بسم الله الرحمن الرحيم نحمد من وجب له الوجود كما وجب له السجود وفاض منه الجود ففاض منه كل موجود المقدس بصفات الجلال وجلال الصفات المتوحد ربوبيته في الوحدانية وواحدية الذات المتفضل بصلات النوال ونوال الصلات السميع البصير العليم الخبير بالجزئيات والكليات من سائر المصنوعات والمعلومات المنزه عن الحدود والجهات وعن الوالد والولد والزوجات المتعالي عن كل ما تصوره الخيالات وتخيله أفكار الذوات وتقدره بالأمثلة والاحتمالات حمدا لا يحويه الحد ولا يحصيه العد على ما شرح صدورنا بنور التوحيد ونور قلوبنا بنور يقين يقيها من ترديد التقليد ونشهد أن لا إله إلا الله الحميد المجيد ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد المخلوقات وأشرف الموجودات والمؤيد بالمعجزات الباهرات والآيات البينات صلى الله عليه وسلم وكرم وعظم وعلى آله الذين بلغوا بشرفه أشرف الغايات وعلى أصحابه الذين نالوا بصحبته أرفع الدرجات ما لاح مصباح وانفلق إصباح وسلم تسليما وبعد فيقول العبد المفتقر إلى رحمة ربه الغني المنان محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي الحنفي عامله الله بلطفه الخفي وغفر له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه لما رأيت منظومة العلامة سراج الدين أبي الحسن علي بن عثمان الأوشي نسبة إلى أوش قرية من قرى فرغانة الموسومة ببدء الأمالي في علم الكلام قد مد إليها بعض أهل زماننا يد المسخ والتبديل وكدر صورة وجهها الجميل مع أنها مكتفية عن القيل والقال بما وضع عليها من شروح ذوي الأفضال للأئمة المحققين والفضلاء المدققين وإن كان منهم من أقل فأخل ومنهم من أكثر فأمل فأردت أن أجلي عنها تلك الكدورات التي لحقتها والشوائب التي تبعتها بشرح يزيل عن وجنة تراكيبها الصعاب ويكشف عن وجوه معانيها النقاب مغن عن بقية الشروح والايضاح
Bogga 2
إغناء الصباح من المصباح ناكبها عن الإيجاز والإطناب الممل متمسكا بقوله عليه السلام خير الكلام ما قل ودل وإن كنت في الأواخر وكم ترك الأول للآخر مع ما بي من اشتغال البال وعدم انتظام الحال سائلا من الكريم المتعال الحفظ عن الزلل في المقال والصيانة عن الخلل في الأقوال وراجيا ممن وقف على ما في هذه الأوراق وإن لم يكن مما لاق بنظره أوراق أن يغض الطرف بعد الامعان عن مواضع زللي ويقض الحرف بعد الاتقان من مواقع خللي ويعذرني فيما لم يصب فيه سهمي ولم يصل فيه إلى الحقيقة فهمي فإني بقصور الباع عن هذه الشأن مقر وعلى هذا الاعتراف ما حييت مصر على أن الأمر بيد الله يفعل ما يريد وينقص من خلقه ما يشاء ويزيد وهو المسؤول لنيل الرشاد ومنه المبدأ وإليه المعاد وسميته نخبة اللآلي لشرح بدأ الأمالي التي هي من العروض الأولى والضرب الأول من البحر الوافر سمى به وأتى بها منه لوفور أجزائه وتدا فوتدا وهو البحر الأول من الدائرة الثانية وهي الدائرة المؤتلفة مقدمة اعلم أن أول الواجبات الاشتغال بعلم الكلام إذ هو أصول أصول الشرايع كلها والفائدة فيه أتم وبه الهدى وسمي كلاما لأن الاشتغال بالتعليم والتعلم لا يكون إلا بالتكلم ولم يسم غيره من العلوم به للتمييز قال المولى سعد الدين رحمه الله سموا ما يفيد معرفة الأحكام العملية عن أدلتها التفصيلية بالفقه ومعرفة أحوال الأدلة إجمالا في إفادتها الأحكام بأصول الفقه ومعرفة العقائد عن أدلتها بالكلام لأن عنوان مباحثه كان قولهم الكلام في كذا وكذا انتهى واختلف في معنى العلم المفروض في قوله عليه الصلاة السلام (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) فقيل علم الكلام وقيل علم الفه وقيل علم التفسير والحديث والحق إن كل ما يجب على المكلف فعله أو تركه أو اعتقاده يجب العلم به لأن متابعة الشارع واجبة و هي متوقفة على ذلك وما توقف عليه الواجب فهو واجب لكن أوله اعتقاد أن للعالم صانعا واحدا قادرا لا شريك له ثم الصلاة والصوم والحج والزكاة ونحو حرمة الخمر والسرقة وقتل النفس والزنا وغير ذلك مما هو من ضرورات الدين التي تعرفها العامة فإن معرفة هذه القدر فرض عين على كل مسلم ومسلمة وصحة ذلك متوقفة على صحة الاعتقاد وصحته متوقفة على علم التوحيد فتعين تقديم هذا العلم على بقية العلوم وسئل أبو حنيفة رضي الله عنه عن التفقه في الدين والتفقه في العلم على الفرع معلوم قال تعالى إن الدين عند الله الإسلام ولا شك أن العبد يلزمه
Bogga 3
أولا الإسلام لقوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أي ليوحدوني فالدين هو التوحيد والعلم هو الديانة أعني الشرايع وهي بعد التوحيد فالدين عقل على الصواب والديانة سيرة على الصواب ولكن العلم أفضل من العقل خلافا للمعتزلة ودرجة العلم بقدر المعلوم والمعلوم بعلم الكلام ذات الله تعالى وصفاته والله أعلى وأجل وأعظم وأعز فما توصل به إلى معرفة ذاته يكون أعلى درجة وأعظم منزلة من سائر العلوم ولأنه لا يتخلص من الكفر إلا بمعرفة الإيمان كما قيل وبضدها تتميز الأشياء ألا ترى أن من قال لا أعرف الكافر كافرا فهو ضال لأنه لما لم يعرف الكفر لم يكن عارف الإيمان وكذا من لم يعرف البدعة والضلالة لم يكن عارفا الاهتداء والاستقامة فلا يأمن أن يقع في البدعة والضلالة وقد قال عليه الصلاة والسلام من أحدث حدثا في الإسلام فقد هلك ومن ابتدع بدعة فقد ضل ومن ضل ففي النار وفيه دليل على أن أهل الأهواء والبدع والضلالة كلهم في النار وأنهم أصناف شتى باختلاف بدعهم وإن زعموا أنهم من أهل الإسلام قيل أصولهم أربع فرق: القدرية، والصفاتية، والشيعة، والخوارج ويتشعبون إلى اثنين وسبعين فرقة قال ملا خسروا رحمه الله أهل الأهواء هم أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة وهم الجبرية والقدرية والروافض والخوارج والمبطلة والمشبهة وكل منهم أثني عشر فرقة فصاروا اثنين وسبعين فرقة انتهى والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة ما روي أنه عليه السلام قال: ستفترق أمتي من بعدي على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل من هم قال الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي وفي رواية فرقة ناجية والباقون في النار قيل وما الناجية قال من كان على ما أنا عليه وأصحابي اتبعوني ولا تختلفوا على فإنما هلك من كان قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وصلوا كما رأيتموني ومن اتبعني حذو القذفة بالقذفة ومن خالف الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وقال عليه السلام لكل شئ آفة وآفة هذا الدين هذه الأهواء وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى فتحصل لك أن علم التوحيد أشرف العلوم لكونه أساس العلوم الشرعية ورئيس العلوم الدينية وقانون العقائد الإسلامية ومعلومات الأصلية وغايته المواهب الإلهية والسلامة من ظلمات الفرق الاعتزالية والفوز بالسعادة الدينية والدنيوية وبراهينه الحجج القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية وما نقل عن بعض السلف من الطعن في علم الكلام والمنع عنه فإنما فيه بما لا يعني عما يعني وإلا فكيف ينهى عما يتوقف عليه صحة الإسلام من علم الكلام والحمد لله على نعمة الإيمان قال عليه رحمة الرحمن:
Bogga 4
1 يقول العبد في بدأ الأمالي * لتوحيد بنظم كاللآلي يقول فعل مضارع أصله يفعل بسكون فائه وضم عينه ثم نقلت ضمة عينه إلى فائه واشتقاقه من القول وهو كما قال النحاة اللفظ الدال على معنى وهو أعم من الكلام والكلم والكلمة كما أشار إليه ابن مالك بقوله: والقول أعم. لأنه يطلق على من الثلاثة حقيقة وهو أخص من اللفظ لإطلاقه على المهمل خلافا لمن جعلهما مترادفين ولا يشترط في دلالته الصدق بقطع النظر عن قائله وإلا فقد يكون مقطوعا بصدقه كقوله تعالى وقول رسول الله صلى عليه وآله وقد يكون بكذبه كأقوال مسيلمة لعنة الله وأتى به مضارعا دون الماضي لدلالته على الاستقبال المناسب لمقوله لأنه مشترك بين الحال والاستقبال على الأرجح وقيل حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال وقيل عكسه وقيل حقيقة في الحال ولا يستعمل في الاستقبال أصلا وقيل عكسه والعبد من التعبد وهو التذلل والخضوع وصف به نفسه لأنه أحب الأوصاف إلى الله تعالى وأرفعها إليه ومن ثم وصف به نبيه عليه الصلاة والسلام في أشرف المقامات فذكره في إنزال القرآن عليه بقوله مما نزلنا على عبدنا * أنزل على عبده الكتاب * نزل الفرقان على عبده وفي مقام الدعوة إليه وأنه لما قام عبد الله يدعوه وفي مقام الإسراء والوحي فأوحى إلى عبده ومن ثم لما خير وعليه صلى الله عليه وآله بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار الثاني وسليمان عليه السلام سائل الأول فانظر بعدما بين المرتبتين وأنشد في شرف العبودية قوله: لا تدعني إلا بيا عبدها * فإنه أشرف أسمائي قبله بيت وهو يا قوم قلبي عند زهراء * يعرفها السامع والرائي تحفة الأعالي والأمالي في الأصل جمع الإملا كعليا وعلايى وهو الكتابة عن ظهر القلب من غير نظر إلى مكتوب ثم صار علما منظومته هذه وقوله لتوحيد أي العلم التوحيد والصفات وإنما سمي هذا العلم به أيضا لتوحده في إثبات أعظم المقاصد وهو الوحدانية له تعالى لأن أشرف مباحثه وأعظم مقاصده وأصل المقصود به: إثبات وحدانيته تعالى وفيه براعة الاستهلال كما لا يخفى على أهل الكمال وقوله بنظم هو لغة الجمع والترتيب بين الأشياء المتناسبة أخص من الضم ومن مطلق الجمع ومن التأليف أيضا إذ المراد به ضد النشر وهو الكلام المنظوم الموزون المقفى بالقصد زيد القيد الأخير لإخراج نحو قوله عليه السلام ما أنت إصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت وهو مصدر بمعنى اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق ووقع ههنا صفة لمحذوف أي بكلام منظوم أو قول واللآلئ جمع لؤلؤة وهو المستخرج من جوف الصدف صح (الإعراب) العبد فاعل يقول وفي ظرفية ومجرورها ظرف للقول واللام في لتوحيد للاختصاص متعلق بالأمالي أو بيقول وهو الأظهر إن جعل الأمالي علما على هذه المنظومة وإلا فالأول أظهر فتدبر وبنظم في محل جر صفة لتوحيد أي لعلم توحيد منظوم كنظم اللآلي ومقول
Bogga 5
القول قوله الآتي: إله الخلق مولانا ا ه (وحاصل معنى البيت) يقول عبد الله في ابتداء كلامه المسمى بالأمالي أو في ابتداء أماليه لبيان توحيد عظيم لرب كريم بنظم كلام حسن الترتيب والسبك متناسب الكلمات مثل اللآلي المنظومة في سلك واحدة عند البصيرة والباصرة واعلم أنه ينبغي لكل طالب علم أن يعلم حده وموضوعه وفائدته ليكون على بصيرة إذ ربما كان اشتغالا بما لا يعني فيكون عبثا أو لعبا وقد نهى عن كل منهما فنقول: حد هذه العلم معرفة العقائد الدينية عن أدلتها اليقينية أو هو علم يبحث فيه عما يجب اعتقاده واختلف في موضوعه فقيل المعلوم من حيث يتعلق به إثبات العقائد الدينية من جهة ما يجب للذات المقدسة العلية أو ينفي عنها من الصفات الوجودية والسلبية ونحو ذلك وقيل هو ذات الله تعالى من حيث هو وذات الممكنات من حيث إسنادها إليه وقيل هو الموجود بما هو موجود والأول أحسن وأليق بالأدب كما لا يخفى على أهل الأدب وفائدته إرشاد العبد إلى ما يفوز به في دينه ودنياه وينجو به من بدع أهل الضلال والاشتباه وهي غايته وهي أشرف الغايات قال بعض الشراح وما نقل عن بعض السلف كالشافعي ومالك وغيرهما من ذم الخوض فيه وأنه بدعة محرمة ولأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير من أن يلقاه بشئ من علم الكلام فقد أجيب عنه انتهى وقدمنا جوابه وإلا فكيف يتصور الذم والمنع خصوصا من هؤلاء الأئمة الأعلام من تعلم ما هو واجب عينا أو كفاية لأنا نحتاج إلى رد ما يرد علينا من شبه المخالفين الضالين فيجب أن يوجد في كل بلدة عالم متقن هذه العلم حتى جوزوا الاشتغال بعلم المنطق لذلك ويجب على كل مكلف عينا أن يقر أولا بلسانه ويصدق بجنانه بوحدانية الله تعالى أنه واحد أحد فرد صمد لا شريك له ولا ضد له ولا شئ مثله ولا شئ يعجزه ولا إله غيره ولا رب سواه غني عن الشريك والوزير متعال عن الصاحب والنظير وعن الوالد والولد والأزواج وهو إله السماوات والأرض خالق الخلائق أجمعين وأن يعلم ما يجب له تعالى وما يمتنع في حقه إلى غير ذلك ومعرفة ذلك كله يتوقف على هذا العلم فيكون الاشتغال به واجبا وبما ذكرنا اندفع أيضا ما قيل إنه إنما نهى عنه لكونه محدثا لم يكن في زمن الصحابة
Bogga 6
والتابعين وقد قال عليه السلام شر الأمور محدثاتها وإياكم ومحدثات الأمور ومن أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد وحاصل الجواب بعد ما قدمنا أنه إن أريد أن البحث عن دليل وجود الصانع وتوحيده والنبوة وغيرها كالمبدأ والمعاد بدعة ومحدث فهو ممنوع إذ القرآن مشحون به وإن أريد أن الاشتغال به على الوجه المتعارف بيننا كذلك فمسلم لكنه أمر حسن قد مست إليه حاجة لم تكن في زمن الصحابة والتابعين وكذلك الأدلة المنصوصة والأمارات الموضوعة للأحكام الفقهية كانت قائمة في زمانهم والملكة المسماة بالفقه حاصلة لآحادهم وإن لم يكن هذا الترتيب والتدوين وبالجملة فمن المبتدعات ما هي حسنة بل بعضها واجب كالاشتغال بالعلوم العربية المتوقف عليه فهم الكتاب والسنة فإن الزمان يختلف والاستعدادات متفاوتة فقد يستدعي الوقت مصلحة يجب على أهلها رعايتها وإن لم تكن فيمن سلف ولذا قال الإمام الرازي ولو بقي الناس على ما كانوا عليه في صدر الإسلام لما أوجبنا الاشتغال بعلم الكلام كما لم يشتغل به الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولأنه اختلف في صحة إيمان المقلد كما سيأتي توضيحه إن شاء الله وقد اتفقوا على أن الإيمان باللسان من غير تصديق بالقلب لا ينفع ولا تصديق القلب بغير اللسان على قول كما سنبينه بل الإيمان على الجارحتين: القلب واللسان فالقرار والتصديق ركناه وهو المروي عن أبي حنيفة رضي الله عنه لأن اللسان عبارة عن الروح والجسد فيجب لكل منهما حصة من الإيمان وذهب قوم إلى أنه التصديق فقط والقرار باللسان شرط لإجراء الأحكام في الدنيا لأن تصديق القلب أمر باطن فلا بد من علامة تدل عليه وهو النطق فهو شرط لا شطر وبالجملة فتصديق القلب متفق عليه عند أهل السنة والخلاف إنما هو في الإقرار هل هو شرط أو شطر فعلى الأول يكون مؤمنا عند الله لا على الثاني وبالاتفاق لا تجري عليه أحكامه في الدنيا وعلى كل حال فكمال الإيمان وما يتبعه من الأحكام متوقفة على علم الكلام والسلام فإن قيل هل الإيمان مخلوق أم غير مخلوق فالأصح في الجواب أن يقال إن الإيمان إقرار وهداية فالاقرار صنع العبد وهو مخلوق والهداية صنع الرب وهو غير مخلوق فانقياد العبد وقبوله وقوله لا إله إلا الله وإقراره ونحو ذلك وتحريك لسانه وتصديق جنانه مخلوق إذ هو بجميع ذاته وأفعاله مخلوق له تعالى وحصول ذلك بهدايته تعالى وقدرته وتوفيقه وهو تعالى بجميع صفاته غير مخلوق فمن العبد المعرفة والإقرار والطاعة والانقياد ومن الله تعالى التوفيق والتعريف فافهم والله أعلم فإن قلت قد جرت عادة المصنفين الابتداء في مصنفاتهم باسمه باسمه تعالى اقتداء بكتابه العزيز وعملا بخبر كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله فهو أقطع أو أبتر أو أجزم ولا شك أن منظومته هذه أمر ذو بال فلم لم يبدأها باسمه تعالى قلت أتى في أولها بالبسملة لفظا وخطا وهي موجودة في سائر متونه وعليها شرح المقدسي على أنه وإن تركها خطاء لا يقال في مثله إنه تركها لفظا وبه يحصل المودة وما قيل إنه تركها أصلا إشارة إلى عجزه عن أداء شكر الله تعالى وحمده فكلام واه لا يصغى إليه قال الناظم رحمه الله تعالى:
Bogga 7
2 إله الخلق مولانا قديم * وموصوف بأوصاف الكمال، لفظ إله في الأصل موضوع لكل معبود مطلقا ثم غلب على المعبود بحق كالنجم للثريا والكتاب لكتاب سيبويه والصعق لخويلد بن نفيل مع أنه موضوع لكل من أصيب بصاعقة واشتقاقه من آله يأله كعلم يعلم إذا عبد فهو بمعنى اسم المعبود وقيل غير ذلك ثم حذفت همزته وعوض عنها الألف واللام ثم أدغمت اللام في اللام فقيل الله وعند البصريين دخلت عليه آل فصارت الإله فحذفت همزته غير قياس وعند الكوفيين أصله لاه دخلت عليه أل وقيل الله: اسم موضوع كأسماء الأعلام لا اشتقاق له وهو مذهب أهل الحق فهو مختص به تعالى ابتداء ومما يدل عليه أن غيره من الأسماء نقل عن العرب اشتقاقاتها إلا هذا الاسم الكريم لا قبل الرسول ولا بعده وهو جامع لصفات الألوهية والربوبية ولذا كان أعظم التسعة والتسعين اسما لدلالته على الذات الجامعة لجميع الصفات وقد رئي الخليل بن أحمد بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي بقولي في اسمه تعالى إنه غير مشتق وذكر بعضهم أنه الاسم الأعظم وقد ذكر في الكتاب العزيز في الفين وثلاثمائة وستين موضعا واختار النووي تبعا لجماعة أن الاسم الأعظم هوى الحي القيوم قال ولذا لم يذكر في القرآن إلا في ثلاثة مواضع في البقرة وآل عمران وطه لكن كون اسمه تعالى الأعظم الذين هو المختص به وهو الله أظهر فتدبر والخلق بمعنى المخلوق من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول واللام فيه للاستغراق أي إله جميع المخلوقات وهي ما سواه تعالى والمولى من الولاء وله نيف وعشرون إطلاقا مدلولها غالبا من حصلت منه النعمة كالرب والمالك والسيد والمنعم والناصر والمعتق بالفتح والعبد المنعم عليه وقد تكون من الطرفين كالجار وابن العم والحليف والصهر ومن اختص بها كالأولى بالشئ وقد أطلقه بعضهم على كل من ولي أمرا ويصح ههنا إرادة أحد الخمسة الأولى والقديم ههنا هو الذي لم يسبق بعدم فهو في حقه تعالى سلب العدم السابق على الوجود أو عدم الأولية لوجوده إذا العدم عبارة عن نفي السبق لأنه تعالى لو لم يكن قديما لاقتضى محدثا واحتاج هذا المحدث أيضا إلى محدث وهكذا فيدخل التسلسل وهو محال أو ينتهي إلى صانع قديم محدث للكل وذلك هو المطلوب الذي سميناه قديما صانع العالم وخالقه ومبدعه وإذا ثبت أنه قديم لا أول له فاعلم أنه أبدي لا نهاية له مستمرا لوجود لا آخر له قيوم لا انقطاع له دائم لا انصرام له لا يقضى عليه بالانفصال وتصرم الآباد وانقراض الآجال إذ ما ثبت قدمه استحال عدمه فهو متضمن لصفة البقاء وعدم سبق العدم في حقه تعالى وأما القدم الزماني في حق غيره تعالى فهو حادث مسبوق بالعدم وذلك محال في حقه تعالى قال تعالى والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون
Bogga 8
القديم * إنك لفي ضلالك القديم أي في خطاك الذي حدث لك في الزمن السابق من إفراطك في محبته ورجاء لقائه قال بعضهم أقل زمن يوصف به زمن القدم الزماني الحادث حول فلو علق حرية القديم من عبيده أو أوصى بعتقه عتق من له حول في ملكه وأوصاف الكمال أراد بها الثبوتية والسلبية إذ نفي النقايص كمال كما أن الوصف بالكمال كمال إذ لو لم يتصف بذلك لاتصف بأضداده وهي نقايص لكن الثاني طاهر الاستحالة لأنه من أمارات الحدوث وأفاد بقوله وموصوف إلى أنه ليس بصفة لظهور استحالته قال المقدسي رحمه الله ودليل كونه موصوفا لا صفة أنه لو كان صفة لاستحال قيام المعاني به ولو لم تضم به الصفات التي هي معان لاستحال اتصافه لكنه قد اتصف بأحكام الصفات فوجب أن يكون موصوفا بالمعاني الموجبة لتلك الأحكام الواجبة له شرعا وعقلا وكما يجب وصفه بأوصاف الكمال يجب تنزيهه عن النقايص الإعراب إله الخلق مضاف ومضاف إليه مبتدأ وفائدة الإضافة فيه نفي الاشتراك ومولانا بدل وهو الأظهر من كونه عطف بيان كما لا يخفى على ذوي الأذهان وقديم خبر وموصوف عطف على الخبر وبأوصاف متعلق بموصوف وإضافته إلى الكمال بيانية وقيل على معنى اللام وقيل للتخصيص (وحاصل معنى البيت) يقول عبد الله إن المعبود بحق الخالق لجميع المخلوقات كلها وهو الله تعالى قديم واجب القدم والوجود بالذات واجب البقاء أبدا وكمال الصفات لا يجري عليه عدم سابق ولا لاحق تتمة قال الرازي خلق الله الخلق بعلمه وقدرهم إقدارا وضرب لهم آجالا لم يخف عليه شئ بعد أن خلقهم وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم ومن قال إنه لم يكن خالقا قبل أن يخلق الخلق فلما خلق الخلق صار خالقا فقد كفر انتهى قال علي القاري ثم الخلق من صفات الأفعال وهي قديمة عندنا فإنه تعالى كان خالقا قبل أن يخلق الخلق خلافا للأشاعرة فما قال شارح من أن من قال إنه لم يكن خالقا قبل أن يخلق الخلق فقد كفر نشأ من جهله بتحقيق المرام انتهى وظاهر أنه أراد به ما قدمنا عن الرازي لكنه لم يبين تحقيق المرام ونحن نقول بعون الملك المنان إن حاصل هذا على ما سيأتي راجع إلى مسألة التكوين وهو المعنى الذي يعبر عنه بالفعل والخلق والتخليق والإيجاد والاختراع ونحو ذلك وقد أثبته الحنفية صفة حقيقة قديمة مغايرة للقدرة والإرادة وفسروه بإخراج المعدوم من العدم إلى الوجود وعبروا عنه بالخلق والتخليق ونحوهما وهو وصف له تعالى أزلي لإطباق العقل والنقل على أنه تعالى خالق للعالم مكون له قال تعالى الله خالق كل شئ فقد وصف ذاته في كلامه القديم الأزلي بأنا الخالق فلو لم يكن متصفا في الأزل بكونه خالقا لزم الكذب في كلامه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ولامتناع
Bogga 9
إطلاق الاسم المشتق إطلاقا حقيقيا من غير أن يكون مأخذ الاشتقاق وصفا له قائما به حال الإطلاق ومذهب الأشعري إن التكوين من الإضافات والاعتبارات العقلية مثل كون الصانع تعالى قبل كل شئ ومعه وبعده ومحييا ومميتا ونحو ذلك والحاصل في الأزل مبدء التخليق والترزيق والإحياء والإماتة وغير ذلك وتكوينه للعالم ولكل جزء من أجزائه لا في الأزل بل لوقت وجوده على حسب علمه في الأزل وإرادته فالتكوين ثابت أزلا وأبدا والمكون حادث لحدوث التعلق كما في العلم والقدرة وغيرهما من الصفات القديمة التي لا يلزم من قدمها قدم متعلقاتها فافهم وسيأتي له زيادة تحقيق قال السعد رحمه الله في شرح العقائد ينبغي للعاقل أن يتأمل في أمثال هذه المباحث ولا ينسب إلى الراسخين من علماء علم الأصول ما يكون استحالته بديهية ظاهرة لم له أدنى تمييز بل يطلب لكلامه محملا يصلح محلا لنزاع العلماء فإن من قال التكوين عين المكون أراد أن الفاعل إذا فعل شيئا فليس هناك إلا الفاعل والمفعول وأما المعنى الذي يعبر عنه بالتكوين والإيجاد ونحو ذلك فهو أمر اعتباري يحصل في الفعل من نسبة الفاعل إلى المفعول وليس أمرا محققا مغايرا للمفعول في الخارج ولم يرد أن مفهوم التكوين هو بعينه مفهوم المكون ليلزم المحالات ثم قال ولا يتم إبطال هذا الرأي إلا بإثبات أن تكون الأشياء وصدورها عن الباري تعالى يتوقف على صفة حقيقية قائمة بالذات مغايرة للقدرة والإرادة والتحقيق إن تعلق القدرة على ووفق الإرادة بوجود المقدور لوقت وجوده إذا نسب إلى القدرة يسمى إيجادا وإذ نسب إلى الخالق يسمى الخلق والتكوين ونحو ذلك فحقيقة كون الذات بحيث تعلقت قدرته بوجود المقدور لوقته ثم يتحقق بحسب خصوصيات المقدورات خصوصيات الأفعال كالترزيق والتصوير والإحياء والإماتة وغير ذلك إلى ما لا يكاد يتناهى وأما كون كل من ذلك صفة حقيقية أزلية فمما تفرد به بعض علماء ما وراء النهر وفية تكثير القدماء جدا وإن لم تكن مغايرة والأقرب ما ذهب إليه المحققون منهم أن مرجع الكل إلى التكوين فإنه إن تعلق بالحياة يسمى إحياء وبالموت إماتة وبالصورة تصويرا وبالرزق ترزيقا إلى غير ذلك فلكل تكوين وإنما الخصوص بخصوصية المتعلقات انتهى فعلم أن في التكوين والترزيق والخلق وغيرها مذاهب ثلاثة (الأول) إن كل واحد من تلك الصفات صفة حقيقية أزلية قائمة بذاته تعالى كالعلم والحياة والقدرة وغيرها من الصفات (والثاني) إن كل واحد منها عبارة عن تعلق القدرة بوجود المقدور لوقت وجوده فيكون من قبيل الصفات الإضافية لا من قبيل الصفات الحقيقية (الثالث) إن التكوين صفة أزلية حقيقية قائمة بذاته تعالى وإن التصوير والترزيق والإحياء والإماتة يحصل من تعلق التكوين بالمكونات على وجه مخصوص وهو مذهبنا قال ملا رمضان الأقرب إلى الحق من هذه المذاهب
Bogga 10
الثلاثة هو المذهب الثالث دون الأول والثاني فافهم والله أعلم قال الناظم رحمه الله 3 هو الحي المدبر كل أمر * هو الحق المقدر ذو الجلال الحي من ثبت له الحياة وهو ضد الموت قال الله تعالى هو الحي لا إله إلا هو * الله لا إله إلا هو الحي القيوم والحياة صفة من شأنها حصول العلم ونحوه لم قامت به وهي في حقه تعالى صفة أزلية قديمة من صفات الذات ولا تعلق لها كما سيأتي والمدبر اسم فاعل من التدبير وهو لغة التأمل والتفكر في إيقاع الفعل وفي حقه تعالى تنزيل الأمور في مراتبها على أحكام عواقبها حسب ما سبق به علمه الأزلي فهو شؤون يبديها ولا يبتديها قال الله تعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض وكل هنا كلية لا كل ولا كلي والأمر يطلق حقيقة على القول ومجازا على الفعل قال تعالى وشاورهم في الأمر، أي الفعل الذي تعزم عليه فهو في كلام الناظم مجاز شايع لإطلاقه على كل ما يفعل والأظهر أن يراد بالأمر ههنا الأعم من القول والفعل فيكون الشئ إذ كلها تدبيره تعالى فمعنى المدبر كل أمر أي الموقع كل شئ على قدر مخصوص في وقت مخصوص بقضائه وقدره حسب ما سبق في علمه والحق لغة الثابت من حق الشئ إذا ثبت والمراد في حقه تعالى الثابت الوجود على وجه الوجوب وهو من أسمائه تعالى وله إطلاقات فيطلق على الدين الثابت في الذمة والمطالبات والأمر العظيم الشأن والأقوال والعقائد والأديان والحكم المطابق للواقع وغير ذلك بخلاف الصدق فإنه شاع في الأقوال خاصة ويقابله الكذب والحق يقابله الباطل والمقدر بكسر الدال موجد الأشياء على قدر مخصوص وتقدير معين في ذواتها وأحوالها فهو اسم فاعل من قدر يقدر فهو مقدر وهو من له القدرة على ذلك وهي صفة تخالف العجز وتؤثر في الشئ عند تعلقها به لكن تعلقها به مرتب على تعلق الإرادة وتعلق الإرادة مرتب على تعلق العلم ولا قصور في عدم تعلق الإرادة والقدرة بالواجب والمستحيل إذ لو تعلقا بهما لزم القصور لأنه يلزم على هذا أن يجوز تعلقهما بانعدام أنفسهما بل وإعدام الذات العلية وإثبات الألوهية لمن لا يقبلها من الحوادث وسلبها عمن تجب له وهو المولى جل وعلا وآي نقص وفساد أعظم من هذا وذو ههنا بمعنى الصاحب والجلال العظمة والاستغناء المطلق لوسع مجده وعلاه وسلطان ملكوتيته على ما سواه ويشمل ذلك الصفات الثبوتية والسلبية وإنكار المعتزلة ثبوت العلم والقدرة والحياة ونحوها من سائر أوصاف الكمال وقولهم إنه لا يوصف بها لأنه لا يخلوا إما أن تكون قديمة فيتعدد القدماء أو حادثة فيكون محلا للحوادث فهو قول باطل مردود بالأدلة القطعية لأنه وصف ذاته المقدسة متمدحا بها قال تعالى إن الله هو الرزاق * أنزله بعلمه * ولا يحيطون بشئ مه علمه * هو الحي
Bogga 11
كما قدمنا فقد أثبت لنفسه العلم والقدرة والحياة ونحوها فإنكار هذه الصفات الثابتة بنص الكتاب كفر بالنزاع (الإعراب) هو الحي متبدأ وخبر والمدبر خبر بعد خبر وكذا هو الحق المقدر وكل بالنصب مضاف إلى أمر مفعول المدبر دال على مفعول المقدر المحذوف أي المقدر كل أمر (وحاصل معنى البيت) إنه تعالى حي لا يزال وهو الموجد لجميع الأشياء من خير وشر ونفع وضر وحلو ومر بقضائه وقدره على أقدار مخصوصة في أوقات مخصوصة قال تعالى وكل شئ خلقناه بقدر فيجب اعتقاد أنه تعالى حي باق أزلا وأبدا واجب الوجود وكل ما في الوجود بتدبيره وتقديره لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وفيه إشارة إلى دخول أفعال العباد في كل مخلوق ردا على المعتزلة في قولهم إن أفعال العباد مخلوقة لهم وقول بعضهم بعضها مخلوق لهم كما سيأتي وتمسكوا في ذلك بما هو مذكور مع رده في المطولات من هذا الفن قال الناظم رحمه الله 4 مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال المريد اسم فاعل من الإرادة وهي عبارة عن صفة في الحي تقتضي الحياة وفي حقه تعالى صفة من صفات الذات له تعالى تقتضي تخصيص أحد طرفي الشئ من الفعل والترك بالوقوع في وقت دون وقت وترادفها المشيئة والرضاء عبارة عن الإرادة ويرادفها المحبة وهذا ما ذهب إليه أكثر أهل السنة وقالت المعتزلة الرضاء والمحبة نفس المشيئة والإرادة وقال بعضهم إنه تعالى مريد بإرادة حادثة لا في محل وقالت الفلاسفة إنه موجب بالذات لا بإرادة ولنا الآيات الناطقة بإثبات صفة الإرادة والمشيئة له تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون قال الكستلي وجزم أصحابنا القول باستواء نسبة العلم إلى الضدين كالقدرة وإن العلم بالمصلحة لا يكون داعيا إلى الفعل ما لم تحصل الحالة المعلومة بالوجدان المسماة بالإرادة ونبهوا على ذلك بأنا لا موجود إلا ويمكن تصوره على وجه أحسن منه فوقوعه على ما هو عليه تخصيص من غير مخصص لكن أورد عليه أنه إذا جاز تعلق الإرادة بكل واحد من الضدين بدلا عن الآخر فتعلقها بإحداهما ترجيح بالمرجح وإن لم يكن كذلك بل كان تعلقها بأحدهما مقتضى ذاتها فالمريد غير قادر على الفعل بالمعنى المذكور إذ قد وجب وجود أحد الضدين فيه لا وجوبا مرتبا على تعلق إرادته بل لم يجز منه إلا وقوع هذه الضد وغارة ما يمكن أن يجاب عنه بأن تعلق الإرادة بأحد الضدين لذتها لا بمعنى أن ذاتها تقتضي المتعلق به البتة بل بمعنى أنها لا تحتاج في ذلك إلى مرجح غير ذاتها وهذا خاصة الإرادة فلا يجوز مثلها في القدرة هنا فافهم والمحال هنا هو الذي أحيل من جهة الصواب
Bogga 12
إلى غيره والذي قبحه الشرع كالكفر والمعاصي وهو الذي أراده المص رحمه الله بالشر فهو واقع بإرادته لكن لم يرض به قال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر لا المحال الذين يستحيل وقوعه إذ الكفر والمعاصي موجودان واقعان بإرادته تعالى لا برضاه ولا يخفى أن المحال هو الممتنع لكن امتناعه إما شرعا أو غيره وغيره إما عقلا وعادة كالجمع بين الضدين فهو امتناع لذاته أو عادة فقط كطيران الإنسان أو عقلا فقط كالإيمان ممن علم الله أنه لا يؤمن فهو فيهما امتناع لغير ذاته والمراد ههنا الأول أي الممتنع شرعا كما ذكرنا إذ الممنوع شرعا ما خالف المطلوب شرعا وهو الفعل المنهي عنه حراما كان أو مكروها أو خلاف الأولى يشمل الكفر وسائر المعاصي والمناهي والمطلوب شرعا هو الفعل الفرض والواجب والمستحب يشمل الإيمان وسائر الطاعات الإعراب مريد اسم فاعل مضاف إلى مفعوله خبر مبتدء محذوف أي هو مريد الخير والشر عطف على الخير والقبيح صفة كاشفة للشر إذ ما قبح شرعا ليس فيه حسن ولكن للاستدراك دفعا لتوهم رضاه أتى به حيث كان مراد له واسم ليس مستتر راجع إلى المبتدء المقدر وجملة يرضى خبرها وبالمحال متعلق بيرضى المنفي (وحاصل معنى البيت) أنه يجب اعتقاد أن وقوع جميع الأشياء من خير وشر وإيمان وكفر وطاعة ومعصية بإرداته تعالى لكن ما كان بعيدا عن الصواب عند أولي الألباب كالكفر والقبايح والمعاصي فإنه مريد له لكنه غير راض به فيقع بمشيته وإرادته لا برضاه ولا بمحبته قال تعالى وما تشاؤن إلا أن يشاء الله وقال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وهذا مذهب أهل السنة وقالت المعتزلة جميع المعاصي واقعة بإرادة العبد على خلاف إرادة الرب فالخير من الله والشر من العبد كيلا ينسب القبيح إليه تعالى وهو مردود بما قدمنا وبقوله تعالى قل كل من عند الله وخلق كل شئ يضل من يشاء ويهدي من يشاء وظهور ذلك من العبد إنما هو بتقدير الله تعالى ومؤاخذة العبد به إنما هو بحسب كسبه وأقبح من قولهم قول النظام إن الله تعالى لا يقدر على خلق الجهل والقبيح مستدلا بأنا لو قدر على خلق ذلك لزم أن يكون جاهلا وقبيحا لأن خالق الجهل جاهل وخالق القبيح قبيح وهو مردود وفساده ظاهرا أيضا بعموم ما قدمنا ولا يلزم ما ذكره إذ المتصف بذلك من قام به المعنى وهو الجاهل كقائل هذه القول لا خالقهما كالكسر والجرح ونحوهما فإنه إنما يقوم بالمكسور والمجروح لا بالجارح والكاسر وما أحسن قول القائل قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن ليرضاه تكليفا لدى كل ملة دعا الكل تكليفا ووفق بعضهم وخص بتوفيق وعم بدعوة إليك اختيار الكسب والله خالق مريد بتدبير له في الخليفة ولم يرض فعلا قد نهى عنه شرعه تعالى وجل الله رب البرية قال الناظم رح
Bogga 13
5 صفات الله ليست عين ذات * ولا غيرا سواه ذا انفصال الصفات جمع صفة وهي الإمارة اللازمة لذات الموصوف التي يعرف بها والصفة والوصف سيان من حيث اللغة وبينهما تغاير من حيث الاصطلاح وذلك إن الوصف ما قام بالواصف من حيث إنه واصف والصفة ما قام بالموصوف من حيث إنه موصوف وبهذا اندفع قول بعضهم ليت شعري من أين هذه التفرقة فإن كلا منهما مصدر يصح أن يتصف به الواصف وأن يتصف به الموصوف فافهم وصفاته تعالى مختصة لذاته لا هي هو ولا غيره هذا عند أهل السنة والجماعة وليست بمحدثة سواء كانت من صفات الذات أو من صفات الأفعال فلا يقال هي هو ولا بعضه ولا هي أغيار له بل هي صفات أزلية قديمة قائمة بذاته تعالى ليست كصفات البشر ومن وصف الله تعالى بمعنى من معاني البشر فقد كفر وأشار الناظم رحمه الله بقوله ليست عين ذات ردا لما تزعمه الكرامية من قولهم إنها غيره ذو انفصال عن الذات وهي عندهم حادثة لئلا يلزم تعدد القدماء إذ النصارى كفروا بإثبات ثلاثة فما بال الثمانية وهي الحياة والقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والكلام والتكوين والنصارى وإن لم يصرحوا بالقدماء المغايرة ولكن لزمهم ذلك من زعمهم لأنهم أثبتوا الأقانيم الثلاثة التي هي الوجود والعلم والحياة وسموا الوجود بالأب والعلم بالابن والحياة بالروح القدس وزعموا أن أقنون العلم قد انتقل إلى بدن عيس عليه السلام فجوزوا الانفكاك والانتقال فكانت الأقانيم الثلاثة ذوات متغايرة وأيضا وصفوا الأقانيم الثلاثة بصفات الألوهية وقد كذبهم الله تعالى بقوله لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وبقوله عقيبه إنما هو إله واحد وبقوله قل هو الله أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وقول المعتزلة أيضا ظاهر البطلان لأن الصفة لو كانت عين الموصوف لزم تعدد الذات باعتبار تعدد الصفات وهو باطل ولو كانت غير ذاته لا يخلوا إما أن يتصف بها غيره أو تقوم بنفسها وكلاهما باطلان أما الأول فلأنه يلزم أن توجد صفاته الكاملة في غيره فيكون ناقصا في ذاته مستكملا بالغير وهو وباطل وأما الثاني فإنه يلزم قيام العرض بنفسه وهو باطل أيضا وليست بعضا كما قال بعضهم لأنه لو كان كذلك لأدى إلى أن لذاته تعالى حدا ونهاية حتى يتبعض ويتجزى وهذا من أمارات الحدوث وصفات الإمكان وهو باطل فثبت بهذه الدلالات أنها لا عين ولا غير قالوا فهي كالواحد من العشرة ليس هو عين العشرة لاستحالة حد العينية ولا غيرها لانعدام حد الغيرية والواحد وإن كان بعض العشرة إلا أنه يستحيل في حقه تعالى التركيب والتبعيض والتجزي فالتمثيل للتقريب لا
Bogga 14
للتسوية وفي قوله إذا انفصال إشارة إلى أن المراد بالغيرية الغيرية الاصطلاحية وهو الذي يمكن انفصاله عن الذات انفصالا لا يقتضي المغايرة فهو كالتأكيد للغيرية الإعراب صفات الله مبتدأ واسم ليس مستتر وعين خبرها مضافا إلى ذات وجملة ليس مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ واسم ليس مستتر وعين خبرها مضافا إلى ذات وجملة ليس مع اسمها وخبرها في محل رفع خبر المبتدأ ولا عطف على ليس وغيرا خبرها وحذف اسمها لدلالة الأول عليه أي وليست غيرا فهو من عطف الجمل ويصح أن يكون عطفا على عين فيكون من عطف المفردات وسواه للتأكيد وضميره للذات وذكر الضمير تأدبا ومراعاة للمعنى وذا انفصال صفة للغير ومعنى البيت ظاهر قال الناظم رحمه الله 6 صفات الذات والأفعال طرا * قديمات مصونات الزوال صفات الذات ما دل عليه فعله تعالى لتوقف الفعل عليها وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة وما دل عليه التنزيه له تعالى عن النقص وهي السمع والبصر والكلام والبقاء وصفات الأفعال قد اختلف فيها فمذهب أئمتنا الحنفية هي قديمة أيضا كالأولى ومذهب الأشاعرة أنها حادثة باعتبار تعلقها التنجيزي كالتكوين والإبداء والانشاء والترزيق والإماتة والإحياء وفسر بعضهم صفات الذات بأنها كل ما يلزم من نفيه نقيضه والفرق بين الذات والصفات إن الذات كل ما يمكن تصوره بالاستقلال بخلاف الصفات فإنها كل ما لا يمكن تصوره إلا تبعا وكل منهما يدل على معنى زائد على معنى الواجب لا كما تزعمه المعتزلة أنه تعالى عالم لا علم له قادر لا قدرة له إلى غير ذلك فإنه محال بمنزلة قولنا أسود لا سواد له وقد نطقت النصوص بثبوت علمه وقدرته وغيرهما ودل صدور الأفعال المتقنة على وجود الأفعال المتقنة على وجود عمله وقدرته لا على مجرد تسميته عالما وقادرا وليس النزاع في العلم والقدرة التي من جملة الكيفيات والملكات لما صرح مشايخنا من أنه تعالى حي وله حياة أزلية ليست بعرض ولا مستحيل البقاء والله تعالى عالم وله علم أزلي شامل ليس بعرض ولا مستحيل البقاء ولا ضروري وما مكتسب وكذا سائر الصفات بل النزاع في أنها كما أن للعالم منا علما هو عرض قائم به زائد عليه حادث فهي للصانع العالم علم هو صفة أزلية قديمة قائمة زائدة عليه وكذا جميع الصفات فأنكره الفلاسفة والمعتزلة وزعموا أن صفاته عين ذاته بمعنى أن ذاته تسمى باعتبار التعلق بالمعلومات عالما وبالمقدورات قادرا إلى غير ذلك فلا يلزم تكثير في الذات ولا تعدد في القدماء والواجبات والجواب أن المستحيل تعدد الذات القديمة وهو غير لازم ويلزمهم كون العلم مثلا قدرة وحيا وعالما وحيا إلى غير ذلك من المحالات وقوله طرا بضم الطاء أي جميعا وبفتحها أي قطعا من طر الثوب إذ قطعه فهو طرار والأول أنسب ههنا وقوله قديمات جمع قديمة وتقدم معنى القديم أي
Bogga 15
أزلية لا كما تزعمه الكرامية من أن له صفات إلا أنها حادثة الاستحالة قيام الحوادث بذاته تعالى مصونات أي محفوظات عن الزوال عن ذاته تعالى لأن صفاته تعالى أزلية أبدية لا يزال عنها أبدا فلا تزايله ولا تفارقه إذ المزايلة والمفارقة من صفات الحدوث ومولانا بجميع صفاته قديم الإعراب صفات الذات مبتدأ والأفعال عطف على الذات وطرا نصب على الحال وقديمات خبر المبتدأ ومصونات الزوال خبر بعد خبر (وحاصل معنى البيت) إن صفاته تعالى مطلقا ذاتية كانت أو فعلية كلها قديمة مصونة عن الزوال عن الذات المقدسة وعن الزوال بمعنى الفناء والعدم قال شارح ويجوز أن يراد كلا المعنيين وهو الأصح وصفات الأفعال عند الأشاعرة حادثة باعتبار تعلقها التنجيزي وهو حادث وأما باعتبار تعلقها الأزلي ويسمونها المعنوية فهي قديمة لأن التكوين باعتبار رجوعه إلى صفة القدرة يكون أزليا فالتخليق مثلا هو القدرة باعتبار تعلقها بالمخلوق فح لا خلاف في المعنى ذكره الإمام النووي وغيره انتهى وفيه نطر ولذا نقله علي القاري (2) وقد قدمنا تحقيقه والحاصل أنه يجب على المكلف بالشرع معرفة ما قام عليه دليل عقلي أو نقلي من الصفات مع اعتقاد أنها كلها قديمة وهي عشرون صفة الوجود، والقدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، والقيام بالنفس، والوحدانية والحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، وكونه حيا، وعالما ، ومريدا، وقادرا، وسميعا، وبصيرا، ومتكلما. ويستحيل في حقه تعالى كل ما ينافي الصفات الواجبة كالعدم، والحدوث، والفناء، والمماثلة للحوادث، وكونه صفة، والاحتياج إلى الفاعل، والتركيب في الذات، والمثل فيها أو في الصفات، ووجود الشريك في الأفعال ، والعجز، والجهل وما في معنى ذلك وأفراد الجائز في حقه تعالى لا تنحصر في عدد بل هي الفعل والترك لكل ما يقضي العقل بجوازه وإمكانه ونظم بعضهم صفات الذات بقوله حياة كلام ثم علم وقدرة * إرادته سمع صفات مع البصر لذات الإله عند كل محقق * وزيد بقاء عند حبر مع النظر
Bogga 16
(2) نسمي الله شيئا لا كالأشيا * وذاتا عن جهاد الست خالي أي نحن أهل السنة والجماعة نسمي الله تعالى شيئا أي نطلق عليه هذا اللفظ بناء على أن الشئ عندنا هو الموجود فهو أولى بإطلاقه عليه لأنه تعالى واجب الوجود لكن لا نعتقد أنه كسائر الأشياء لأنها ممكنة الوجود وممتنعة الشهود ومولانا قديم واجب الوجود وأما إذا كان الشئ مصدر شاء من المشيئة فإن أريد به معنى الفاعل جاز أيضا إطلاقه عليه تعالى وإن أريد به معنى المفعول فلا يجوز وهو الذي احترز عنه المص بقوله لا كالأشيا لأنها كلها مشيئة له تعالى موجودة بخلقه ونسمي الله تعالى ذا ذاتا أيضا لكن لا كالذوات
Bogga 17
لأن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقايق كما أن صفاته تعالى مخالفة لجميع الصفات وكل ما خطر ببالك فالله وراء ذلك ولأن الذوات لا تخلو عن الجهات الست أعني الفوق والتحت واليمين والشمال والأمام والخلف وهو تعالى بذاته عن الجهات الست خال لأن البرهان القاطع قام على أنه تعالى غير متحيز في مكان إذ التحيز عند المتكلمين هو الفراغ المتوهم الذي يشغله شئ ممتد كالجسم أو غير ممتد وهو الجوهر الفرد كما سيأتي وواجب الوجود ليس كذلك فال يكون متحيزا ثم اعلم أنه يجوز أن يطلق عليه تعالى كل ما ورد الشرع بإطلاقه عليه من الأسماء والصفات ويمتنع ما منعه الشرع وأما ما لم يرد به إذن ولا منع وكان تعالى موصوفا بمعناه وإطلاقه مشعر بتعظمه غير موهم لما يستحيل في حقه تعالى فجوزه جمهور أهل السنة ومنعه المعتزلة ومال إليه القاضي الباقلاني وتوقف إمام الحرمين وجوز الرازي والغزالي إطلاق الصفة دون الاسم والمراد بالصفة ما دل على معنى زائد على الذات كما مر وكل ما أوهم معنى مستحيلا في حقه تعالى لم يجز إطلاقه عليه مطلقا اتفاقا كالعاقل والعارف والفقيه لأن العقل مأخوذ من العقال وهو المنع من الإقدام ولا يتصور ذلك إلا إذا دعى إلى ما لا يليق والعارف مأخوذ من المعرفة وقد يسبقها وجهل أو غفلة والفقه هو الفهم لغرض المتكلم وقد يسبقه جهل وكل ذلك لا يليق في حقه تعالى وقس على ذلك ترشد الإعراب نسمي مضارع صيغة متكلم معه غيره أي نحن أهل السنة ولفظ الجلالة مفعوله الأول وشيئا مفعوله الثاني يقال سميته كذا وسميته بكذا ولا نافية بمعنى غير أو بمعنى ليس وكالأشياء متعلق بها في محل نصب صفة شيئا أي مغاير للأشياء أوليس هو كالأشياء وذاتا عطف على شيئا وخالي صفة ذاتا وحقه خالية وتركت التاء تأدبا ومراعاة للمعنى وعن جهاد متعلق به ولا يصح أن يكون خبرا مقدما وخالي مبتدء مؤخرا فتدبر ويصح في نسمي أن يقرأ بالياء مبنيا للمفعول ولفظ الجلالة نائب فاعله وشيئا مفعوله الثاني وذاتا عطف عليه فهو منصوب على كل حال خلافا لما توهمه بعضهم (وحاصل معنى البيت) أنه يجوز لنا أهل السنة أن نسمي الله تعالى شيئا معتقدين أنه
Bogga 18
مغاير لسائر الأشياء لأنها حادثة مفتقرة إلى الموجد والمحدث والله تعالى موجد الأشياء كلها قال تعالى قل أي شئ أكبر شهادة قل الله. كل شئ هالك إلا وجهه * والاستثناء معيار العلوم ونسميه أيضا ذاتا معتقدين أنه مغاير لسائر الذوات خال عن جميع الجهاد الست لورود الشرع بذلك تنبيهان الأول يجب التفكر في مصنوعات الله تعالى ولا يجوز التفكر في ذاته تعالى للنهي عنه قال عليه السلام لا تتفكروا في ذات الله تعالى وقال ابن عباس رضي الله عنهما تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في ذات الله ولأنه ربما يتصوره العقل بما لا يليق به تعالى وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك والثاني هل يجوز عقلا علم حقيقة ذاته في الآخرة أم لا قال بعضهم نعم لحصول الرؤية فيها ومن لازمه تحقق المرئي وقال بعضهم لا إذ الرؤية لا تفيد العلم بالحقيقة البتة فاللزوم ممنوع وصححه بعضهم فقال والصحيح أنه لا سبيل إلى القول بذلك وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى قال الناظم رحمه الله:
8 وليس الاسم غيرا للمسمى * لدا أهل البصيرة خير آل اعلم أن الاسم ما دل على مسمى في نفسه غير متعرض ببنيته لزمان والتسمية جعل اللفظ دليلا على المعنى وذلك المعنى الذي جعل اللفظ بإزائه هو المسمى ثم اختلف هل الاسم عين المسمى أو غيره وهي مسألة طويلة لا يحتملها هذا المختصر وحاصلها أن ههنا ألفاظ ثلاثة التسمية والاسم والمسمى ثم التسمية غير الاسم والمسمى بلا خلاف بين الأدمة وأما الاسم والمسمى فقال أصحابنا أهل السنة هما واحد وقال أصحاب السنة والمتأخرون الاسم والصفة واحد ثم الصفة تنقسم إلى ثلاثة أقسام صفة هي غير الموصوف كصفة الوجود للموجود وصفة لا هو ولا غيره كصفات الله تعالى كما تقدم وصفة هي غير الذات كصفاتنا وكذلك الاسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام اسم هو المسمى كقولنا موجود ومعبود وهو الله وهو الذي أراده المص رح واسم للصفة لا هو ولا غيره كالعالم والقادر وللتسمية وهو ذكر الاسم ولفظ فهو غير المسمى بالخلاف بين الأمة هذا حاصل ما في شر أبي بكر الرازي وحاصل ما في حاشية السعد على الكشاف عند قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها إن الخلاف في الجواب لفظي لأنه أريد بالاسم لفظ زيد مثلا والمسمى مدلوله الذي هو الذات المشخصة فهو غيره قطعا أو بالاسم المدلول وبالمسمى الذات من حيث هي أي الماصدق فهو في الجامد عين المسمى إذ لا يفهم من اسم الله تعالى سواه وفي المشتق على قول الأشعري غيره إن كان صفة فعل كالخالق ولا عينه ولا غيره إن كان صفة ذات كالعالم وعلى قول غيره عينه كما في الجامد ثم قيل إن الخلاف في
Bogga 19
الاسم بمعنى الكلمة المركبة من الهمزة والسين والميم لأن تمسكات الفريقين يشعر بذلك إذ القائلون بأن الاسم عين المسمى تمسكوا بمثل قوله تعالى سبح اسم ربك وقوله تعالى ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم فههنا الاسم والمسمى واحد إذ الحكم لا يناسب إلا المسمى وهذا هو المراد بقولهم الاسم عين المسمى والقائلون بأنا غيره تمسكوا بمثل قوله تعالى فله الأسماء الحسنى فههنا الاسم غير المسمى إذ المفهوم أنه غيره وهذا هو المراد بقولهم الاسم غير المسمى لكن ما ذكروه من التفصيل من أنه قد يكون عينه نحو لفظ الجلالة في الجوامد وأنه قد يكون غيره كالخالق من صفات الأفعال وقد يكون لا عين ولا غير كالعالم من صفات الذات يشعر بأن الخلاف ليس في لفظ الاسم المركب من الهمزة والسين والميم بل ما تصدق عليه تلك الكلمة مثل زيد بالنسبة إلى مدلوله ومسماه وفيه إنه حيث أريد ذلك كيف ساغ الاختلاف بين الأئمة وأجيب بأنا لما كان الاسم كزيد مثلا قد يراد به نفس لفظه كزيد ثلاثي وقد يراد به مدلوله ومسماه كزيد كاتب ورأيت زيدا وقع الاختلاف و ح الخلاف لفظي فمن أطلق أن الاسم عين المسمى ليس في محله وكذا من أطلق أنه غيره بل تارة يكون المراد غيره وتارة عينه فهو راجع إلى قرينة المقال عند الإطلاق فافهم والله أعلم وقوله لدى بالدال المهملة بمعنى عند والبصيرة: نور في القلب يدرك به الأشياء خيرها وشرها ويجمع على بصائر وأما الأبصار فجمع بصر وهو قوة مرتبة في العصبتين المجوفتين اللتين يلتقيان فيفترقان إلى العينين وعمى الأول أشد كما قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور وأراد بأهل البصيرة محققي أهل السنة الإعراب الاسم اسم ليس وغير خبرها وللمسمي متعلق بغير أي ليس الاسم مغاير للمسمى ولدى ظرف مكان وأهل مجرور به والبصيرة مجرور بإضافة أهل إليه وخير افعل تفضيل صفة لأهل وآل مجرور به (وحاصل معنى البيت) إن الاسم ليس مغايرا للمسمى عندنا أي بل هو عينه كما قال شارحوه قال علي القاري ولو قال وإن الاسم عين للمسمى لكان نظامه أسنى وأسمى وفيه نظر وقد علمت ما فيه تنبيه قال بعضهم هل حقيقة ذاته تعالى معلومة للناس الآن قال جماعة من أهل السنة والمعتزلة نعم لأنهم مكلفون بالعلم بوحدانيته وهو متوقف على العلم بحقيقته حتى زعم طائفة منهم أنه كصورة آدم مستدلين بقوله عليه السلام لا تقولوا إن فلانا قبيح فإن الله خلق آدم على صورته وفي رواية رأى رجلا يضرب آخر فقال ذلك ورده المحققون من الفرق الإسلامية وطائفة من غيرهم ونمنع توقف العلم بالوحدانية على العلم به بالحقيقة الذاتية وإنما يتوقف
Bogga 20
العلم بوحدانيته على العلم به بوجه ما وهو عز وجل معلوم بصفاته ومصنوعاته كما أجاب به موسى عليه السلام فرعون لما سئله عن حقيقة ذاته بقوله وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض إلى آخر ما قصه تعالى علينا ولفظة ما يسئل بها عن الماهية غالبا ومولانا لا يتصف بها ولذا قال بعض العلماء إن سئلنا سائل عن الله تعالى ما هو قلنا أن أردت ما اسمه فالله الرحمن الرحيم وإن أردت ما صفته فالسميع البصير وإن أردت ما فعله فخلق المخلوقات ووضع كل شئ في موضعه وإن أردت ما ماهيته فهو متعال عن المثال والجنس وهو الذي يجب اعتقاده والجواب عن الحديث أنا لا نسلم أن الضمير راجع إلى الله تعالى بل إلى فلان وروي أنه عليه السالم رأى رجلا يضرب آخر على وجهه فنهاه عن ذلك وقال إن الله تعالى خلق آدم على صورته أي صورة المضروب ويحتمل أن يكون راجعا إلى آدم وفائدته أنه تعالى خلق آدم على صورته التي شوهد عليها في الدنيا ولم تتغير عند إهباطه من الجنة كما كانت عليها فيها كما غيرت صورة إبليس حين أخرج منها ولئن سلم أنه راجع إلى الله تعالى كما جاء في الخبر أن الله خلق آدم على صورة الرحمن إلا أن الصورة كما تطلق على الصورة المحسوسة كذلك تطلق على مفهوم الشئ وما يختص به في ذاته ولذا قالت الحكماء: العلم حصول صورة الشئ في ذاته وأرادوا بها مفهومه ومعناه فمعنى خلق آدم على صورته أنه خلقه على صفاته من العلم والحكمة والرحمة والكرم والغضب ونحو ذلك فلا يكون حجة على إثبات الصورة المحسوسة على أنه ينبغي إرادة ذلك ويعين أحد ما ذكرنا من الاحتمالات قوله عليه السلام من قال إن لله صورة كصورة آدم فهو كافر نقله ملا رمضان على شرح العقائد قال الناظم رحمه الله 9 وما إن جوهر ربي وجسم * ولا كل وبعض ذو اشتمال ما هنا بمعنى ليس ولم تعمل هنا لعدم ترتب الخبر على الاسم وهو شرط في عملها كما علم في محله ولا يقال أبطل عملها إن الزائدة لأنها اقترنت بخبرها وهو لا يبطل عملها بخلاف ما لو اقترنت باسمها وقيل إن إن هنا لتأكيد المنفي كما قاله الكوفيون ورد بأنا جمع بين متفقي المعنى فالأظهر أنها هنا زائدة أي وما ربنا جوهر والجوهر هو ما يقابل العرض أو هو المحتاج إلى فراغ يشغله أو هو المتحيز أو هو كل ما له حجم أو غير المستغني عن المحل أو القابل للأعراض أو ما له خط في المساحة والجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزى أي لا يقبل الانقسام لا فعلا ولا وهما ولا فرضا وعلى كل فهو الواقع بجهة وقابل
Bogga 21