On the Interpretation of Fakhr al-Din al-Razi and Its Completion - Within 'Works of al-Mu'allimi'
حول تفسير الفخر الرازي وتكملته - ضمن «آثار المعلمي»
Baare
محمد أجمل الإصلاحي
Daabacaha
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٣٤ هـ
Noocyada
الرسالة السادسة عشرة
حول تفسير الفخر الرازي وتكملته
7 / 303
[ق ١/أ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أفادني فضيلة العلامة الجليل الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع (^١) ــ حفظه الله ــ أن صاحب "كشف الظنون" ذكر أن تفسير الفخر الرازي المسمى بـ"مفاتيح الغيب" لم يكمله الفخر، وأنه أكمله نجم الدين أحمد بن محمد القَمُولي، وأن في ترجمة القمولي من "طبقات ابن السبكي" ومن "الدرر الكامنة" أن له تكملة لتفسير الفخر الرازي. وكأن فضيلة الشيخ ــ حفظه الله ــ ندبني لتحقيق هذه القضية، لأن هذا التفسير مطبوع بكماله منسوبًا إلى الفخر الرازي، وليس فيه تمييز بين أصل وتكملة، وآخره جارٍ على طريقة أوله.
هذا ولم تكن سبقت لي مطالعة التفسير ولا مراجعة، ولي عنه صوارف، فرجوت أن أجد في كتب التاريخ والتراجم والفهارس ما يغني عن تصفح التفسير، فلم أجد ما يفيد التحديد إلا في بعض الفهارس الحديثة أنه وجد بخط السيد مرتضى الزبيدي عن "شرح الشفاء" للخفاجي أن الرازي وصل إلى سورة الأنبياء، فأحببت أن أقف على عبارة الخفاجي، وشرحه للشفاء مطبوع في أربعة مجلدات كبار، ولم تسبق لي مطالعة له أيضًا، فنظرت أولًا في فهارس مجلداته الأربعة، وراجعت ما رأيت أنه مظنة للعبارة المذكورة، فلم أجد.
فتجشمت تصفح ذاك الشرح من أوله، ولم يكلفني ذلك كبير تعب؛
_________
(^١) من كبار علماء نجد. ولد سنة ١٣٠٠ في عنيزة، وتوفي سنة ١٣٨٥ في بيروت، ودفن في قطر. انظر ترجمته في: "علماء نجد خلال ثمانية قرون" (٦/ ١٠٠ - ١١٣).
7 / 305
لأنني وجدت العبارة في ص ٢٦٧ من المجلد الأول طبع القسطنطينية سنة ١٢٦٧ هـ ــ وسيأتي نصها ــ فرابني قوله: "الثابت في كتب المؤرخين"، فإني قد تتبعت ما وجدته من كتبهم، فلم أجد فيها ذلك التحديد، ولو كان ظاهرًا لنبَّه عليه بعضهم.
ثم كيف خفي ذلك على صاحب "كشف الظنون" مع سعة اطلاعه وكثرة تتبعه؟ وكيف خفي على الزبيدي حتى احتاج إلى تعليقه عن كتاب الخفاجي، ثم خفي على من بعده حتى لم يجدوا إلا النقل عن خط الزبيدي عن كتاب الخفاجي؟
إذن لابد من النظر في التفسير نفسه، في تفسير سورة الأنبياء وما قبلها وما بعدها. فزادني ارتيابًا بقول الخفاجي أنني وجدت الروح واحدة والأسلوب واحدًا، حتى إنني كدت أجزم أو جزمت بأن تفسير سورة الأنبياء وسورٍ بعدها من هذا التفسير هو تصنيف مفسر سورة الكهف وسورة مريم وسورة طه منه. وراجعت مواضع من تفسير البقرة وآل عمران، ونظرت نظرة في أواخر التفسير، فوجدته أيضًا موافقًا لذلك.
وعثرت على إحالة في تفسير سورة الإخلاص لفظها: "وقد استقصينا في تقرير دلائل الوحدانية في تفسير قوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢] "، وهذه الآية في سورة الأنبياء، فخطر لي احتمال أن يكون قائل: "إن الرازي وصل إلى سورة الأنبياء" إنما أخذ ذلك من هذه العبارة مضمومةً إلى نصوص المؤرخين أن الرازي لم يكمل التفسير، وإنما أكمله غيره؛ فإن العادة في تصنيف التفاسير أن يبدأ المفسر من أول القرآن ثم يجري على الترتيب. والظاهر أن الرازي هكذا صنع، وقد نصُّوا على أنه لم
7 / 306
يكمل التفسير، إذن فلا
بد [٢/أ] (^١) أن يكون هناك موضع انتهى إليه الأصل، وشرعت منه التكملة. وعباراتهم تعطي أنه بقي على الرازي مقدار له شأن، فتفسير الإخلاص لن يكون إلا من التكملة، فكلمة "وقد استقصينا ... " من كلام المكمل، فتفسير الآية المحال عليها من كلامه.
دع هذا، ودع مناقشته، فالمقصود أن الريبة في قول الخفاجي استحكمت، بل اتضح بطلانه، كما سيأتي.
واصلت النظر في تفسير سورة الحج والمؤمنين والنور والفرقان والشعراء والقصص متفهمًا تارة، متصفحًا أخرى، وأنا لا أنكر شيئًا من الروح والأسلوب، مع وجود شواهد تدل أن الكلام كلام الرازي، لكن لم أكد أشرع في النظر في تفسير العنكبوت حتى شعرت بأن هذه روح أخرى، وأسلوب يحاول محاكاة السابق وليس به، فأنعمت النظر، فتأكد ذلك وتأيد بوجود عدة فوارق، فقفزت إلى تفسير سورة الروم، ثم إلى تفسير سورة لقمان، فالسجدة، فأجد الطريقة الثانية مستمرة. فرأيت أني قد اكتشفت الحقيقة، وأن الرازي بلغ إلى آخر تفسير القصص، فما بعد ذلك هو التكملة.
لكنني تابعت تصفحي لأوائل تفسير سورة سورة، فلما بلغت تفسير الصافات إذا بالطريقة الأولى ماثلة أمامي. فجاوزتها إلى السورة الخامسة أو السادسة بعدها، فوجدت الطريقة الأولى باقية، فجاوزت ذلك إلى السابعة والثامنة فإذا بالطريقة الثانية. وهكذا أجد كلتا الطريقتين تغيب ثم تعود، فعلمت أنه لابد من استقصاء النظر على الترتيب.
وسألخص البحث من أوله مرتبًا على أسئلة، كل منها مع جوابه.
_________
(^١) الكتابة في الأصل في وجه واحد من الورقة.
7 / 307
السؤال الأول
ألم يكمل الفخر الرازي تفسيره؟
الجواب يعلم مما يأتي:
في "عيون الأنباء" لابن أبي أصيبعة (٢/ ٢٩) في ترجمة الفخر، في بيان مؤلفاته: "كتاب التفسير الكبير المسمى "مفاتيح الغيب"، اثنتا عشرة مجلدة بخطه الدقيق سوى الفاتحة، فإنه أفرد لها كتاب تفسير الفاتحة مجلد، تفسير سورة البقرة من الوجه العقلي لا النقلي مجلد ... ".
ظاهر هذا أن الفخر أكمل التفسير، لكن ذكر ابن أبي أصيبعة نفسه في كتابه المذكور (٢/ ١٧١) في ترجمة شمس الدين أحمد بن خليل الخُوَيِّي أن له "تتمة تفسير القرآن لابن خطيب الري". وابن خطيب الري هو الفخر الرازي. وذكر ابن أبي أصيبعة في ترجمة الخويي أنه ــ أعني ابن أبي أصيبعة ــ أخذ عن الخويي، وأن الخويي أدرك الفخر الرازي وأخذ عنه. والفخر توفي سنة ٦٠٦ هـ كما هو معروف، وتوفي ابن أبي أصيبعة سنة ٦٦٨ هـ.
وفي "تاريخ ابن خلكان" (١/ ٤٧٤) في ترجمة الفخر في ذكر مؤلفاته: "منها تفسير القرآن الكريم جمع فيه كل غريب وغريبة، وهو كبير جدًّا لكنه لم يكمله، وشرح سورة الفاتحة في مجلد". توفي ابن خلكان سنة ٦٨١ هـ.
وذكر ابن السبكي في "طبقاته" (٥/ ٣٥) في ترجمة الفخر تفسيره، ولم يبين أكمل أم لا، لكنه قال (٥/ ١٧٩) في ترجمة نجم الدين أحمد بن محمد القَمولي: "وله تكملة على تفسير الإمام فخر الدين". توفي ابن السبكي سنة ٧٧١ هـ.
7 / 308
[٣/أ] وفي "شذرات الذهب" (٦/ ٧٥) في ترجمة القمولي: "قال الأسنوي: وكمّل تفسير ابن الخطيب". وابن الخطيب هو الفخر، توفى الأسنوي سنة ٧٧٢ هـ.
وفيها (٥/ ٢١) في ترجمة الفخر: "قال ابن قاضي شهبة: ومن تصانيفه تفسير كبير لم يتمه في اثني عشر مجلدًا كبارًا ... " (^١). توفي ابن قاضي شهبة سنة ٨٥١ هـ.
وفي "الدرر الكامنة" لابن حجر (١/ ٣٠٤) في ترجمة القمولي: "وأكمل تفسير الإمام فخر الدين". توفي ابن حجر سنة ٨٥٢ هـ.
* * * *
_________
(^١) انظر: "طبقات ابن قاضي شهبة" طبعة حيدراباد (٢/ ٣٣٣).
7 / 309
السؤال الثاني
إن لم يكمله فمَنْ أكمله؟
الجواب: قد علم مما مرَّ أنه أكمله كلٌّ من الخويي والقَمولي. فأما الأول فهو شمس الدين قاضي القضاة أحمد بن خليل الخويي توفي سنة ٦٣٧ هـ. هذا هو الصواب في اسمه ولقبه ونسبته ووفاته، ووقع في عدة كتب تخليط في ذلك. راجع "عيون الأنباء" (٢/ ١٧١) و"المرآة" لسبط ابن الجوزي (٨/ ٧٣٠)، و"طبقات ابن السبكي" (٥/ ٨)، و"السلوك" للمقريزي (١/ ٢٧٣)، و"تذكرة الحفاظ" للذهبي (٤/ ٢٠٠). و"البداية والنهاية" لابن كثير (١٣/ ١٥٥)، و"الشذرات" (٥/ ١٨٣). وراجع "شرح القاموس" (خ وي)، و"كشف الظنون" (مفاتيح الغيب)، و"الشذرات" (٥/ ٤٢٣)، و"فهرس الأزهر" (١/ ٢٩٩)، و"فهرس الخزانة التيمورية" (١/ ٢٣٥)، و"معجم المطبوعات".
وله ابن اسمه شهاب الدين قاضي القضاة محمد بن أحمد بن خليل الخويي، كان محدثًا فاضلًا، توفي سنة ٦٩٣ هـ. ذُكِرَ في مواضع من "سلوك المقريزي" و"تاريخ ابن الفرات"، وله ترجمة حسنة في "البداية والنهاية" لابن كثير (١٣/ ٣٣٧)، و"فوات الوفيات" (٢/ ١٨٢)، و"الوافي بالوفيات" (٢/ ١٣٧)، و"الشذرات" (٥/ ٤٢٣) على تخليط في "الشذرات".
ولما كان الغالب أن يُلقب من اسمه محمد: شمس الدين، ومن اسمه أحمد: شهاب الدين، اشتبه الأمر على صاحب "كشف الظنون"، فجعل لقب الأب: شهاب الدين.
7 / 310
وأما الثاني فهو نجم الدين أحمد بن محمد القمولي، توفي سنة ٧٢٧ هـ، كما في "طبقات ابن السبكي" (٥/ ١٧٩)، و"الدرر الكامنة" (١/ ٣٠٤)، و"الشذرات" (٦/ ٧٥)، و"كشف الظنون" (مفاتيح الغيب). ووقع في "فهرس الأزهر"، و"فهرس الخزانة التيمورية" ذكر وفاته سنة ٧٧٧ تبعًا لنسخة "كشف الظنون" الطبعة الأولى، وذلك خطأ.
وزعم بعضهم أنّ للسيوطي تكملة على تفسير الفخر، كتب منها من سورة سبح إلى آخر القرآن في مجلد، وإنما ذكر صاحب "كشف الظنون" أن للسيوطي تفسيرًا اسمه "مفاتيح الغيب" كتب منه ذاك المقدار، وهذا هو الظاهر أنه تفسير مستقل، وسيأتي ما يؤكد ذلك إن شاء الله.
* * * *
7 / 311
[٤/أ] السؤال الثالث
إذا لم يكمل الفخر تفسيره فهذا التفسير المتداول الكامل مشتمل على الأصل والتكملة، فهل يُعرَف أحدهما من الآخر؟
الجواب عن هذا يحتاج إلى إطالة. فقد قال الشهاب الخفاجي المتوفى سنة ١٠٦٩ هـ في شرحه لشفاء القاضي عياض (١/ ٢٦٧) معترضًا على من نقل عن "التفسير الكبير" للفخر الرازي: "الثابت في كتب التاريخ أن التفسير الكبير وصل إلى سورة الأنبياء وكمَّله تلميذه الخويي".
وقد ذكرت ارتيابي في هذا القول ثم نظري في التفسير نفسه، وسألخص ذلك محيلًا على النسخة المطبوعة بمصر سنة ١٢٧٨ هـ، وهي في ستة مجلدات، وله نسخة مخطوطة محفوظة بمكتبة الحرم المكي.
أولًا: في آخر تفسير البقرة من المخطوطة "حكاية تأريخ المصنف": "وقد تم يوم الخميس في المعسكر المتاخم للقرية المسماة بأرصف، سنة أربع وتسعين وخمسمائة".
وفي آخر تفسير آل عمران من المخطوطة: "قال ﵁: تم تفسير هذه السورة يوم الخميس". ونحوه في المطبوعة، وزاد: "أول ربيع الآخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة".
وهكذا ثبت التأريخ في أكثر السور الآتية إلى آخر سورة الكهف حيث ثبت في النسختين: "قال المصنف ﵀: تم تفسير هذه السورة يوم الثلاثاء السابع عشر من صفر سنة اثنتين وستمائة في بلدة غزنين".
7 / 312
ثم انقطعت السلسلة إلى سورة يس، ثم شرعت من آخر تفسير الصافات حيث وقع هناك في المطبوعة: "تم تفسير هذه السورة ضحوة يوم الجمعة السابع عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وستمائة".
ثم استمر التأريخ فيما بعد ذلك من السور إلى آخر تفسير الأحقاف حيث وقع في النسختين: "قال المصنف ﵁: تم تفسير هذه السورة يوم الأربعاء العشرين من ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة".
ولم يثبت شيء آخر القتال، ووقع في المطبوعة آخر تفسير سورة الفتح: "قال المصنف رحمه الله تعالى: تم تفسير هذه السورة يوم الخميس السابع عشر من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة ... ".
كذا وقع مع أن أول ذي الحجة تلك السنة "الجمعة" كما تصرح به تواريخ السور السابقة. وفي "الشذرات" (٥/ ١٠) ما يدل على أن أول شوال تلك السنة كان الاثنين، فإذا تم شوال ثلاثين كان أول ذي القعدة الأربعاء كما تقدم، فإذا تم أيضًا ثلاثين ــ ولا مانع من ذلك ــ كان أول ذي الحجة الجمعة.
ثانيًا: وقع في القسم الذي زعم الخفاجي أنه التكملة ــ في مواضع منه ــ نصوص تبين أن تلك المواضع من تصنيف الفخر. فمنها ما هو صريح كقوله في تفسير سورة الأنبياء ــ التفسير (٤/ ٥٢١): "أما المأخذ الأول فقد تكلمنا فيه في الجملة في كتابنا المسمى بالمحصول في الأصول".
وفي تفسير الزمر ــ التفسير (٥/ ٤١٥): "الثالث: كان الشيخ الوالد ضياء الدين عمر ﵀ يقول ... ".
7 / 313
وفي تفسير الزمر ــ التفسير (٥/ ٤٤٨): "لنا كتاب مفرد في تنزيه الله ...
سميناه تأسيس التقديس".
[٥/أ] وفي تفسير سورة الحشر ــ التفسير (٦/ ٢٧٥): "اعلم أنا قد تمسكنا بهذه الآية في كتاب المحصول في أصول الفقه".
وفي تفسير المدثر ــ التفسير (٦/ ٤٠٤): "والاستقصاء فيه قد ذكرناه في المحصول من أصول الفقه".
وفي تفسير سورة الفجر ــ التفسير (٦/ ٥٤٧): "وجواب المعارضة بالنفس مذكور في كتابنا المسمى بلباب الإشارات".
وكتاب "المحصول في أصول الفقه"، وكتاب "تأسيس التقديس في العقائد"، وكتاب "لباب الإشارات" ــ ملخص من إشارات ابن سينا ــ ثلاثتها من مصنفات الفخر الرازي المشهورة. وضياء الدين عمر هو والد الفخر الرازي وشيخه.
ومنها ما هو دون ذلك كقوله في تفسير سورة الفرقان ــ التفسير (٥/ ٢٨): "وفي تحقيقه وبسط كلام دقيق يرجع فيه إلى كتبنا العقلية".
وفي تفسير سورة القصص ــ التفسير (٥/ ١٣٥): "وهذه طريقة ركيكة بينا سقوطها في الكتب الكلامية".
وفي تفسير سورة فصلت ــ التفسير (٥/ ٤٤٩): "لأنا قد دللنا في المعقولات .. ".
وفي تفسر سورة القيامة ــ التفسير (٦/ ٤١٥): "بينا في الكتب العقلية ضعف تلك الوجوه فلا حاجة هنا إلى ذكرها".
7 / 314
والذي نسبت إليه التكملة لم تعرف له كتب عقلية وكتب كلامية يتأتَّى منه أن يحيل عليها بمثل هذه الكلمات، وإنما ذلك للفخر الرازي.
فأما ما وقع في التفسير (٥/ ٣١٧) في تفسير سورة يس، وهو من القسم الثالث: "قد ذكرنا الدلائل على جواز الخلاء في الكتب العقلية"، فالصواب كما في المخطوطة: "قد ذكر الدلائل .. ".
ومنها ما هو دون ذلك كقوله في تفسير سورة النور ــ التفسير (٤/ ٦٢٠): "فقد بينا في أصول الفقه". ونحوه في تفسير النور أيضًا ــ التفسير (٤/ ٦٣٧)، و(٤/ ٧٠٩) وفي تفسير الفرقان (٥/ ٢١) وسورة النمل (٥/ ٩٣).
وفي تفسير الدخان ــ التفسير (٥/ ٥٨٣): "وهذا الدليل في غاية الضعف على ما بيناه في أصول الفقه".
وفي تفسير سورة الحديد ــ التفسير (٦/ ٢٣٢): "سمعت والدي ﵀ ... ".
وفي تفسير سورة الحشر ــ التفسير (٦/ ٢٧٥): " ... أن المسلم لا يقتل بالذمي، وقد بينا وجهه في الخلافات".
وحمل هذه الإحالات على أنها من كلام الفخر هو الظاهر.
ثالثًا: الطريقة التي جرى عليها الرازي في الشطر المقطوع بأنه تصنيفه من هذا التفسير استمرت إلى آخر سورة القصص، ومن ثم خلفتها طريقة أخرى في تفسير العنكبوت وما بعدها إلى آخر سورة يس، يتبين ذلك لمن أنعم النظر في القسمين. وهذه طائفة من وجوه الفرق التي يتيسر بيانها:
7 / 315
الأول: أطال الرازي في أول تفسير البقرة القول في الحروف المقطعة أوائل
السور، واختار أنها أسماء للسور، واستمر مقتضى هذا القول في أول آل عمران والأعراف ويونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر ومريم وطه، وكذا في أول سورة الشعراء والنمل والقصص.
[٦/أ] فأما أول العنكبوت فابتدأ المفسر بكلام طويل في تثبيت قول جديد حاصله أن الحروف المقطعة إنما أتي بها لتنبيه السامع، قال: "الحكيم إذا خاطب من يكون محل الغفلة ... يقدم على الكلام المقصود شيئًا غيره ليلتفت المخاطب ... وقد يكون ذلك المقدم على المقصود صوتًا غير مفهوم، كمن يصفر خلف إنسان ليتلفت إليه، وقد يكون ذلك الصوت بغير الفم كما يصفق الإنسان بيديه ليقبل السامع عليه. فنقول: إن النبي ﷺ وإن كان يقظان الجنان لكنه إنسان يشغله شأن عن شأن، فكان يحسن من الحكيم أن يقدم على الكلام المقصود حروفًا هي كالمنبهات، ثم إن تلك الحروف إذا لم تكن بحيث يفهم معناها تكون أتم في إفادة المقصود الذي هو التنبيه ... ".
ثم قال في إعراب "الم": "قد ذكر تمام ذلك في سورة البقرة مع الوجوه المنقولة في تفسيره ونزيد هاهنا أن على ما ذكرنا في الحروف [من أنها للتنبيه] لا إعراب لها [أي الم]، لأنها جارية مجرى الأصوات المنبهة".
نقلت هذه العبارة الأخيرة من النسخة المخطوطة، وزدت الكلمات المحجوزة إيضاحًا، والعبارة في المطبوعة مغيرة تغييرًا موهمًا. وواضح أنه لا ينكر إحالة صاحب التكملة على الأصل بنحو "قد تقدم ... "، وجرى أول تفسير سورة الروم على هذا القول الجديد، وأحال على العنكبوت، وسكت
7 / 316
في أول لقمان، واقتصر أول السجدة على قوله: "قد علم ما في قوله: ﴿الم﴾
وقوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ من سورة البقرة وغيرها"، وقال أول يس: "قد ذكرنا كلامًا كليًّا في حروف التهجي في سورة العنكبوت".
الوجه الثاني: لم يعن في القسم الأول ببيان ارتباط السورة بالتي قبلها، وعني به في القسم الثاني ــ العنكبوت ويس وما بينهما.
الثالث: يكثر في القسم الأول التعرض للقضايا الكلامية ولو لغير مناسبة يعتد بها، بخلاف القسم الثاني.
الرابع: يكثر في القسم الأول النقل عن رؤوس المعتزلة كالأصم والجبائي والقاضي عبد الجبار والكعبي وأبي مسلم الأصفهاني، ويظهر من عدة مواضع أن تفاسيرهم كانت عند الرازي. ولا يوجد ذلك في القسم الثاني.
الخامس: يكثر في القسم الأول نقل احتجاجات المعتزلة مشروحة، فربما أجاب عنها، وربما اقتصر على المعارضة، وربما اجتزأ بالإشارة إلى الجواب، وربما سكت. ويندر ذلك في القسم الثاني.
السادس: يكثر في القسم الأول الألفاظ الجدلية مثل: سلَّمنا، فلم قلتم، ونحوها؛ بخلاف القسم الثاني.
السابع: يكثر في القسمين النقل عن الكشاف، والتزم في الأول: "قال صاحب الكشاف" ونحوه. وفي الثاني غالبًا: "قال الزمخشري" ونحوه.
الثامن: يغلب في الأول عند إكمال تفسير الآية وإرادة الشروع في غيرها أن يقال: "قوله تعالى ... "، وفي القسم الثاني: "ثم قال تعالى".
7 / 317
التاسع: يكثر في الأول جدًّا تصدير كل مقصد بقوله: "اعلم"، ويندر
ذلك في القسم الثاني.
العاشر: يندر في الأول تحري السجع، ويكثر في الثاني.
[٧/أ] الحادي عشر: يقع في القسم الأول التعرض لما يتعلق بقواعد العربية باعتدال. أما في القسم الثاني فنجد كثيرًا محاولة التعمق في ذلك، والتدقيق والإيغال في التعليل، والإغراب بما لا يوجد في كتب العربية نفسها.
الثاني عشر: يقع في الأول التعرض للنكات البلاغية باعتدال، ويكثر ذلك في الثاني.
عرفنا أن القسم الأول ــ وهو من أول التفسير إلى آخر سورة القصص ــ جرت فيه الطريقة الأولى، وأن القسم الثاني ــ وهو من أول تفسير العنكبوت إلى آخر تفسير يس ــ جرت فيه الطريقة الثانية، فماذا بعد ذلك؟ عادت الطريقة الأولى من أول تفسير الصافات إلى آخر تفسير الأحقاف، فهذا قسم ثالث. ثم رجعت الطريقة الثانية من أول سورة القتال إلى آخر تفسير الواقعة، فهذا قسم رابع. ثم عادت الطريقة الأولى في تفسير الحديد والمجادلة والحشر فقط، فهذا قسم خامس. ثم رجعت الطريقة الثانية من أول تفسير سورة الممتحنة إلى آخر تفسير سورة التحريم، إلا أنه يتبين فيه الاستعجال وترك التدقيق، ويكاد يقتصر فيه على الأخذ من تفسير الواحدي والكشاف، فهذا قسم سادس. ثم عادت الطريقة الأولى من أول تفسير الملك إلى آخر القرآن، فهذا قسم سابع.
7 / 318
ولا ريب أن القسم الأول من تصنيف الفخر، والطريقة الأولى طريقته، إذن فالقسم الثالث والخامس والسابع من تصنيفه. وهذا مطابق للنصوص المتقدمة تحت قولي: "ثانيًا ... "، فإن تلك النصوص كلها في هذه
الأقسام. ومطابق أيضًا للأمر الأول، وهو التواريخ في أواخر تفسير السور؛ فإن السلسلة الأولى في أواخر سور القسم الأول، والسلسلة الثانية هي في أواخر سور القسم الثالث خلا التاريخ الذي في آخر تفسير سورة الفتح، فإن تفسير سورة الفتح من القسم الرابع، لكن ذلك التاريخ مخدوش كما تقدم، ويذفِّف عليه أن تفسير سورة الفتح جارٍ على الطريقة الثانية.
قد تضافرت الأدلة على أن القسم الأول والثالث والخامس والسابع من تصنيف الفخر الرازي، وبقي النظر في بقية الأقسام، وهي الثاني والرابع والسادس، ويدل على أنها من تصنيف غيره أمور:
الأول: اختلاف الطريقة كما تقدم.
الثاني: في التفسير (٥/ ١٨٢) في تفسير سورة الروم، وهو من القسم الثاني: " فأخبرني الشيخ الورع الحافظ الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان بحلب ... ". وعبد الرحمن هذا توفي سنة ٦٢٣ كما في "الشذرات" وغيرها.
وفي التفسير (٥/ ٢٥٥) في تفسير سورة سبأ، وهو من القسم الثاني أيضًا: "أخبرني تاج الدين عيسى بن أحمد بن الحاكم البندهي، قال: أخبرني والدي، عن جدي، عن محيي السنة، عن عبد الواحد المليحي، عن أحمد بن عبد الله النعيمي، عن محمد بن يوسف الفربري، عن محمد بن إسماعيل البخاري ... ".
7 / 319
[٨/أ] لم أجد ترجمة لعيسى هذا، والظاهر أنه متأخر عن الفخر، فإن بين الراوي عن عيسى وبين محيي السنة ثلاثة. والفخر ــ كما في ترجمته من "طبقات ابن السبكي" ــ أخذ عن أبيه ضياء الدين، وضياء الدين من أصحاب
محيي السنة.
وفي التفسير (٦/ ١٨) في تفسير سورة ق، وهو من القسم الرابع: "الظلّام بمعنى الظالم كالتمّار بمعنى التامر ... وهذا وجه جيد مستفاد من الإمام زين الدين أدام الله فوائده".
لم يتبين لي من زين الدين هذا؟ وظاهر العبارة أنه كان حيًّا حين التصنيف، وربما كان هو ابن معطي صاحب الألفية، توفى سنة ٦٢٨ هـ.
وفي التفسير (٦/ ١٤٣) في تفسير سورة القمر، وهو من القسم الرابع أيضًا: "روى الواحدي في تفسيره، قال: سمعت (الصواب: في تفسيره ما سمعته على، كما في المخطوطة) الشيخ رضي الدين المؤيد الطوسي بنيسابور قال: سمعت عبد الجبار، قال: أخبرنا الواحدي، قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج .. ". والمؤيد الطوسي محدث توفي سنة ٦١٧ هـ.
هذا وقد عرفت أن هؤلاء الذين روى عنهم المفسر متأخرون عن الفخر، والفخر ليس براوٍ كما في ترجمته من "طبقات ابن السبكي"، ولم أجد في الأقسام الأربعة التي قامت الأدلة على أنها من تصنيفه تعرضًا للرواية، ولا نقلًا عن عالم من أهل عصره غير والده. والظاهر أن المفسر الراوي عن هؤلاء هو أحمد بن خليل الخويي، فهو صاحب هذه التكملة.
7 / 320
فأما القمولي (^١) فمتأخر لم يدرك هؤلاء، وفي ترجمة الخويى من "طبقات ابن السبكي" أنه أدرك المؤيد الطوسي وسمع منه.
وفي التفسير (٦/ ٥٤) في تفسير الذاريات ــ وهو من القسم الرابع ــ كلام في مسألة اعتقادية، ثم قال: "والاستقصاء مفوض في ذلك إلى المتكلم الأصولي لا إلى المفسر". وهذا لا يشبه كلام الفخر بل فيه تعريض به، وعادة الفخر أن يستقصي أو يحيل على كتبه العقلية أو الكلامية أو يسمي بعضها.
وفي التفسير (٦/ ١٤٧) وهو في تفسير سورة القمر، وهو من القسم الرابع: "سادسها ما قاله فخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ [فصلت: ١١]. . . وأخذ هذا المفهوم اللغوي. . . وهو قريب إلى اللغة لكنه بعيد الاستعمال في القرآن".
وقع في المخطوطة: "سادسها ما قلنا"، وهو من إصلاح الناسخ بزعمه، والسياق يشهد لما في المطبوعة. والآية التي ذكرها في تفسير فصلت، وفيه المعنى الذي حكاه، وتفسير فصلت من القسم الثالث الذي قامت الأدلة على أنه من تصنيف الفخر الرازي، فهذا مما يؤكد ذلك.
وفي التفسير (٦/ ١٩٦) وهو في تفسير الواقعة، وهو من القسم الرابع أيضًا: " ... وشيء من هذا رأيته في كلام الإمام فخر الدين ﵀ بعد ما فرغت من كتابه هذا مما وافق خاطري خاطره على أني معترف بأني أصبت منه فوائد لا أحصيها". [٩/أ] هكذا في النسختين إلا أنه سقط من المخطوطة
_________
(^١) في الأصل: "القونوي"، وهو سبق قلم.
7 / 321
قوله: "معترف بأني"، والبحث متعلق بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وهي في سورة الشورى، وفي تفسيرها بعض ما ذكره هنا، وتفسير الشورى من القسم الثالث الذي قامت الأدلة على أنه من تصنيف الفخر، فهذا مما يؤيد ذلك.
وفي التفسير بعدما تقدم بقليل: "وفيه مسائل. الأولى: أصولية ذكرها الإمام فخر الدين ﵀ في مواضع كثيرة، ونحن نذكر بعضها، فالأولى: قالت المعتزلة ... وقد أجاب الإمام فخر الدين ﵀ بأجوبة كثيرة، وأظن به أنه لم يذكر ما أقوله فيه".
هكذا في المطبوعة، ووقع في المخطوطة: "وفيه مسائل أصولية. المسألة الأولى: قالت المعتزلة ... وقد أجاب عنه الإمام فخر الدين الرازي بأجوبة كثيرة وأظن أنه لم يذكر ما أقول فيه".
الأمر الثالث: الإحالات، أعني قوله: "قد ذكرنا في ... " ونحوه، وأرى أن أبسط القول في الإحالات بوجه عام.
وقعت الإحالات في جميع الأقسام خلا السادس، وذلك من أثر الاستعجال فيه كما سبق. ولا تنكر الإحالة في قسم على ما تقدم منه، أو من قسم آخر لمصنفه، ولا الإحالة في التكملة على الأصل بلفظ "قد تقدم" ونحوه. وإنما الذي يستنكر ضربان مشككان: الأول: الإحالة في التكملة على الأصل بلفظ "قد ذكرنا" ونحوه؛ إذ يقال: كيف ينسب إلى نفسه ما هو من كلام غيره؟ الضرب الثاني: الإحالة فيما هو من الأصل على ما هو من التكملة؛ إذ يقال: كيف يحال على ما لم يوجد بعد بلفظ يفيد أنه قد وجد؟
7 / 322
فأما الضرب الأول فاصطدمت أولًا بعدد من تلك الإحالات في القسم الثاني، فراعني قوله في موضعين أو أكثر من أوائل تفسير العنكبوت: "قد ذكرنا مرارًا" ونحو هذا؛ فإن الدلائل تقضي بأن ما قبل العنكبوت كله من تصنيف الرازي، وأن تفسير العنكبوت من التكملة، وإحالات أخرى في ذاك
القسم أعني الثاني على تفسير البقرة وغيرها من سور القسم الأول. حيرني ذلك أولًا لقوَّة جزمي بأن مصنف تفسير العنكبوت غير مفسر ما قبلها، فذهبت أتلمَّس الاحتمالات، وكان أقربها أن صاحب التكملة رأى أنه وصاحب الأصل شريكان في الجملة في هذا التفسير، وأنه يسوغ أن يُنسب فعل أحد الشريكين إليهما، فهو يقول: "ذكرنا" يريد: ذكر مصنف الأصل.
ثم بدا لي أن أتتبع المواضع المحال عليها، وأنظر أيوجد فيها المعاني المحال بها عليها أم لا؟ فإذا بي أخلص من إشكال وأقع في آخر. ففي التفسير (٥/ ٢٠١): "وذكرنا في تفسير الأنفال في أوائلها أن الصلاة ترك التشبه بالسيد .. ".
وفيه (٥/ ٢٢٠): "المسألة الرابعة: لِمَ قدم السمع هنا والقلب في قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ [البقرة: ٧] ... وقد ذكرنا هناك ما هو السبب في تأخير الأبصار ... وهو أن القلب والسمع سلب قوتهما بالطبع ... ".
وليس لما أحال به في هاتين الإحالتين وجود في الموضعين المحال عليهما، وهاتان في القسم الثاني. وفيه إحالات أخرى يوجد في المواضع المحال عليها فيها طرف من المعنى المحال به فقط.
7 / 323