Nuur iyo Balanbaalis
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Noocyada
وإذا كان الأوان قد حان لتقديم باقات الشكر والامتنان والعرفان لأصحابه، فليس أحب إلى نفس كاتب هذه السطور من تقديمها مع كل التقدير والوفاء لأستاذيه اللذين علماه وساعدا بأطيب وأوفى نصيب في تكوينه، وهما أستاذه العربي الجليل عبد الرحمن بدوي، وأستاذه الألماني العزيز فريتس شتيبات الذي رعاه وأسبغ عليه طوال العمر من أفضاله ما تضيق اللغة عن التعبير عنه، ولهذا يختم كتابه بما بدأه به من الشكر والولاء العميق له، مضيفا بعد مرور ما يقرب من عشرين سنة على الإهداء الأول، أصدق تمنياته القلبية بأن يتجاوز الأزمة الصحية الأخيرة، وأن يتلقى هذا الكتاب عن قريب، وهذا أوفر ما يكون صحة وعافية وسعادة.
أما أنت يا قارئي الكريم، فأتمنى أن تحب هذا الكتاب كما أحببته، وأن تصادقه وتستمتع بصحبته وتعايشه وتعيش معه.
عبد الغفار مكاوي
نحن والأدب العالمي
لعل قضية «العالمية» أن تكون من أهم القضايا التي شغلتنا في السنوات الأخيرة، فنحن نكثر من الحديث والكتابة عنها في كل مجال مقروء أو مسموع. نتساءل - إلى حد تعذيب النفس! - بأصوات تمتزج فيها الحسرة والأسى باللهفة والتمني: كيف يكون لنا أدب وفن وعلم وفكر يعترف به العالم؟ متى تصل أغانينا وموسيقانا إلى سمع الناس في كل مكان؟ ما السبيل إلى التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، والتقليد والتجديد، والمضمون المحلي والشكل العالمي؟ كيف نتيح لأمم العالم أن تلمس نبض قلوبنا ووجداننا، وتطل على حركة عقولنا وأفكارنا بنفس القوة التي تتابع بها كفاحنا العادل في سبيل التحرر والتقدم؟ هل سيقدر لنا أن نعيش حتى نرى العالم يهتم بطه حسين والحكيم ومحفوظ وحسن فتحي وسيد درويش وعبد الوهاب وغيرهم من الأسماء والمواهب العزيزة علينا، كما يهتم بأخناتون وتوت عنخ آمون ورمسيس الثاني؟ وكيف نصبح أمة تعطي بقدر ما تأخذ، وتشارك في حضارة العصر بقدر ما تتلقى منه؟
وربما كانت الترجمة هي أول ما يخطر على البال في هذا المقام، بشرط أن نفهمها بمعناها الحضاري الواسع الذي يقترب مما نسميه اليوم بالانفتاح. فهي الجسر التي تعبر عليه الأمم وتتلاقى، وتمتد منه دروب التعارف والتفاهم والاحترام المتبادل. فعل هذا أجدادنا العرب منذ عهد المأمون وخلفائه أو قبله بقليل، فاتصلوا بتراث اليونان والفرس والهند والأمم السامية وبعض الأمم المتأثرة بالثقافة اللاتينية في إسبانيا، ونتج عن هذا الاتصال «هذا الأدب العربي المختلف المعقد، الذي تجاوز الشعر والخطابة والرسائل إلى فنون من العلم والفلسفة، وألوان من المعرفة تشبه ما كان العالم يعيش عليه في القارات الثلاث، بين حروب الإسكندر وقيام الدولة العربية.»
1
ولم يكتف العرب بالنقل والتقليد، بل تمثلوا ما نقلوه، ولم يكتفوا بالإعجاب به والتحمس له، بل وقف بعضهم منه موقف النقد والرفض، أو أضافوا إليه بصمات من روحهم وشخصيتهم وحوارهم المستمر مع مشكلات عصرهم ومجتمعهم ودينهم. واستؤنف الاتصال بين العالم العربي والعالم الأوروبي في أواخر القرن الثامن عشر، وقوي واشتد في القرن التاسع عشر على يد أب التنوير ورائد الترجمة وراعيها الأكبر رفاعة رافع الطهطاوي ومئات من تلاميذه، واستمرت على يد الرواد المحدثين، وتجلت في مئات الكتب التي نقلت عن مختلف اللغات قديمها وحديثها، وكلها تؤكد حاجة عقولنا إلى الروافد التي تصب فيها وتغذيها، كما تؤكد ضرورة توحيد جهود الترجمة وإحكام مناهجها، وتحديد أهدافها، واختيار الملائم منها لظروف حياتنا وتطورنا، وتوجيهها قبل كل شيء إلى عيون التراث الإنساني وأمهاته التي تخصب العقل العربي وتزيده وعيا بذاته، وتعصمه من التقليد الأعمى والانبهار بكل جديد. وعلى الجانب الآخر نجد تأثير العرب على تكوين العقل الغربي منذ أواخر العصر الوسيط. وكتب تاريخ العلم والحضارة تشهد بتأثيرهم على النهضة الأوروبية الأولى والثانية وفضلهم على الغرب المسيحي في الاتصال بجذور العلم والفلسفة اليونانية قبل التعرف على أصولها ونقلها عن منابعها. فقد بدأ تأثير العلم العربي على الغرب منذ القرن العاشر الميلادي. وانطلق هذا التأثير من الأندلس بفضل ما نقله العرب من التراث الإغريقي في الفلسفة والعلوم الطبيعية والرياضيات والفلك والطب.
2
وفي الأندلس تعلم جربرت الذي رعى هذا العلم (وأصبح فيما بعد الباب سلفستر الثاني ومات سنة 1003م).
Bog aan la aqoon