الغير وإن كان معتقدا بعدالتها لأنه ما صدر عنه إلزام في الحقيقة بل إنما صدر عنه إلزام على تقدير وعنوان غير موجود حتى أنه لو علم أيضا بذلك لما الزم ولما جوز - الالتزام به وهذا أمر واضح لا خفاء فيه على هذا التقدير.
فإن قلت إن مقتضى عموم ما دل على عدم جواز نقض الحكم هو عدم جوازه وإن كانت البينة فاسقة عند غير - الحاكم بعد فرض كونها عادلة عنده ولا مخرج عنه حتى يقضى بجوازه.
قلت نمنع من كون مقتضى عموم ما دل على عدم جواز نقض الحكم هو عدم جوازه فيما نحن فيه حيث إنه بعد تبين فسق الشاهد يتبين انه ليس هذا الحكم مما أمضاه الشارع بل قد عرفت أنه يمكن أن يقال إنه ما صدر إلزام من الحاكم في هذا الموضوع وإنما صدر عنه إلزام في موضوع منتف بالفرض.
فإن قلت إنه بناء على ما ذكرت من كون كل أحد مكلفا بالعمل بالبينة العادلة فإذا انتفى العدالة التي هي الشرط عنده لا يجب عليه العمل بها وإن وجب على من اعتقد عدالتها من حيث وجود الشرط عنده يلزم جواز نقض حكم الحاكم في صورة الجهل بعدالة الشهود أو التوقف عن امضائه وترتيب الأثر عليه وإن كان الحاكم معتقدا عدالتهم والظاهر بل المقطوع انه مخالف للاجماع فيكشف ذلك عن كون المأمور بالعمل بالبينة العادلة هو خصوص الحاكم لا غيره.
قلت عدم جواز النقض والتوقف في الفرض المذكور ليس من جهة كون المأمور بالعمل بالبينة العادلة هو خصوص الحاكم بل من جهة ما ذكرنا من كون الحاكم نائبا عن غيره في احراز شرط العمل بالبينة نظير كونه نائبا عن غيره في احراز شرط العمل بخبر العادل في الأحكام الشرعية ولازمه كفاية احرازه عن احراز الغير ولكنا انما ذهبنا إلى جواز النقض وعدم الكفاية في صورة العلم بالفسق من حيث عدم قابلية كون احرازه بدلا حينئذ كما لو تبين عند العامي فسق المخبر في الأحكام الشرعية وإن كان عادلا عند المجتهد حسبما عرفت تفصيل القول فيه وأقوى هذه الوجوه هو هذا الوجه لما قد عرفت من الوجه وإن كان المتيقن من كلماتهم هو الأول ثم إن الذي ذكرنا هنا لا اختصاص له بالمقام بل يجري في غيره أيضا كما في مثل الطلاق مثلا فإنهم قد اختلفوا فيه بعد الاتفاق على اشتراط حضور العدلين انه هل يكفي احراز عدالتهما باعتقاد المطلق الصوري وهو من يجري الصيغة لترتيب الأثر على الطلاق ولو عند من يعتقد فسقهما أو يكفي احرازها عند المطلق الحقيقي وهو الزوج بالمعنى الذي ذكرنا أو يشترط احرازها لكل من يريد أن يرتب الأثر على الطلاق فلو علم أجنبي بكونهما فاسقين لا يجوز له نكاح المرأة مثلا غاية الأمر انه ما لم يعلم ذلك يجب عليه حمل فعل المطلق على الصحيح وهذا هو - الأقوى في تلك المسألة أيضا وإن أمكن الفرق بينهما وبين المقام بأن يقال إن العدالة في مسألة الطلاق إنما هي
Bogga 67