وإذا بكيت حسبتها تبكي معي ... وإذا ضحكت حسبتها تتبسم
فأمرت أم جعفر فصنعت لها لعبة من عاج، وكتبت على صدرها أبيات العباس، وأهدتها إلى الرشيد، فما زال يشرب عليها بقية ليلته، فلما أصبح سألها عن القصة، فأخبرته، فأحضر علية فغنته بالشعر فجدد صبوحًا، ولم يمر له يومًا أطيب من يومه.
وخرج الرشيد إلى الري ومعه علية، فلما صرا بالمرج عملت شعرًا وغنته وهو:
ومغترب بالمرج يبكي لشجوه ... وقد غاب عنه المسعدون على الحب
إذا ما أتاه الركب منن نحو أرضه ... تنشق يستشفي برائحة الركب
فلما سمع الصوت بكى ورق لها، وعلم أنها اشتاقت إلى بغداد، فأمر بردها.
قال إسحاق الموصلي: كانت علية إذا طهرت لزمت المحراب، وقرأت القرآن، وإذا لم تصل غنت، وكانت قليلة الشغف بالشراب، إلا أنها تتناول منه، وكانت تكاتب بالأشعار خادمين يقال لأحدهما: طلا، وتكني عنه بظل، والآخر رشأ، وتكني عنه بزينب على أنهما جاريتان.
فمن شعرها في طل:
يا رب إني غرضت بحبها ... فإليك أشكو ذاك يا رباه
ظل ولكني حرمت نعيمه ... وهواءه إن لم يغثني الله
وأقامت أيامًا فلم تره، فمشت على ميزاب حتى رأته وحدثته وقالت له:
قد كان ما كلفته زمنًا ... يا ظل من وجدي بكم يكفي
حتى أتيتك زائرًا عجلًا ... أمشي إلى حتفي على حتفي
فبلغ ذلك الرشيد، فحلف عليها ألا تكلم طلًا ولا تذكر اسمه، فدخل عليها على غفلة، وهي تقرأ في المصحف: ﴿فإن لم يصبها وابل..﴾ فما نهى عنه أمير المؤمنين، فضحك وقبل رأسها، وقال: ولا كل هذا، وقد وهبت لك طلًا.
وقيل: أنه كان قتله.
وحجب طل عنها عند أول ما أحس الرشيد بما بينهما فقالت:
أيا سروة البستان طال تشوقي ... فهل لي إلى ظل إليك سبيل
متى يلتقي من ليس يرجى خروجه ... وليس لمن يهوى إليه دخول
ومن قولها في رشأ:
وجد الفؤاد بزينبا ... وجدًا شديدًا متعبا
أصبحت من وجدي بها ... أدعى شقيًا منصبا
ولقد كنيت عن اسمها ... عمدًا لكي لا تغضبا
وجعلت زينب سترة ... وكتمت أمرًا معجبا
قالت: وقد عز والوصا ... ل ولم أجد لي مذهبا
والله لا نلت المود ... ة أو تنال الكوكبا
وقالت: لأكنين عنه كناية خفية فقالت:
القلب مشتاق إلى ريب ... يا رب ما هذا من العيب
قد تيمت قلبي فلم أستطع ... إلا البكا يا عالم الغيب
خبأت في شعري ذكر الذي ... أحببته كالخبء في الجيب
[لأن في قولها في آخر القسم الأول وأول الثاني: "ريب يا" تصحيف رشأ] ولها في الأمين وغنته:
أطلت عاذلتي لومي وتفنيدي ... فأنت جاهلة شوقي وتسهيدي
لا تشرب الراح بين المسمعات وزر ... ظبيًا غريرًا نقي الخد والجيد
قد رنحته شمول فهو منجدل ... يحكي بوجنته ماء العناقيد
قام الأمين فأغنى الناس كلهم ... فما فقير على حال بموجود
دخل يومًا إسماعيل بن الهادي على المأمون طائش العقل، فقال له المأمون: ما لك؟ قال: يا أمير المؤمنين كنت أكذب بأرغن الروم بأنه يقتل طربًا، وقد صدقت الآن بذلك، قال: وما تدري ما هو؟ قال: لا والله، [قال]: هذه عمتك علية تلقي على عمك إبراهيم صوتًا من شعرها، وهو:
ودعت من أهوى ورحت بحسرة ... عجبًا لقلبي كيف لم يتصدعا
لا وجد إلا دون وجد نالني ... يوم الفراق وقد خرجت مشيعا
فإذا الأحبة قد تولت عيسهم ... وبقيت فردًا والهًا متفجعا
من شعرها:
طالت علي ليالي الصوم واتصلت ... حتى لقد خلتها أربت على العدد
شوقًا إلى مجلس يزهى بساحته ... أعيذه بجلال الواحد الصمد
1 / 27