فأجبته: نحن كان لنا مرفع في السنة، أما أنتم فكل أيامكم مرافع. قل لي أية ليلة تمر ولا يكون لك فيها مرفع كبير ... فتشرب وتأكل وترفع كل شيء، ثم تحتاج إلى من يأخذ بيدك؛ لتعود إلى بيتك سالما.
كان المرفع في عهدنا عيدا قرويا أسبوعيا، فتخلع القرية ثوب وقارها وسكونها، فلا تسمع إلا أغاني، وقرع طبول، ونقر دفوف. كان المرفع هو الوقت الأنسب للزواج، ويا ويل من يتزوج في المرفع، فالقرية كلها تحتل بيته، ولا ينتهي أجل الاحتلال إلا مساء الأحد عند نصف الليل.
وكانوا يحتاطون للديوك يوم كانوا يصومون، ليحولوا دون صياحها؛ لأن نصف ليل الأحد هو بدء الصوم. وإذا عجزوا عن تزويج شاب ليفرحوا بعرسه ويتهللوا كانوا ينتقون واحدا ليجعلوا منه «عريس كديب» ويطوفون به في القرية كأنه عريس حقا ... وعند منتصف الليل يعودون به بزفة مجنونة إلى بيته.
أسبوع المرفع هو عند النصارى تذكار الموتى، ولكن تقبر الموتى، فمن يتذكرهم بعد، ولهذا قال جدي لأمي، وكان يحب السجع: كانت جمعة الموتى، فصارت جمعة الخوتا؛ لأنهم كانوا يتشاجرون فيها ويتقاتلون، وخصوصا يوم الخميس الذي يسمونه خميس السكارى.
ولكن جرح الضيعة سليم، والصلح عند أهلها سيد الأحكام.
أما حسنة جمعة المرفع التي لا أنساها فهي هذه: كنا يوم أحد المرفع نخرج من القداس وتمشي الضيعة كلها معنا، فنزور البيوت جميعا، وكلنا معا، ونظل طول النهار ننتقل من بيت إلى بيت، وفي كل بيت نملأ قليلا من الفراغ؛ لأن من لم نأكل عنده شيئا لا يغتفرها لنا.
ونختم هذه الزيارة الرعائية في آخر بيت، وهكذا نزيل الأحقاد والضغائن ويعود السلام إلى القرية.
هذا هو التقليد المحلي الذي ذهب مع تقاليدنا الحسنة الجميلة، وبهذه الوسيلة لا يعصي علينا مصالحة خصمين مهما كانت خصومتهما شديدة.
أذكر أن امرأة، مخها يابس، لم ترد أن تستقبل خصمها في ذلك اليوم، فقال لها شيخ السن الذي كان معنا: يا مره، أنت رايحة عاجهنم بثيابك، تعالي صالحي خصمك، وإلا فما نفع صومك وصلاتك! فلم تحتج إلى أكثر من هاتيك الكلمة، فتقدمت منه ترحب به وزغردت لنا وتم فرحنا.
إن القرية خصوصا فقدت كثيرا من لونها، فاليوم كل واحد يقعد ببيته، وحسبه أنه عنده ما يأكله وليمت جاره ... بينما كان المقل يحصل على كل شيء في جمعة المرفع، كنا نقاسمه حتى اللقمة.
Bog aan la aqoon