ثانيا:
الأصنام وهي في الأصل ذات الشخص المتوفى المحنط. ثم لما كان تحنيط الجسم كله صعبا صاروا يستخرجون أحشاء الإنسان ويحشون جوفة بالجوامد التي لا تتعفن كما كانوا يضعون خرزا وحجارة في مواضع العين حتى يحفظوا صورة الوجه. ثم لما وجدوا أن التحنيط لا يحفظ الجسم تماما صاروا يرسمون صورة المتوفى على غطاء التابوت أو ينحتون صنما على مثال الميت. وليس أسهل من أن يصير الصنم الخصوصي صنما عموميا.
ثالثا:
الكهنة وهي الطائفة التي تعيش بخدمة الدين. وهي في الأصل رئيس القبيلة نفسه، وهو ابن الروح الإله وجملة الخدم الذين يقدمون القربان إلى الروح عند القبر؛ أي المعبد. (5) الأحجار المقدسة
لم يجر الإنسان الأول المتوحش على أصول المنطق في اختيار عقائده. فإنما هي فكرة خطرت بعمل ما فصارت عادة وتلتها فكرة أخرى في عصر آخر وناقضتها. فلم يرفض عادته القديمة ويتبع الجديدة لأن تلك كان قد أعارها الزمن والتكرار ثوب القداسة وأصبح من الصعب انتزاعه منها مع مناقضتها لأفكاره الحاضرة.
كان الإنسان الأول يعبد شخص الميت ويقدم له الطعام وربما حفظه في بيته ليتعبده. ولكنه حينما تقدم وميز بين الجسم والروح ظهرت أمامه أشخاص الموتى بهيئة غريبة مخيفة تستطيع أن تحيا في الليل وتقلق باله وتعاكسه. فاحتفر القبور يحبسها فيها وقيدها أو بتر أعضاءها. ولكنه مع ذلك لم ينكف عن تقديم القربان للروح وعبادتها لأن الزمن كان قد قدس هذه العادة عنده.
فأصبح يقدم الطعام على القبر. والقبر في ذلك الوقت كومة أحجار مرصوصة فوق الجثة. وليس من البعيد منطقيا على الرجل الذي نما وترعرع وشب وهو يرى أمه تضع المأكولات على الأحجار أن يقدس هذه الأحجار أيضا وأن يعتقد أن الروح موجودة بها. من هنا نشأت عادة تقديس الأحجار. وقد قلنا قبلا إن الأصنام نشأت من تحنيط الشخص الميت أو تصويره. ونقول الآن إنها قد تنشأ أيضا من أحجار القبر، فإن الذي يقدم الطعام للحجر يتصور له طبعا جسما وبالتالي فما يأكل به. وعلى هذه الطريقة تنحت الأصنام وترتقي. وقد كان اليونانيون في بدء تاريخهم يعبدون أحجارا مشوهة لا شكل لها ارتقت إلى أصنام جميلة بتقادم الزمن. وقد كان مناة واللات حجرين يعبدهما العرب كما كان بعل صنم الفينيقيين حجرا. وقد كان تقديس حجر الكعبة شديدا عند العرب «حتى إن النبي زعيم التوحيد اضطر أن يدخله في دينه.»
ولما خرج اليهود من مصر حملوا معهم حجرا كانوا يعتقدون في قداسته وأنه منجيهم من المصريين وهو أصل إلههم؛ فإنهم بارتقائهم جردوا هذا الحجر من مادته واعتبروه خالقا للعالم كله. (6) تقديس الأشياء الأخرى
لم يقدس الإنسان الأحجار فقط بل قدس أشياء أخرى أيضا بجانبها كالأشجار والآبار والبحيرات. وكيفية تقديسه لها جرى على مثال تقديسه للأحجار. فإن الشجرة قد تنمو على قبر المائت فيختلط على العابد أيهما يجب تقديسه فإذا ما عبد شجرة القبر مرة كبر في عينه اعتبار الأشجار الأخرى وقدس بعضها، وكذا يفعل في الأشياء الأخرى. وقد كانت العرب تعبد العزى وهي ثلاث نخلات. (7) آلهة مصر
قد استخلصنا فيما سبق من الفصول جملة نظريات عن نشوء الأديان عموما. ولنأخذ مثالا على صحة نظرياتنا بتطبيقها على الديانة المصرية. فإننا نرى أن الموميات - أجسام الأموات المحنطة - كانت أول معبودات المصريين. ولم يكن للأمة إله عمومي تتحد على عبادته، بل كان لكل قرية إلها خاصا أو ربة خاصة يعبدهما سكان القرية مستقلين في عبادتهما عن القرى المجاورة لهم. ونرى أيضا أن الأصنام نشأت أولا على مثال الموميات التي كانت توضع معها في تابوت واحد؛ أي كانت خصوصية في بدء اصطناعها لا يقدسها غير أهل الميت ثم عم تقديسها بعد ذلك. ونجد أيضا أنهم صنعوا الأصنام على مثال الموميات لكي لا تضل الروح إذا أرادت أن تتجسد ووجدت أن الجسم قد طرأ عليه طارئ وأفسده رغم تحنيطه. ونجد أيضا أن الكاهن كان في أصل نشوئه خادما يخدم على قبر الميت. وقد وجد النقابون بعد ألفي سنة من موت الملك خوفو رجلا كانت مهنته الخدمة على قبر خوفو، وكان يعيش بوقف أسسه هذا الملك منذ ألفي سنة وتوارثته عائلة هذا الكاهن أبا عن جد. وإنا لنستدل على سبق عبادة أرواح الأسلاف لعبادة الآلهة بندرة ذكر الآلهة وخموله في العصور الأولى ثم اشتهاره وعظم أهميته في العصور المتأخرة. وإذا بحثنا أيضا عن أصل الإله أوزوريس، وهو أشهر آلهة مصر، نجد أنه كان في أول نشوئه إلها صغيرا محليا في أبيدوس (العرابة) نرجح أنه كان جدا من جدود حاكمها. فلما نبغ من هذه المدينة مينا أول ملوك مصر وضم إمارات مصر المتفرقة إلى ملك واحد، عمم طبعا عبادة إله مدينته الخصوصي. وقد قال فلوطرخس المؤرخ إن قبر أوزوريس في أبيدوس. ومن هذا يفهم أن هذا الإله العظيم لم يكن في أصله إلا شخصا كبيرا ربما كان أميرا على أبيدوس في وقت ما، فلما توفي عبد روحه كل سكان إمارته وعمت بعد ذلك هذه العبادة في جميع أنحاء القطر المصري. (8) آلهة بني إسرائيل
Bog aan la aqoon