وقد اختلف كلمات الأصحاب في بيان المراد من لفظها الوارد في كلام المتشرعة أو الشارع فقد نقل فيه أقوال الأول وهو المشهور بين من تأخر بل بين العلامة ومن تأخر عنه حسبما صرح به الأستاذ العلامة دام ظله انها كيفية نفسانية باعثة على ملازمة التقوى مع المروة وإن اختلفوا في التعبير عنها بلفظ الكيفية أو الهيئة أو الحالة أو الملكة ونسب الأخير بعضهم إلى العلماء وفي محكي كنز العرفان إلى الفقهاء وفي محكي مجمع الفائدة إلى الموافق والمخالف وكيف كان فهي عندهم كيفية نفسانية ملازمة على فعل التقوى الثاني انها عبارة عن مجرد ترك المعاصي أو خصوص الكباير وهو الظاهر من ابن إدريس في السرائر حيث قال العدل هو الذي لا يخل بواجب ولا يرتكب قبيحا ومن محكي بعض حيث إنه ذكر ان العدالة في الدين الاجتناب عن الكباير وعن الاصرار على الصغاير ومن محكي أبي الصلاح بل ظاهر جماعة كونه المشهور في تفسيرها فعن العلامة المجلسي والمحقق السبزواري ان الأشهر في معناها أن لا يكون مرتكبا للكباير ولا مصرا على الصغاير ومرجع هذا القول إلى أنها عبارة عن الاستقامة في أفعاله وتروكه من دون اعتبار أن يكون ذلك عن ملكة نفسانية الثالث انها عبارة عن الاستقامة الفعلية لكن عن ملكة فلا يصدق على هذا القول العدل على من لم يتفق له فعل كبير مع عدم الملكة وقد نسبه الأستاذ في الرسالة التي صنفها في العدالة إلى جماعة منهم والد الصدوق والمفيد في المقنعة والشيخ في النهاية الرابع انها عبارة عن الاسلام مع عدم ظهور الفسق وقد نسب هذا إلى الشيخ مدعيا عليه الاجماع في الخلاف بل اشتهر حكايته عنه وإلى ابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراف الخامس انها عبارة عن حسن الظاهر وقد نسب إلى جماعة بل إلى أكثر القدماء هذا.
ولكن الحق انه لا يمكن أن يجعل هذان الأخيران قولين في العدالة في عرض الأقوال السابقة غاية الأمر كونهما طريقين إليها وأما نسبتهما إلى من عرفته من الأصحاب فهو خطأ محض لا قايل لهما أبدا ولا يظهر من كلامهم أصلا وإنما جعلوهما طريقين إلى العدالة فلنا في المقام دعويان.
أما أنه لا يمكن أن يجعلا قولين في العدالة فلظهور اجتماعهما مع الفسق واقعا وفي علم الله ومن المعلوم بداهة وجود التضاد بين العدالة والفسق بحسب الواقع وانكاره للبديهي والحال ان مقتضاهما جواز الاجتماع كما لا يخفى فأمر القايل بهما داير بين أن يقول إما بأمر محال وهو جواز اجتماع الضدين أو ينكر أمرا بديهيا ومما يلزم على هذين القولين من المفسدة انه لو علم في زمان بارتكاب شخص من المعاصي ما لا يحصى قبله مع عدم ظهور فسقه بين الزمانين أو كونه حسنه الظاهر بينهما أن يقول القايل بهما بكون العلم من المفسقات وبطلانه أيضا مما لا يخفى.
فإن قلت ما ذكرت من لزوم اجتماع الضدين على القولين إنما هو إذا جعل الفسق نفس ارتكاب المعاصي واقعا وفي علم الله وأما إذا جعل على الأول عبارة عن ظهور الفسق وعلى الثاني عبارة عن التجاهر بالمعاصي كما هو لازم القول بهما فلا يلزم اجتماع الضدين أبدا.
قلت كون الفسق عبارة عن نفس الاخلال بالواجبات وترك المحرمات مما لم يخالف فيه أحد.
وأما أنه لا يظهر من كلام من نسب إليه القولان بهما بل الظاهر منه خلافه فلما يظهر من الرجوع إلى كلماتهم فمنها ما حكي عن الشيخ في الخلاف بعد القول بأن الأصل في الاسلام العدالة من أن البحث عن عدالة الشهود ما كان في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين وإنما هو شئ أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ولو كان شرطا لما جمع أهل الأمصار على تركه انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه وأنت إذا تأملت فيه حق التأمل
Bogga 62