Nuur iyo Balanbaalis
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Noocyada
صلى الله عليه وسلم . والشيء الذي أحب أن ألفت الانتباه إليه هو أن قصيدة الهجرة بالذات بالغة الدلالة على الديوان الشرقي كله، بل إنها - على حد قول الشاعر نفسه - تعطينا على الفور فكرة كافية عن معنى الديوان وغايته. وهي إلى جانب هذا بالغة الدلالة على حنينه إلى حياة الفطرة والأصالة والطبيعة التي يتميز بها الشعر في نشأته الأولى، كما يتميز بها شعرنا العربي في الجاهلية. ولقد تكلم الشراح كثيرا عن أوجه الشبه بين قصيدة الهجرة وبين قصيدة «دعوني أبكي» التي ذكرناها من قبل، وبخاصة أن الموقف فيهما واحد، وهو موقف الشاعر الذي يرتحل مع القوافل، ويجد نفسه سعيدا بين الرعاة والحداة في الصحراء. ولعل المقطوعة الثالثة من القصيدة أن تكون أقرب أجزائها إلى جو الحياة البدوية التي تعد المعلقات أو في سجل لها، كما هي أوضحها في الثناء على حياة الفطرة المحدودة التي يتسع فيها الإيمان ويضيق الفكر، وإبراز فضل الكلمة المنطوقة التي هي من وحي السماء على الكلمة المكتوبة أو المطبوعة التي تزهو بها حضارتنا اليوم أكثر مما ينبغي.
أريد أن أبتهج بحدود الشباب
حيث الإيمان واسع والفكر ضيق قانع
وحيث الكلمة ذات خطر كبير
لأنها كانت كلمة تفوه بها الشفاه.
وقد يكون صحيحا ما أثبته البحث التاريخي الذي قامت به السيدة كاترينا مومزن من تأثر جوته تأثرا مباشرا بالمقدمة التي كتبها المستشرق هارتمان لترجمته للمعلقات وأشار فيها إلى اتساع الإيمان وضيق الفكر عند الشعوب التي تعيش على حال الفطرة والطفولة، ثم إشارته إلى أهمية الكلمة المنطوقة عند أصحاب هذه الحضارات الفطرية التي لم تتقدم تقدما ماديا ولا عقليا كبيرا.
قد يكون هذا صحيحا، فالعمل الفني الحق يحتمل تفسيرات كثيرة، وهذا دليل خصوبته وغناه.
ولكن لا مجال هنا للسير في هذا الطريق الطويل، ويكفي أن نعلم أن شاعرنا تأثر بجو الحياة العربية الجاهلية وبالمعلقات بوجه خاص. وإن أردنا مزيدا من الدقة فيما يتصل بهذه القصيدة، فإن البيتين الثالث عشر والرابع عشر اللذين يقول فيهما:
هناك حيث كانوا يجلون الآباء
ويأبون على أنفسهم طاعة الغرباء.
Bog aan la aqoon