إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ١ فجعل الله الكتاب الذي أنزله هو الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة- ﵂ أن النبي ﷺ كان إذا قام يصلي بالليل يقول: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" ٢.
وفي صحيح مسلم عن تميم الداري- ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة ". قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين٣
_________
١ سورة البقرة: الآية ٢١٣.
٢ صحيح مسلم (١/ ٥٣٤)، ورواه أحمد (٦/ ١٥٦)، وأبو داود (١/٤٨٧)، وابن حبان (الإحسان: ٦/٣٣٧)، والبغوي في شرح السنة (٤/٧١) .
٣ قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي- ﵀ في توضيح هذا الحديث: " ... وأما النصيحة لأئمة المسلمين، وهم ولاتهم من السلطان الأعظم إلى الأمير، إلى القاضي إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم، وذلك باعتقاد إمامتهم والاعتراف بولايتهم، ووجوب طاعتهم بالمعروف، وعدم الخروج عليهم، وحث الرعية على طاعتهم، ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسله، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم، وتوضيح ما خفي
عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم، كل أحد بحسب حاله، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم، واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم، فإن في ذلك شرًا وضررًا وفسادًا كبيرًا فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك، وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرًا لا علنًا بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد، وبالأخص ولاة الأمور، فإن تنبيههم عل هذا الوجه فيه خير كثير، وذلك علامة الصدق والإخلاص،.
واحذر أيها الناصح لهم عل هذا الوجه المحمود أن تفسد نصيحتك بالتمدح عند الناس فتقول لهم: إني نصحتهم وقلت وقلت.
فإن هذا عنوان الرياء، وعلامة ضعف الإخلاص، وفيه أضرار أخر معروفة". الرياض الناضرة (ص ٤٩، ٥٠) .
ويشهد لما ذكره- ﵀ من لزوم مسارة ولي الأمر بالنصيحة ما رواه ابن أبي عاصم في السنة (٢/٥٠٧) عن النبي ﷺ قال: "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن يأخذ بيده فيخلوا به فإن قبل منه فذاك وإلا كان قد أدى الذي عليه" وصححه العلامة الألباني حفظه الله.
1 / 27