وقال بعض الحكماء: أن منطقة الجوزاء تسامت رؤوس أهل مصر، فلذلك يتحدثون بالأشياء قبل كونها، ويخبرون بما يكون، وينذرون بالأمور المستقبلة، ولهم في هذا الباب أخبار مشهورة.
وقال جامع السيرة الناصرية: كنت مع الأمير علم الدين الخازن في العربية، وقد خرج إليها كاشفا- فلما صليت أنا وهو صلاة الجمعة وعدنا إلي البيت، قدم بعض غلمانه من القاهرة فأخبرنا أنه أشيع بأن فتنة كانت بمكة قتل فيها جماعة من الأجناد، وقتل بها أمير الدمر أمير جندار.
فقال له الأمير علم الدين: هل حضر أحد من الحجاز بهذا الخبر؟.
قال: لا. فقال: ويحك، الناس ما تحضر من منى إلي مكة إلا بعد ثلاثة أيام من عيد النحر، فكيف صنفتهم هذا الخبر الذي لا يسمعه عاقل؟.
فقال: قد استفيض ذلك بين الناس، وكان الأمر كما أشيع.
وذكر الشيخ شهاب الدين المقريزى رحمه نظير [ق 23 ب] ذلك قال: كنت في شهر رمضان سنة إحدي وتسعين وسبعمائة مارا بين القصرين بالقاهرة بعد العتمة (1) فإذا العامة تتحدث بأن الملك الظاهر برقوق خرج من سجنه بالكرك (2) واجتمع عليه الناس فضبطت ذلك، فكان اليوم الذي خرج فيه من السجن، ومن هذا الباب في الأتفاقيات شيء كثير وغير ذلك.
ومن أخلاق أهل مصر قلة الغيرة، وكفاك ما قصه الله تعالي من خبر يوسف (عليه السلام) ومراودة امرأة العزيز له عن نفسه، وشهد شاهد من أهلها عليها بما بين لزوجها منها السوء، فلم يعاقبها علي ذلك سوي بقوله «استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين» .
وحكى الأمير ناصر الدين محمد بن محمد الغرابيلي الكركي عن نفسه أنه منذ سكن مصر يجد من نفسه رياضة في أخلاقه، وترخصا لأهله ولينا ورقة طبع من قلة الغيرة، ومما لم نزل نسمعه دائما بين الناس أن شرب ماء النيل ينسي الغريب وطنه.
ومن أخلاق أهل مصر الأعراض عن النظر في العواقب قلا تجزهم يدخرون عندهم رادا
Bogga 35