Proximate Fatwas of Ibn Taymiyyah
تقريب فتاوى ابن تيمية
Daabacaha
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٤١ هـ
Goobta Daabacaadda
السعودية
Noocyada
٨٨ - قَد يَحْتَجُّ بَعْضُهُم بِقِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ، وَيظُنُّونَ أَنَّ الْخَضِرَ خَرَجَ عَن الشَّرِيعَةِ؛ فَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ مِن الْأوْليَاءِ مَا يَجُوزُ لَهُ مِن الْخُرُوجِ عَن الشَّرِيعَةِ، وَهُم فِي هَذَا ضَالُّونَ مِن وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَضِرَ لَمْ يَخْرُجْ عَن الشَّرِيعَةِ؛ بَل الَّذِي فَعَلَهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرِيعَةِ مُوسَى؛ وَلهَذَا لَمَّا بَيَّنَ لَهُ الْأَسْبَابَ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَو لَمْ يَكُن جَائِزًا لَمَا أَقَرَّهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُن مُوسَى يَعْلَمُ الْأَسْبَابَ الَّتِي بِهَا أُبِيحَتْ تِلْكَ، فَظَنَّ أَنَّ الْخَضِرَ كَالْمَلِكِ الظَّالِمِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ الْخَضِرُ.
والثَّاني: أَنَّ الْخَضِرَ لَمْ يَكُن مِن أُمَّةِ مُوسَى، وَلَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ؛ بَل قَالَ لَهُ: إنِّي عَلَى عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ اللهُ لَا تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ دَعْوَةَ مُوسَى لَمْ تَكُنْ عَامَّةً، فَإِنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُبْعَث إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَمُحَمَّدٌ ﷺ بُعِثَ إلَى النَّاسِ كَافَّةً (^١). [١٣/ ٢٦٦]
٨٩ - الصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْهُدَى، وَهُوَ أَنْ يُوصَفَ اللهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ أَو وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، لَا يُتَجَاوَزُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ، وَيتَّبعُ فِي ذَلِكَ سَبِيلَ السَّلَفِ الْمَاضِينَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَالْمَعَانِي الْمَفْهُومَةُ مِن الْكِتَابِ وَالسّنَّةِ لَا تُرَدُّ بِالشُّبُهَاتِ، فَتَكُونُ مِن بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَن مَوَاضِعِهِ، وَلَا يُعْرِضُ عَنْهَا
_________
(^١) وقال ﵀ في موضع آخر: وَمِمَّا يُبَيَّنُ الْغَلَطَ الَّذِي وَقَعَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرِيعَةِ: أَنَّ مُوسَى ﵇ لَمْ يَكن مَبْعُوثًا إلَى الْخَضِرِ، وَلَا أَوْجَبَ اللهَ عَلَى الْخَضِرِ مُتَابَعَتَهُ وَطَاعَتَهُ؛ بَل قَد ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ "إنَّ الْخَضِرَ قَالَ لَهُ: يَا مُوسَى إنِّي عَلَى عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللهِ عَلَّمَنِيهِ اللهُ لَا تَعْلَمُهُ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ اللهُ لَا أَعْلَمُهُ" وَذَلِكَ أنَّ دَعْوَةَ مُوسَى كَانَت خَاصَّةً. وَقَد ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِن غَيْرِ وَجْهٍ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ- فِيمَا فَضَّلَهُ اللهُ بِهِ عَلَى الْأنْبيَاءِ-: "كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً"، فَدَعْوَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْعِبَادِ لَيْسَ لِأحَدِ الْخُرُوجُ عَن مُتَابَعَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَلَا اسْتِغْنَاءَ عَن رِسَالَتِهِ.
وَقِصَّةُ الْخَضِرِ لَيْسَ فِيهَا خُرُوجٌ عَن الشَّرِيعَةِ؛ وَلهَذَا لَمَّا بَيَّنَ الْخَضِرُ لِمُوسَى الْأسْبَابَ الَّتِي فَعَلَ لِأجْلِهَا مَا فَعَلَ وَافَقَهُ مُوسَى وَلَمْ يَخْتَلِفَا حِينَئِذٍ، وَلَو كَانَ مَا فَعَلَهُ الْخَضِرُ مُخَالِفًا لِشَرِيعَةِ مُوسَى لَمَا وَافَقَهُ. (١١/ ٤٢٥ - ٤٥٦).
1 / 69