Picked Phrases: Simplifying the Science of Hadith for Scholars
منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ
Daabacaha
مكتبة دار البيان
Lambarka Daabacaadda
الثالثة
Sanadka Daabacaadda
١٤٣٧ هـ - ٢٠١٦ م
Goobta Daabacaadda
دمشق
Noocyada
منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ
تقديم
المحدث العلامة صبحي السامرائي
تأليف الحارث بن علي الحسني
مكتبة دار البيان
1 / 1
تقريظ محدث العراق الشيخ صبحي السامرائي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، وبعد:
فقد قرأت رسالة المنتقى للألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ لولدنا الحارث بن علي بن عبد العزيز فوجدتها بحمد لله جامعة ومستوعبة لعلوم الحديث، وكل ما يحتاجه طالب الحديث، وهو بحق لم يصنف مثلها ولم يكن في علوم الحديث رسالة جمعت ما جمع فيها.
وحق علي أن أوصي طلاب العلم باقتنائها والمثابرة على حفظها فإن فيها ما لا يوجد في غيرها من المصنفات في مصطلح الحديث، فالله أسأل أن ينفع بها مؤلفها وقارئها وحافظها، وصلى الله وبارك وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وآله وصحبه وسلم.
1 / 6
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد والنبيين ومن تبعهم وبعد:
فهذه بحمد الله الطبعة الثانية من كتاب "منتقى الألفاظ بتقريب علوم الحديث للحفاظ" بعد أنْ تمَّ انتشار الطبعة الأولى، وفي هذه الطبعة تعديل لمواضع يسيرة من الطبعة الأولى، وزيادات مهمة عليها، أسأل الله تعالى أن يجعلها أصوب من سابقتها، وأنْ يجعل العمل خالصًا لوجهه ويباركه ويتقبله بقبول حسن وينفع به عباده.
وَكَتَبَ
أبُو عَلِيّ الحَارِثُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الحسَنِيّ
1 / 7
مُسَلَّمَةٌ
إنَّ مِن أمحَل المُحَال أن يَأتِيَ أحدٌ مِنَ المُشتَغِلينَ بِالحَديثِ بِحُكمٍ عَلَى حَدِيثٍ أوْ عِلَّةِ حَدِيثٍ أوْ حُكمٍ عَلَى رَاوٍ أوْ تَأصِيلٍ فِي تَحدِيثٍ أخطَأ فِيهِ المُتقدِمُونَ وَأصَابَ فِيهِ المُتَأخِرونَ لَيسَ لِلمُتَأخِرينَ فِيه سَلَفُ مِن المُتَقَدِمِينَ.
الحَارِثُ بنُ عَلِيّ الحَسَنِيّ
مُهِمَّةٌ
مَن تَصَدَّى للإفتَاءِ وَالفِقهِ بِغَيرِ تَحديثٍ عَلَى مَنهَجِ المُتَقَدِمينَ فَقَد ضَلَّ وَأضَلَّ، فإنَّهُ لَا يَكُونُ الفَقيهُ فَقِيهًا حَتَّى يَكُونَ مُحَدِّثًا، وَقَد لَا يَكونُ المُحَدِّثُ فَقِيهًا.
الحَارِثُ بنُ عَلِيّ الَحسَنِيّ
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحَمْدُ لله وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى رَسُوْلِ الله وَالنَّبِيِّين وَمَنْ تَبِعَهُم، وَبَعْد:
فَهَذِه رِسَالَةٌ لِلمُبْتَدِئين، جَعَلتُهَا مَدْخَلًا لَهم إلى عُلُوم الحَدِيثِ، بِمَنزِلَةِ المَفَاتِيْح يَفْتَحُ بِهَا طَالِبُ العِلمِ المُبْتَدِئُ أبْوَابَ هَذَا العِلمِ، لِيَلِجَ ابْتِدَاءً، وَيَسْتَعِيْن بِهَا تَوَسُّطًا وَانْتِهَاءً.
صَيَّرْتُ مَبَاحِثَهَا عَلَى سِتٍّ:
الأوَّل: تَعْرِيْفَاتُ المُصْطَلَحَاتِ الحَدِيثِيَّةِ، وَجَعَلتُهَا مُسْتَوْفَاة لَا مُجَرَّد ألفَاظٍ اصْطِلَاحِيَّة، وَعُنِيْتُ بِذِكْرِ اصْطِلَاحَاتِ الُمتَقَدِّمِيْن فِي كُلِّ مَبْحَثٍ مِنْ مَبَاحِثِ المصْطَلَح، مَع ذِكْرِ بَعْضِ اصْطِلَاحَاتِ المُتَأخِّرِيْن، فَلَم أكْتَفِ بِذِكْر الاصْطِلَاحِ عَلَى طَرِيْقَةِ المُتَأخِّرِيْن، كَمَا فَعَلَ مَنْ صَنَّفَ مِنْ بَعْدِ الحاكم، وَأرْدَفْتُهَا بِأهَمِّ قَوَاعِدِ وَضَوَابِطِ عُلُوْمِ الحَدِيثِ الَّتِي تَكْثُرُ حَاجَةُ طَالِبِ الحَدِيثِ لَهَا.
الثَّانِي: ذِكْرُ رُوَاةِ الأحَادِيْثِ الثِّقَاتِ المُكْثِرِيْن الَّذِيْن دَارَت عَلَيْهِم الأسَانِيْدُ، مَنْ يَحْفَظُ أسْمَاءَهُم وَألقَابَهُم وَكُنَاهُم وَأنْسَابَهُم: يَحْفَظُ أُصُولَ الأسَانيْدِ الصَّحِيْحَة، وَعَقَّبْتُ هَذَا المبْحَث بِذِكْرِ جُمْلَةٍ مِن الأُمُورِ الُمهِمَّة الَّتي تهمُ البَاحِثَ فِي الرُوَاةِ العِلَلِ لِتكُونَ مُتَّكئًا لَهُ فِي التَّعَامُلِ مَع الأسَانِيد.
الثَّالِث: ذِكْرُ الأُصُولِ الجَوَامِع المُسْنَدةِ الصَّحِيْحَةِ الَّتي بِحِفْظِهَا تُحْفَظُ أُصُولُ الأحَادِيث الَّتي عَلَيْهَا مَدَارُ العِلمِ، وَبِحِفْظِ أسَانيدِهَا تُحْفَظُ جُملَةٌ مِن الأسَانيدِ الصَّحِيْحَةِ.
1 / 9
الرَّابِع: ذِكْرُ الأحَادِيْثِ وَالأبْوَابِ الَّتِي لَا يَصِحُّ فِيْهَا حَدِيْث، وَبِحِفْظِ هَذِه تُضْبَطُ مِئَاتُ الأحَادِيْثِ الضَّعِيفَةِ دُونَ الحَاجَةِ إِلى النَّظَرِ فِي أسَانيدِهَا، أو الحَاجَةِ إِلى عَالِمٍ يُبيِّنُ لَنَا صِحَّتَهَا مِن ضَعْفِهَا.
الخَامِس: مُلَخَّصٌ مُحرَّرٌ فِي بَيَانِ أُصُولِ الاخْتِلَافِ بَيْن المُتَقَدِّمِيْن والُمتَأخِّرِيْن، وَفَضْل مَنْ لَهُ الفَضْلُ مِنْهُم عَلَى الآخَرِ، وَذِكْر الفَوَارِقِ المَنْهَجِيَّةِ بَيْنَهُم، وَالتَّدْلِيْل عَلَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا، وَذِكْر شَيءٍ مِنْ تَعَامُلَاتِهم مَع الحَدِيثِ وَعُلُومِهِ، لِيَتَبيَّن الطَّالِبُ البَوْنَ الشَّاسِع بَيْن الفَرِيْقَيْنِ، وَلِئَلَّا يَغْتَرَّ بِصَنيْعِ الُمتَأخِّرِيْن فِي هَذَا العِلم.
السَّادِس: مُنْتَقَى بِأهَمِّ مَا يَحْتَاجُهُ طَالِبُ عِلمِ الحَدِيثِ المُبْتَدِئ مِن كُتُبِ الحَدِيثِ: مُتُوْنهَا، وَأُصُوْل مُصْطَلَحِهَا، وَجَرْحِهَا وَتَعْدِيْلِهَا، وَعِلَلِهَا، وَتَخْرِيجِهَا، وَمَنَاهِج مُصَنِّفِيْهَا.
وَخِتَامًا لا يَفُوتُنِي أنْ أشْكُرَ شَيْخَنَا العَلَّامَة المُحَدِّث صُبْحِي السَّامَرَائِي لمِا بَذَلَهُ مِنْ قِرَاءَةِ الكِتَابِ وَالتَفَضُّل بِالتَقْدِيمِ لَه، وَمَا أكْثْرَ تَفَضّله عَلَيَّ بَعْدَ الله حَفِظَهُ اللهُ وَأطَالَ عُمُرَهُ وَأحْسَنَ عَمَلَه (١).
هَذَا وَاللهَ أسْألُ أنْ يَجْعَلَ هذه الرسالة خَالصَةً لِوَجْهِهِ، وَعَلَى مُرَادِهِ، وَأنْ يَنْفَعَ بِهَا، وَيُبَارِكَهَا، وَيَتَقَبَّلَهَا، وَيَجعَلَهَا سَبَبًا لِكَفِّ وَجْهِي عَن النَّار.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَك عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَن تَبِعَهُم.
وَكَتَبَ
أبو عَلِيّ
الحَارِثُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ الحَسَنِيّ
_________
(١) وهذا قبل وفاته ﵀، وهذه مقدمة الطبعة الأولى.
1 / 10
مَدْخَل أهَمُّ وَأشْهَرُ المُصَنَّفَاتِ في عُلُومِ الحَدِيث قَدِيْمًا وَحَدِيْثًا
لم يُصنف المتقدمون من طبقة الكبار في المصطلح مصنفات مستقلة؛ فقد كانوا يتعاملون مع هذا الفن عمليًا، ولهذا قَلَّتْ كتابتهم فيه، أو عُدِمت، فقد كانوا يعتمدون على الفهم والحفظ، وإعمال القرائن، ولم يكونوا يعتبرون القواعد حاكمة إلا بالجملة، وهي محفوظة في أذهانهم، خاضعة عندهم للقرائن غالبًا، فالقواعد عندهم عصى الأعمى، وقوالب غير متسعة، حتى جاء المتأخرون فركنوا إلى الدِعَة وجعلوا هذا العلم عبارة عن قوالب، وأخضعوه لقواعد صمَّاء ضيقة جامدة، وأهملوا القرائن.
فكانت مظانّ أصول علم الحديث عموم المصنفات الحديثية: ككتب المتون، وكتب الجرح والتعديل، وكتب العلل، وكتب السؤالات، وكتب الأجزاء.
ففي كتب المتون: كما في "سنن الدارمي" كثير من أصول علم الحديث، وكذا في "صحيح البخاري" جملٌ كثيرةٌ في مسائل علوم الحديث، وكذا في مقدمة "صحيح مسلم" وفي "جامع الترمذي" جمل كثيرة مبثوثة عقب أحاديثه، ثم ختمه بجزء نفيسٍ عُرِف بالعلل الصغير، وفي "رسالة "أبي داود إلى أهل مكة" ولم تخل "سنن النسائي" من بعض مباحث علوم الحديث وإن قَلَّت.
وفي كتب الجرح والتعديل: ككتاب "التاريخ الكبير" للبخاري، و"المعرفة والتاريخ" للفَسَوي، و"مقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.
وفي كتب العلل: كما في "علل ابن أبي حاتم"، و"علل الدارقطني" وفيها أصول منهج، التعليل (١)، وفي كتب السؤالات: كما في "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني"، وسؤالات" "أبي داود للإمام أحمد، و"سؤالات الدارمي لابن معين".
_________
(١) ومن تدبر هذين الكتابين علم بطلان قواعد التعليل المعتمدة في كتب المصطلح المتعارف عليها عند المتأخرين.
1 / 11
وفي كتب الأجزاء: كجزء عبد الله بن الزبير الحميدي. و"معرفة المتصل" للبَردِيجي، وقد هُجِرت هذه الكتب بالنسبة لأخذ أصول هذا العلم منها، ومن هنا نشأ الخطأ في فهم هذا العلم، والتباين الحاصل بين المتقدمين والمتأخرين، نعم قد يكون السبب الرئيس لهجر الأخذ من هذه الكتب أن الأقوال متناثرة فيها غير مجموعة في موضع واحد، مما شق على الكسول والمُتعجِّل والمقلِّد النظر فيها، ولو سبر أحدٌ هذه المصنفات لأتى على كل مباحث المصطلح عند المتقدمين، حتى جاء القرن الرابع الهجري فتوجهت أنظار بعض العلماء إلى جمع تلك المباحث والقواعد المتفرقة.
فكتب ابن حبان مقدمات كتبه "التقاسيم والأنواع" (١)، "المجروحين" و"الثقات"، ثم صنف الرَّامَهُرْمُزِيُّ كتابه "المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي" وكذا أبو سليمان، الخطَّابي فيما كتبه في مقدمة كتابه "معالم السنن" وتبعهم أبو الحسن القابسي في مقدمة كتابه "مختصر الموطأ" المعروف بالملخَّص، وصنف ابن مَنْدَه في شروط الأئمة، وكتاب الحاكم، "المدخل إلى الإكليل" ثم صنف الحاكم كتابه العظيم "معرفة علوم الحديث" (٢)، ووضع عليه أبو نعيم الأصبهاني مستخرجًا، نسجه على منواله (٣).
ثم صنف الخطيب البغدادي "الكفاية في علم الرواية" (٤)، ثم "الجامع لأخلاق الراوي "وآداب السامع" وهو خاص بأدب الرواية، ثم صنف ابن طاهر المقدسي "شروط الأئمة الستة" وهو جزء صغير.
وصنف القاضي عياض "الإلماع" وصنف أبو موسى المديني "خصائص مسند أحمد"
_________
(١) المعروف اليوم بصحيح ابن حبان.
(٢) والحاكم فيه محرر لما عليه أئمة الحديث المتقدمين، لا يتجاوزهم، لعلمه أن (غير أهل الحديث) لا يحسن هذا العلم، وهو أجلُّ ما كتب في علوم الحديث، مع الحاجة إلى ترتيبه وتهذيبه.
(٣) وزاد في أثنائه أشياء تناسب مواضعها.
(٤) ولم يؤلف في المصطلح أجمع منه، ولكنه لم يقتصر فيه على الأخذ من المحدثين أهل الشأن، بل شَانَهُ بأقوال غيرهم ممن لا يحسن هذا الفن ولا يعرفه، كالفقهاء، والأصوليين، والمتكلمة. والخطيب في كتبه الأخرى يخالف ما قرره في "الكفاية".
1 / 12
وصنف أبو حفص المَيَانَجِيّ "إيضاح ما لا يسع المحدث جهله" (١)، وصنف الحازمي "شروط الأئمة الخمسة".
ثم جاء المتأخرون (٢)، فصنف ابن الصلاح كتابه "معرفة أنواع علم الحديث" المشهور بمقدمة ابن الصلاح، حاول فيه جمع شتات ما تقدم مما كُتب في المصطلح، وعليه بنى المتأخرون مصنفاتهم في علوم الحديث، وهو عمدة المتأخرين وقبلتهم في تصانيفهم، فمنهم من اختصره ومنهم من نظمه ومنهم من نكَّتَ عليه، ومنهم من شرحه، فمن مختصراته: "إرشاد طلاب الحقائق" للنووي (٣). و"الخلاصة" لحسن بن محمد الطيبي، و"المُقنع" لابن المُلَقِّن، و"اختصار علوم الحديث" لابن كثير، و"الاقتراح" لابن دقيق العيد (٤)، ومن شروحه "إصلاح كتاب ابن الصلاح" لابن اللبَّان. و"إصلاح ابن الصلاح" لمُغُلْطَاي. و"الجواهر الصحاح" لابن جَمَّاعَة.
ومن النكت عليه: "النكت"، للزركَشِي، و"التقييد والإيضاح" للعراقي، و"النكت" لابن حجر.
ومن منظوماته وشروحها: "ألفية العراقي"، شرحها السخاوي في "فتح المغيث"، و"ألفية السيوطي"، شرحها هو نفسه في "البحر الذي زَخَر".
وقد مارستُ مصنفات المصطلح المشهورة عند المتأخرين فرأيت أجلَّهَا وأشهَرَها عندهم: "الكفاية" للخطيب، و"مقدمة" ابن الصلاح، و"الموقظة" للذهبي، و"النخبة" لابن حجر. و"المنظومة البيقونية" للبيقوني، و"الألفية" للعراقي، و"فتح المغيث" للسخاوي، و"تدريب الراوي" للسيوطي، و"نكت" العراقي، و"نكت" ابن حجر (٥).
_________
(١) والكتاب على شهرته، فليس مصنفه بالمتقن في علوم الحديث.
(٢) وقد اندرست علوم المتقدمين، وظهرت مدارس الرأي والفلسفة وعلم الكلام، وعَلا الفقهاء، وهُجِرَ المحدثون. فصنف من صنف في المصطلح، كل متأثر باعتقاده أو مذهبه فخلط بين أقوال أهل الحديث وأقوال غيرهم، من المتكلمة والفقهاء والأصوليين، فصارت كتب المتأخرين هي المعروفة في هذا العلم، بل لا يعرف غيرها، ولو سئل أحد عن الكتب المصنفة في هذا الباب لا يذكر لك غير المعروف عند المتأخرين.
(٣) ثم اختصر النووي كتابه هذا في كتاب أسماه "التقريب والتيسير". و"شرح التقريب" السيوطي في كتابه الشهير "تدريب الراوي".
(٤) اختصره الذهبي في "الموقظة".
(٥) وعندي أن "توضيح الأفكار" للصنعاني، خير شروح المتأخرين، لكن ليس له شهرة غيره.
1 / 13
هذا وغالب من كتبَ في الباب على طريقة المتأخرين، إلا ابن رجب، فإنه حَرَّرَ منهج المتقدمين، بل كل من صنف في علوم الحديث بعد ابن حجر إنما ينقل عنه من مصنفاته كـ "النخبة" و"النزهة" و"هدي الساري"، فكأنَّ المصنف ابن حجر نفسه.
حتى جاء عبد الرحمن المُعَلِّمِي فتابع ابن رجب، وحرَّر كثيرًا من مباحث المصطلح، ونقى كثيرًا من قواعده التي اندرست وهجرها المشتغلون، ثم شرع جمعٌ من المعاصرين يكتبون في تحرير مباحث هذا العلم على طريقة السلف، لتنقيته من أقوال غير أهل الحديث، وأقوال أهل الحديث الذين تأثروا بغير أهل الحديث، منهم محمد عمرو بن عبد اللطيف - رحمه الله تعالى -، والحافظ عبد الله بن عبد الرحمن السعد، وهما المقدَّمان على المعاصرين، وأبو المعاطي النوري - رحمه الله تعالى -، وإبراهيم اللاحم، وعمرو عبد المنعم سليم، وحمزة المِلِّبَارِي، وأضرابهم، فلله درهم.
وهنا أقول: لا بد لطالب العلم بعد هذا أن يأخذ هذا العلم من مصنفات من حرَّر على طريقة المتقدمين، حتى لا يقع في الإشكالات التي سنذكرها في موضعها إن شاء الله من هذه الرسالة (١).
وسيتبين لكَ جليًّا بإذن الله أنَّ المتأخرين لا يحسنون هذا الفن كما يحسنه المتقدمون، بل حرفوا منهاجه وأفسدوه علينا، مما جرَّ إلى قَلبِ الحقائق الشرعية.
* * *
_________
(١) وانظر مبحث التأصيل آخر المباحث في هذه الرسالة.
1 / 14
المبْحَثُ الأَوَّل مُخْتَصَر التَّعْرِيفَات وَالْقَوَاعِد وَالضَّوَابِط
دُونكَ - رحمكَ اللهُ - المُصطَلحات والقوَاعِد والضَوَابِط التي يَحتَاجُهَا طَالبُ الحديث المُبتَدِئ؛ أذكُرُها مُجرَّدَةً مِنْ غَيْرِ تَوسعٍ فِيمَا يَتَعَلَّق بِهَا مِنْ مَبَاحِثِ عُلومِ الحَدِيثِ، لِتَكُونَ لَهُ مَدْخَلًا أوَلِيًا إلَى كُتُبِ المُتونِ وَالعِلَلِ وَالسُؤَالَاتِ وَالجَرْحِ وَالتَعْدِيلِ، وأقتصد في الأمْثِلَة فَأقتَصِرُ عَلَى مِثَالٍ وَاحِدٍ لِئَلا يَطُولُ الكِتَابُ.
دَقِيْقَةٌ مُهِمَّةٌ لَا بُدَّ مِنْ ضَبْطِهَا
ليعلم طالب علم الحديث: أنه ليس يصلح أن يصنف أحدٌ رسالةً في علوم الحديث وينتقي فيها تعريف عالم ما لمصطلح يقْصُر عليه كل المعاني عند باقي العلماء.
وذلك أنَّ لكل عالم اصطلاحه الخاص به ومراده الذي يعنيه هو، والذي يجب أن يتميز عن اصطلاح غيره، حتى لا تختلط المصطلحات، وتُسْتَشكَل المفاهيم، وتتضارب الأحكام على الأحاديث.
فعلى سبيل المثال: لو أن أحدًا صنف في المصطلح وانتقى في تعريف الحديث الحسن قول من قال: إنه رواية من خَفَّ ضبطه، وترك باقي التعاريف التي جاءت عن علماء آخرين، فإن من يصنع هذا يجعل طالب العلم لا يعرف في تعريف الحسن إلا هذا المعنى، ولن يتبادر إلى ذهنه كلما قرأ لفظ الحسن لعالم ما إلا أن مراده هذا المعنى دون غيره، في حين قد يكون مراده غير هذا المعنى في معاني تعريف الحسن عند غيره من العلماء (١).
_________
(١) على ما سيأتي - إن شاء الله - في مبحث الحديث الحسن.
1 / 15
شَيءٌ مِنْ فَضْلِ أَهْلِ الحَدِيث
قال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [البقرة: ١٢٩].
الحكمة: هي السنة.
وفي حديث أبي قِلابة عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلهُمْ، حَتَّى يَأتِيَ أمْرُ الله". أخرجه أحمد، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي.
فَهُم الطائفة المنصورة، ولقد ثبت عن أهل العلم أن المراد بهذه الطائفة هم أهل الحديث، منهم: عبد الله بن المبارك، وابن المديني، وأحمد، والبخاري. انظر "سنن الترمذي" (٢١٩٢) و"الإلماع" للقاضي عياض (١/ ٢٧).
وثبت عنه ﷺ أنه قال: "نَضَّرَ اللهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وَحَفِظَهَا ثُمَّ أدَّاهَا إِلى مَنْ لَم يَسْمَعْهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هُو أفْقَهُ مِنْه". أخرجه الطيالسي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن جَرِيْر عن زيد بن ثابت. وأخرجه أحمد، والدارمي، وأبو يعلى، وابن جَرِيْر عن جبير بن مطعم. وأخرجه ابن ماجه، والترمذي عن ابن مسعود.
فَهُم: المبيَّضَةُ وجوههم في الدُّنيا والآخرة.
قال ابن عُيَيْنَة: ليس أحد من أهل الحديث إلا في وجهه نضرة لهذا الحديث. "نظم المتناثر" (١/ ٤).
وقال الشافعي: إذا رأيتُ صاحب حديث فكأني رأيت رجلًا من أصحاب النبي ﷺ. "العلو والنزول" لابن القيسراني (١/ ٤٥).
وقال أحمد بن سُريج: أهل الحديث أعظم درجة من الفقهاء لاعتنائهم بضبط الأصول. "المستخرج على المستدرك" (١/ ١٤).
وقال الفضل بن زياد: سألتُ أبا عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - عن الكرابيسي، وما أظهر؟ فكَلَح وجهه، ثم قال: إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله ﷺ وأصحابه، وأقبلوا على هذه الكتب. "شرف أصحاب الحديث" للخطيب البغدادي (١/ ٥).
1 / 16
قال الخطيب: لولا عناية أصحاب الحديث بضبط السنن وجمعها واستنباطها من معادنها والنظر في طرقها؛ لبطلت الشريعة وتعطَّلت أحكامها، إذ كانت مستخرجة من الآثار المحفوظة، ومستفادة من السنن المنقولة. "الكفاية" (١/ ٢).
تَعْرِيْفَاتٌ أَوَّلِيَّةٌ
عِلمُ الحَدِيث: علم بأصول ومناهج ومصطلحات يتوصل به إلى تمييز سنن النبوة، وضبطها.
فهو علم يتوصل بها إلى معرفة أحوال السند والمتن، من حيث القبول والرد، ليتميز بها صحيح الأحاديث من سقيمها.
ويطلق عليه في تصانيف أهل الحديث المتقدمين "علوم الحديث" أو "أنواع علوم الحديث". ونحوها من المسميات. كما سماه الحاكم "معرفة علوم الحديث".
والمتأخرون يطلقون عليه اسم: علم مصطلح الحديث.
وهو خطأ، فإنه أعم من الاصطلاح.
أقْسَامُ عُلُوْمِ الحَدِيث: ليس له عند المتقدمين أقسام.
وعند المتأخرين: قسمان: علم الرواية، وعلم الدراية.
عِلمُ الرِّوَايَة: هو حفظ الحديث والأثر، وروايتهما، وضبط وتحرير ألفاظهما.
كالحفظ في الصدور، ومعرفة فقه المتن، ومعاني ألفاظه، وضبط المسطور من التحريف والتغيير.
عِلمُ الدِّرَايَة: جملة العلوم المتعلقة بأحوال السند والمتن.
كالجرح والتعديل، والعلل، والتخريج، والقواعد، والمصطلحات، والمناهج الحديثية.
ومادة علوم الحديث خمسة: علم مصنفات الحديث ومناهج مؤلفيها، وعلم مصطلح الحديث، وعلم علل الحديث، وعلم الجرح والتعديل، وعلم التخريج.
1 / 17
استمداد علوم الحديث: من كتب المتون والعلل والسؤالات والجرح والتعديل.
واضعوه: علماء الحديث.
واعلم أن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم (١).
فلا تؤخذ علوم الحديث ولا الحكم عليه عمن تأصل فيه على طريقة المتأخرين، ولا عن مبتدع لا يجري على اعتقاد أهل القرون المُفَضَّلَة الثلاثة الأولى، ولا عن فاسق، ولا عن متمذهب متعصب لمذهبه.
غاية علم الحديث: تمييز المقبول من المردود.
ولا يستطاع هذا العلم إلّا بالحفظ والمذاكرة وممارسة الأسانيد والمتون.
وقواعد المصطلح والحكم على الرواة اجتهادية، توفيقية.
وقد أنعمت النظر في أحوال الأئمة المتقدمين وتعاملاتهم مع هذا العلم وصنيعهم فيه فتبين لي: أنَّ الله تعالى أراده لهم، وهداهم لما قرروه فيه، ووفقهم إليه وأعانهم عليه.
ومن هنا لا يحل لأحد أن يخالفهم فيه، فإنهم مهديون موفقون معانون.
فإنهم أقرب لعصر النبوة، وأصلح اعتقادًا وألزم للسنة وأثبت في المتابعة.
وهذا أصل ينبغي التفطن له، والاعتناء به.
المصطلح: عبارة يطلقها عالم أو طائفة مخصوصة على أمر معين يريد بها معناها عنده.
كالثقة عند ابن معين، والمنكر عند أحمد، والباطل عند أبي حاتم، وفيه نظر عند البخاري، والحسن عند الترمذي.
السُّنَّة: عند المحدثين يُراد بها الحديث (٢).
_________
(١) هو مروي عن أبي هريرة، وابن عباس، والحسن البصري، وزيد بن أسلم، وابن سِيرِين، وإبراهيم النَّخَعِيّ، والضحاك بن مزاحم. أقول: وتصور نفسك لو كان ابن المديني، وأحمد، والبخاري، وأبو حاتم أحياء، وقد عاصرهم ابن حجر والسيوطي وبعض علماء عصرنا، وعندك مسألة في الحديث، فمن يا ترى تسأل؟ أكنت تسأل أحمد أم ابن حجر، أم تسأل البخاري أم السيوطي؟ والجواب معروف لا ريب.
(٢) وعند الفقهاء: ما كانت مرادفة للمستحب، وعند الأصوليين: ما أفاد حكمًا من قول أو فعل أو تقرير، وعند المصنفين في العقائد: ما كان في مقابل البدعة.
1 / 18
الحَدِيث: هو ما ورد عن النبي ﷺ من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة.
وَالمتقدمون لا يفرقون في العادة بين الحديث والخبر والأثر من جهة الإطلاق، فقد يطلقون الحديث على الخبر والأثر؛ لأن الأمر سهل عندهم.
قال ابن المديني: قَالَ [يعني الحسن]: وَرَأيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُبَايِعُ عَلِيًا فِي حُشٍ، وَخَالَفَهُ مُوسَى بْن دَاوُدَ قَالَ: رَأيْتُ طَلحَةَ يُبَايِعُ عَلِيًا فِي حُشٍ، فَسَألَهُ خَالِدُ بن القَاسِمِ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، قَالَ: لَيْسَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ، وَالحسن لم ير عَلِيًا إِلَّا أنْ يَكُونَ رَآهُ بِالمَدِينَةِ وَهُوَ غُلَام. العلل لابن المديني (٥٩).
وقال ابن أبي حاتم: وسألتُ أبِي وَأبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ شُعْبَة، عن منصور، عن الفَيْضِ، عن ابن أبِي حَثْمة، عَنْ أبِي ذَرٍّ: أنَّهُ كَانَ إِذَا خرجَ مِنَ الخَلاء قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي عَافَانِي، وَأذْهَبَ عَنِّي الأذَى؟
فَقَالَ أبُو زُرْعَةَ: وَهِمَ شُعْبَةُ فِي هَذَا الحَدِيثِ.
وَرَوَاهُ الثوريُّ، فَقَالَ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أبِي عَلِيٍّ عُبَيد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أبِي ذَرٍّ؛ وَهَذَا الصَّحيحُ. علل الحديث لابن أبي حاتم (٤٥).
ومنهم من فَرَّقَ فجعل:
الحَدِيث: يختص بما أضيف للرسول ﷺ.
وَالأثَر: يختص بما أضيف إلى من دون الرسول ﷺ من الصحابة أو التابعين أو من بعدهم.
وقد يطلق الأثر على ما أضيف للرسول ﷺ مقيدًا.
كأن يقال: "وفي الأثر عن النبي ﷺ ... ".
وَالخَبر: يَعُمُّ الحديث والأثر.
وينقسم الحديث إلى: إسناد، ومتن.
السَّنَد: هو سلسلة الرواة الموصلة إلى المتن.
ويقال له: الإسناد.
1 / 19
ويقال: سلسلة الرجال ... وهذا وإن كانت الأسانيد فيها النساء والصغار، لكن الوصف بالغالب لغة العرب.
وللإسناد معنى آخر: وهو: عزو الحديث إلى قائله مسندًا.
الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء (١).
المَتْن: هو ما انتهى إليه السند من كلام.
مِثَالُ السَّنَد والمَتْن:
كحديث: قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بن سَعِيدٍ يَقُولُ: أخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ أنَّهُ سَمِعَ عَلقَمَةَ بن وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بن الخَطَّابِ ﵁ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: "إِنَّما الأعْمَالُ بِالنِّيةِ، وَإِنَّما لِامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أو امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". أخرجه الجماعة.
فسند الحديث: قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم، أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي، يقول: سمعت عمر بن الخطاب ﵁ يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول ...
ومتن الحديث: هو من قول النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنية ... إلى قوله ﷺ: فهجرته إلى ما هاجر إليه".
التَّقْرِيْر: سكوته ﷺ عن فِعْلٍ حَدَثَ في عصره.
الصِّفَة: وصف النبي ﷺ الخَلقِي والخُلُقِي.
مِثَالُ الحَدِيث القَوْلِيّ:
حديث: ابْن أبِي ذِئْبٍ، عَنْ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، ﵁ أنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: "لَيَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لا يُبَالي المرءُ أبِحَلالٍ أخَذَ المالَ أمْ بِحَرَامٍ" أخرجه أحمد، والدارمي، والبخاري، والنسائي.
_________
(١) قاله ابن المبارك كما في "مقدمة صحيح مسلم" (١/ ١٧)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (١/ ١٧)، والترمذي في "العلل الصغير" (ص ٨٧).
1 / 20
مِثَالُ الحَدِيث الفِعْليّ:
حديث: الزُّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂؛ أن النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، وإسحاق، ومسلم، وأبو داود.
مِثَالُ الحَدِيث التَّقْرِيْرِيّ:
حديث: عَطَاءِ بْنِ أبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِر، قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ الله ﷺ، فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ المشْرِكِينَ وَأسْقِيَتِهِمْ، فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا، فَلا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. أخرجه أحمد، وأبو داود.
مِثَالُ الحَدِيث الوَصْفِيّ (صِفَة خَلقِيَّة):
حديث: شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ الله ﷺ": "ضَلِيعَ الفَمِ، أشْكَلَ العَيْنِ، مَنْهُوسَ العَقِبَيْنِ" أخرجه الطيالسي، وأحمد، ومسلم، والترمذي.
مِثَالُ الحَدِيث الوَصْفِيّ (صِفَة خُلُقِيَّة):
حديث: شُعْبَة، أخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أبِي عُتْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ الله ﷺ أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ وَجْهِهِ" أخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، وابن ماجه، وأبو يعلى.
المُتَقَدِمُون: مَنْ كان مِنْ أهل الحديث إلى عصر الدارقطني.
كمالك وطبقته، وشعبة وطبقته، وابن مهدي وطبقته، وأحمد وطبقته، والبخاري وطبقته، والترمذي وطبقته، والنسائي وطبقته.
المُتَأخِّرُوْن: مَنْ أتى بعد الدارقطني، كالخطيب البغدادي، والنووي، وابن الصلاح، والعراقي، وابن حجر، والسيوطي، إلى عصرنا (١).
_________
(١) ويستثنى من هذا من كان من هؤلاء المتأخرين على منهج المتقدمين، كابن عبد الهادي، وابن رجب، ومن المعاصرين: المعلمي اليماني، وأبي المعاطي النوري، ومحمد عمرو بن عبد اللطيف، وعبد الله السعد وحمزة الملباري، وأمثالهم.
1 / 21
والحد الفاصل بينهم منهجي أكثر منه زمني، فمن كان على منهج المتقدمين فهو منهم وإن تأخر عنهم زمنًا.
وجعل الذهبي الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر، هو: رأس سنة ثلاثمائة هجرية.
وحدَّ ابنُ حجر المتأخرين: بمن بعد الخمسمائة، وفيه نظر.
اسْتِقْرَارُ الاصْطِلَاح: حمل المصطلحات على ما اختاره ابن حجر في مصنفاته (١).
وهذا خطأ فإن الاصطلاح استقر عند المتقدمين، فكل اصطلاح بعدهم غاير اصطلاحهم لا عبرة به.
فلا يعترض على المتقدمين في التعريفات ولا ينتقد عليهم، ولعل هذا لأن القوم كانوا لا يتكلفون في التعريفات ولا يدققون في حدودها، وإنما يتكلمون بأمر عام، أو مقارب، وأنهم إنما تعاملوا مع هذا الفن عمليًا، وليست طريقتهم كطريقة المتأخرين، في تكلف التعريفات، وعدم صونها عن الإسهاب، والتوسع في تفعيل الجانب النظري.
فلا يلتفت إلى مقالات المتأخرين في تحرير اصطلاحات المتقدمين، فإنها بنيت في الفهم على منهاج غير أهل الحديث أصلًا، أو أن مُطْلِقَها بدا له أمر لأول وهلة فظنه نهائيًا، فقال به من غير أن يستقصي أو يتثبت.
ثم جاء مَن بَعده فقلده فانتشرت وشاعت وتتابع الناس عليها ثقةً بمن نُقِلَت عنهم.
فلا بد من سبر مصنفات المتقدمين في الحديث، ثم تتبع ألفاظ الأئمة المتقدمين، وحمل المصطلح على مرادهم لا على فهم المتأخرين، ومن ثَمَّ بناء علوم الحديث والتخريج والعلل والأحكام عليها.
ولا بد من المراجعة من جديد والغربلة، وإزاحة المفاهيم المغلوطة على المتقدمين.
والحل الأمثل هو حفظ مصطلحات الأئمة واحدًا واحدًا.
_________
(١) وهذا هو أصل المشكلة في عدم فهم المتأخرين من بعد ابن حجر لمنهج المتقدمين، فإنك لا تكاد تسأل عن اصطلاح إلّا أجابك أحدهم بما عَرَّفَهُ ابن حجر.
1 / 22
المُسْنَد: على معان:
الحديث المتصل.
ما روي بالسند.
كل كتاب فيه أحاديث كل صحابي على حدة (١).
مثل: "مسند أبي داود الطيالسي"، و"مسند الحميدي"، و"مسند أحمد".
اخْتِصَارُ الحَدِيث: هو الاقتصار على بعض ألفاظ الحديث، لتحرير معنى مراد من حديث طويل.
كما يفعله ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والبخاري في كتابه "الصحيح".
أو تلخيص معنى الحديث، بالتصرُّف في ألفاظه.
كما فعل شعيب بن أبي حمزة في حديث: كان آخر الأمرين من رسول الله ﷺ ترك الوضوء مما مسَّت النار، فقد اختصر بهذا حديثين:
الأول: توضؤوا مما مست النار.
والثاني: أكل ﷺ كتفًا وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. أخرجه أبو داود، والنسائي.
الصَّحِيْحُ
المقْبُولُ مِن الرُّوَاة: يشمل العدل الذي تَمَّ ضبطه، والذي خَفَّ ضبطه.
وجعله ابن حجر، في "التقريب": المجهول إذا توبع، وهو خطأ.
الحَدِيث الَمقْبُوْل: ما استوفى شروط القبول من أعلاها إلى أدناها.
الصَّحِيْح: ما اتصل سنده بنقل الثقة من غير علة.
وَالمتقدمون يطلقون اسم الصحيح على كل ما يحتج به عندهم، فيعم الصحيح والحسن بمعناه عند المتأخرين.
_________
(١) وسيأتي له بإذن الله معانٍ أخرى، انظرها في مبحث المسند، وإنما ذكرت هنا ما يُقْصد به في هذا الموضع من تصانيف المصطلح.
1 / 23
وعند المتأخرين: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذًا ولا معللًا (١).
تنبيه: الشذوذ من جملة العلل الخفية؛ فلم أذكره في تعريف الصحيح، كما صنع المتأخرون.
مثال الصحيح: حديث: مُسَدَّد حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أبِي قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بن مالك ﵁ قَالَ: كان النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: "اللهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ وَالجُبنِ وَالَهرَمِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحْيَا وَالممَاتِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ". أخرجه أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود والنسائي.
والحديث إذا ثبت فهو حجة يتعبد الله به.
المَعْرُوْف: هو الحديث المشهور الصحيح عند المتقدمين.
وعند المتأخرين: ما رواه الثقة مخالفًا لما رواه الضعيف.
فائدة: الأحاديث لها طرق مسلوكة معروفة، فإذا جاءت الأحاديث من غير هذه الطرق فهي مَظِنَّةُ وجود العلة.
الثِّقَة: هو من جمع بين العدالة في الدِّين، والضبط لمحفوظه.
العِلَّة: هي سبب غامض خفي يقدح في حديث ظاهره الصحة (٢).
وعلة المتن غالبًا ما تكون مرتبطة بعلة الإسناد.
العَدَالَة: هي الاستقامة في الدِّيْن والمروءة في الخُلُق.
ومردها بالجملة إلى هذين الأمرين.
العَدْل: من سدَّد وقارب، وغلب خيره على شره.
وإن شئت فقل: من لم يكن فاسقًا ولا مبتدعًا.
_________
(١) وهذا تفصيل وشرح أكثر منه تعريفًا، والأصل أن التعاريف تصان عن الإسهاب.
(٢) ولم أقل ظاهر إسناده؛ لأن العلة قد تكون في المتن كذلك.
1 / 24