بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم العلامة مفتي المذاهب رحلة الطلاب نسيج وحده وفريد عصره شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن الشيخ الإمام العالم أبي المفاخر مفلح بن مفرج المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وكان قد صنف هذا الكتاب قبل سنة أربعين وسبعمائة وتوفي ليلة يسفر صباحها عن يوم الخميس ثاني رجب الفرد سنة ثلاث وستين وسبعمائة وله تصانيف باهرة في فنون مشهورة وهذا الكتاب اسمه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر للشيخ مجد الدين بن تيمية تغمده الله برحمته
Bogga 1
= كتاب الطهارة
قوله في المحرر ويتخرج التطهير بإضافة ما دون القلتين فيهما يعنى إذا كان الماء النجس قليلا أو كثيرا فأضيف المطهر إلى كثير نجس فأكثر الأصحاب على أنه لا يطهر وذكر بعضهم تحريجا وبعضهم وجها وبعضهم في بعض مصنفاته وجها وفي بعضها تخريجا وأيا ما كان فأصله مسألة زوال التغير بنفسه وقطع في المستوعب بهذا القول وعلله بأنه لو زال بطول المكث طهر فأولى أن يطهر بزواله بمخالطته لما دون القلتين فخالف في هذه الصورة أكثر الأصحاب كما أنه قطع في الصورة الثانية بما قطع به أكثر الأصحاب في أنه لا يطهر وإن أضيف القليل المطهر إلى قليل نجس وبلغ المجموع قلتين فأكثر الأصحاب أو كثير منهم لم يحك في هذه الصورة خلافا في أنه لا يطهر وأظن منهم الشيخ مجد الدين صاحب المحرر في شرح الهداية وذكر بعضهم لما حال وقوع النجاسة في الصورة الأولى فقد حكى في عموم خبر القلتين بخلاف هذه الصورة وجها وبعضهم تخريجا أنه يطهر إلحاقا وجعلا لكثير بالانضمام كالكثير من غير انضمام وحرروه قياسا فقالوا لأنه ماء كثير غير متغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو وقعت فيه ابتداء وهو كثير ولم تغيره أو زال تغيره بنفسه واحتجوا بخبر القلتين وعلى هذا قد يخرج طهارة قلة نجسة إلى مثلها وقد يفرق بينهما وأظن بعض الأصحاب صرح به والذي نص عليه الإمام أحمد رحمه الله أنه لا تطهر قله نجسة إلى مثلها وذكر في الكافي تخريج طهاررة قلة نجسة إلى مثلها
Bogga 3
قال لما ذكرناه وإنما ذكر الخلاف في القليل المطهر إذا أضيف إلى كثير نجس وهذا فيه نظر واحتج الأصحاب للراجح في المذهب والجواب عن خبر القلتين والاحتجاج به هنا يطول ذكره فليطلب في كلامهم فأما إن لم يبلغ المجموع قلتين فهو نجس وكذا في المحرر فيه إطلاق فإن كان مراده وبلغ المجموع قلتين وردت هذه الصورة على كلامه وإن كان مراده أن التخريج يجري في هذه الصورة أيضا فقال بعضهم يكون التخريج من رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير وفيه نظر لأن التفريع إنما هو على المذهب فأما على رواية إن الماء لا ينجس إلا بالتغيير فلا إشكال والقليل كالكثير فتطهيره بزوال تغيره على أي وجه كان وإضافة ماء إليه قل أو كثر
ويحتمل أن يكون المراد أن الماء مطهر للماء النجس وإن لم يبلغ هذا القدر المخصوص إذا غمره لأنه عين للماء أثر في تطهيرها فأثر وإن لم يبلغ القدر المخصوص كسائر المحال وهذا للماء طهر المحل وأزال النجاسة من غير انفصال فيكون حكمه حكم ما انفصل غير متغير بعد زوال النجاسة لا فارق بينهما إلا الانفصال ولا أثر له هنا لعدم اعتباره كما نقول في الماء الكثير أو في نجاسة الأرض فإنه لا يعتبر في تطهيرها الانفصال
وقولهم ماء لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره أولى إن أرادوا
Bogga 4
لا يدفعها عن نفسه فيما إذا كانت واردة عليه فمسلم وعليه يدل خبر القلتين لكن لا يحصل المقصود وإن أرادوا مطلقا فممنوع ولا يقولون به وحمل كلام صاحب المحرر على هذا أو ما أشبهه أولى لكن يستبعد هذا من جهة أني لم أجد أحدا ذكره فينبغي أن يتأمل هذا وينظر هل قال به أحد أم لا فإن كان قد قيل به فقد لا يبعد حمل كلامه عليه وإن كان هو لم يصرح به
فإن أضيف إلى الماء النجس غير الماء فهل يطهره كلام الأصحاب فيه مشهور وسيأتي كلامه في المحرر في الماء وأنه الذي يطهر الماء النجس لا غيره وأظن أنه لم يحك في إضافة غيره خلافا في شرح الهداية في أنه لا يطهر وهذا ظاهر كلام جماعة من الأصحاب كابن عقيل وهذا متوجه فيما إذا كان الماء النجس قليلا أما إذا كان كثيرا فلا فرق إذا كان لا يستر النجاسة ولا يغير رائحتها وقطع في المستوعب بأن غير الماء لا يطهر الماء النجس
قوله ومن خفى عليه موضع النجاسة غسل ما يستيقن به غسلها أطلق العبارة كغيره ومراده في غير الصحراء قطع بذلك الأصحاب وعن أحمد ما يدل على التحري في غير الصحراء قال إسماعيل بن سعيد سألت أحمد عن المذي يصيب الثوب ولا يعلم مكانه قال إن علم بمكانه غسله وإن أشكل عليه ذلك نضح المكان الذي يظن أنه أصابه أما الصحراء فلا يمكن حفظها
Bogga 5
من النجاسة ولا يمكن غسلها إلا بمشقة شديدة وله أن يصلي فيها بلا تحر في ظاهر كلام الأصحاب وصرح به بعضهم وينبغي أن يستحب مبالغة في تحصيل شرط العبادة قال في الرعاية ويجتنب ما ظن نجاسته وهذا صحيح لأنه كالمتلاعب كما لو أقدم على العبادة ظانا عدم دخول الوقت وكالصلاة والصوم في حق من اشتبهت عليه الأشهر وكذا لو دفع الزكاة إلى من يظن عدم استحقاقه فتبين بخلافه
Bogga 6
قوله وإن اشتبه طاهر بطهور توضأ بكل واحد منهما ثم صلى
Bogga 7
كذا عبر جماعة من الأصحاب وتبعهم وكذا تبعهم في مسألة اشتباه الثياب الطاهرة بالنجسة وهذا الإطلاق يقتضي أن الحكم كذلك مع القدرة على استعمال ماء طهور بيقين أو ثوب طاهر وليس كذلك عنده على ما ذكره في شرح الهداية وكذا لم أجد أحدا من الأصحاب صرح بالقول بمقتضى هذا الإطلاق
ووجه عدم القول به أما في مسألة الثياب فلعدم الجزم بالنية من غير حاجة وأما مسألة الوضوء من الطاهر والطهور عند الاشتباه مع القدرة على استعمال طهور غير مشتبه فإن توضأ وضوءين لم يصح لما تقدم وهو إخلاله بالجزم بالنية من غير حاجة وإن كان وضوءا واحدا غرفة من هذا وغرفة من هذا لكل وضوء إلى كمال الطهارة صح لجزمه بالنية
وتشاغله في خلال الطهارة بما ليس منها بشيء يسير لا يطول الفصل به ولا يؤثر قوله يحرم استقبال القبلة ثم ذكر بعد هذا أنه لا يفعل كذا ولا كذا قد يقال فيه إشعار بأن هذه الأمور غير محرمة لأنه لو أراد التحريم ثم صرح به ولو أوضح حكم ذلك بالتحريم أو الكراهة كان أجود
وبيان ذلك أما استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى فمكروه صرح به المصنف في شرح الهداية وغيره وعن الإمام أحمد لا يكره ذكرها الشريف وقطع في المستوعب بأن إزالة ذلك أفضل وهذا قول ثالث ولعله أقرب
وأما قوله ولا يتكلم فكذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة
Bogga 8
ولم أجد أحدا منهم ذكر التحريم مع أن دليلهم يقتضيه وعن الإمام أحمد ما يدل عليه قال صالح سألت أبي عن الكلام في الخلاء قال يكره وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أحمد عن الكلام في الخلاء قال لا ينبغي له أن يتكلم
قوله ولا يمكث فوق الحاجة كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة وهذه المسألة هي مسألة كشف العورة خلوة لغير حاجة وفيها ثلاث روايات التحريم والكراهة والجواز لكن هنا يتعين نفي الجواز لأمر اختص به هذا الموضع وبه يعرف قوة الكراهة أو التحريم
قوله ولا يستقبل الشمس ولا القمر كذا عبر جماعة وعبر جماعة بالكراهة ولم يذكر بعضهم هذه المسألة مع شهرتها فلعله لم يرها والكراهة تفتقر إلى دليل والأصل عدمه وظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم ولكن شرقوا أو غربوا يدل على عدمها وقطع أبو الفرج الشيرازي المقدسي في كتابه الإيضاح بالتحريم
قوله ولا يبول في شق ولا سرب كذا عبر جماعة وصرح جماعة بالكراهة ولا فرق بين أن يكون فم بالوعة أو غيرها صرح به الأزجي في النهاية وفي الرعاية
Bogga 9
قوله ولا طريق ولا ظل نافع كذا ذكر جماعة وشرط غير واحد في الطريق أن يكون مأتيا ولم يقيد غير واحد الظل بالنفع وصرح في المبهج والكافي والشرح للمقنع وغيرها بالكراهة وصرح في المغنى بالتحريم وقطع به ابن تميم
قوله ولا تحت شجرة مثمرة كذا ذكر جماعة وصرح جماعة بالكراهة وصرح ابن تميم بالتحريم وقطع في المستوعب والنهاية بأنه لا يبول تحت شجرة مثمرة ولا غير مثمرة
Bogga 10
قوله الرابع لمس الرجل للمرأة المرأة للرجل بشهوة فينفضيوضوء اللامس وفي الملموس روايتان أطلق الخلاف ومراده مع الشهوة من
Bogga 13
الملموس لأنه فرع على ما قدمه وهو ظاهر المذهب فإن قيل باعتبار الشهوة من اللامس فهل يلحق الملموس به مع الشهوة فيه روايتان وإن قيل لا تعتبر الشهوة من اللامس لم تعتبر في الملموس وفي إلحاقه به الروايتان ولهذا قال القاضي أبو الحسنين الملموس هل ينتقض وضوءه في الموضع الذي ينتقض فيه وضوء اللامس على روايتين وعن الشافعي كالروايتين انتهى كلامه
أما اعتبار الشهوة من اللامس وعدم اعتبارها من الملموس فلا وجه له لأن غاية حكم الملموس أن يساوي حكم اللامس لأنه فرعه وغاية الفرع مساواته لأصله ولهذا صحح جماعة عدم نقض وضوءه الملموس مطلقا وإن قلنا ينقض وضوء اللامس منهم المصنف في شرح الهداية والأزجي في النهاية وذكر ابن هبيرة أنه أظهر الروايتين ولم أجد أحدا صحح خلاف هذا غير ابن عقيل ومذهب مالك اعتبار الشهوة من الملموس كاللامس فإن وجدت لزمه الوضوء وإلا فلا
قال المصنف ويجب أن تحمل رواية النقض عندنا على ذلك
قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة إذا قلنا بالنقض اعتبرنا الشهوة في المشهور كما نعتبرها في اللامس حتى ينتقض وضوءه إذا وجدت الشهوة فيه دون اللامس ولا ينتقض إذا لم توجد فيه وإن وجدت في اللامس انتهى كلامه
Bogga 14
وقول ابن تميم ولم يعتبر أصحابنا الشهوة في الملموس هذا يجب أن يكون اكتفاء منهم ببيان حكم اللامس وأن الشهوة معتبرة منه وأن من الواضح أن حكم الملموس مفرع عليه لا أنها تعتبر منه وإن اعتبرت من اللامس ولم أجد أحدا صرح بهذا ويؤخذ من كلامه أن الممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه رواية واحدة وصرح به غير واحد وهو مذهب مالك والشافعي مع أن مذهبهما نقض وضوء الملموس كاللامس على أصلهما لأن الملامسة تقتضي المشاركة إلا ما خرج بدليل وهنا ورد بلفظ المس والممسوس لم يمس
ومن أصحابنا من ذكر في الممسوس فرجه وجهين ومنهم من ذكر روايتين وذكر القاضي في شرحه أن مس المرأة لفرج الرجل أو الرجل لفرج المرأة هل هو من قبيل مس النساء أو من قبيل مس الفرج على وجهين والأظهر أنه ينتقض وضوء الماس منهما لفرج الآخر وإن لم يكن بشهوة والممسوس فرجه لا ينتقض وضوءه في ظاهر المذهب إلا أن يكون عليه شهوة ففيه الروايتان
قوله فإن تيقنهما وشك في السابق منهما كان على عكس حاله قبلهما إلا أن يتيقين أسبق فعليهما فيكون على مثل حاله قبلهما هكذا ذكر الأصحاب
Bogga 15
قبله هاتين المسألتين وتبعهم وتكلم عليهما في شرح الهداية كلاما حسنا وهذا كلامه أو معناه
أما المسألة الأولى فصورتها أن يتيقين أنه على طهارة في وقت وزنه أنه محدث في وقت آخر ولا يتيقن ابتدائها فإنه يكون على خلاف حاله قبلهما لأن الحالة السابقة زالت يقينا لمخالفتهما من الحالين المشكوك فيهما وأما الموافقة لها فيحتمل أن تكون هي بعينها وقد استمرت إلى أن زالت بالمخالفة ويحتمل أنه بعد المخالفة بسبب متجدد فحينئذ لا نزيل يقين الحالة المخالفة بأمر مشكوك فيه
مثاله إذا قال أتحقق أني بعد الزوال مرة محدثا ومرة متطهرا ولا أعلم السابق منهما إلى حالة قبل الزوال فإن كان متطهرا فهو الآن محدث لأن تلك الطهارة المتيقنة قبل الزوال زالت بيقين الحدث بعد الزوال وأما الطهارة المتيقنة بعد الزوال فجائز أن تكون هي السابقة وقد استمرت إلى ما بعد الزوال وجائز أن تكون طهارة مستأنفة فلا نزيل يقين الحدث بالشك
وإن قال كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن متطهر لماسبق من الاستدلال
وهذا كما لو علمنا لزيد على عمرو ألف درهم فأقام عمرو بينه بالأداء أو الإبراء فأقام زيد بينة أن عمرا أقر له بألف درهم مطلقا لم تثبت له هذه البينة شيئا لاحتمال أن الألف الذي أقر به هو الأف الذي علمنا وجوبه وقامت البينة ببراءته فلا تشتغل ذمته بالاحتمال وقال الأزجي من أصحابنا المتأخرين في كتاب النهاية له لو قيل إنه يجب عليه الطهارة لكان له وجه لأن يقين الطهارة قد عارضه يقين الحدث وإذا تعارضا سقطا ووجب عليه الوضوء احتياطا
Bogga 16
للصلاة فإنه يكون مؤديا فرضه بيقين والأول أصح فلو لم يعرف ما كان قبلهما لزمه الوضوء لأنه لا بد له من طهارة متيقنة أو مظنونة أو مستصحبة وليس هنا شيء فوجب الوضوء
وأما المسألة الثانية فصورتها أنه ابتدأ نقض الطهارة وفعلها عن حدث في وقت بعينه وشك في السابق منهما رجع إلى حاله قبلهما
مثاله إذا قال فعلت ذلك بيقين بعد الزوال ولا أعلم السابق قلنا ما كنت قبله فإن قال متطهرا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أنه نقض تلك الطهارة ثم توضأ إذ لا يمكن أن يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة ونقض هذه الطهارة الثانية مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك وجعلنا الحدث بين الطهارتين تحقيقا لقوله إذ لو كان بعد الثانية لكانت تجديدا لا يزيله الحدث
فإن قيل بل يمكن ذلك بأن يكون قد أحدث بينهما حدثا آخر وأنسيه قيل الأصل عدم ذلك
وإن قال كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن محدث لأن قوله إنما يتحقق بجعل الطهارة بين الحدثين إذ لو كانت بعد الثاني لم يكن قد نقض طهارة واحتمال طهارة أخرى بين الحدثين لا يبنى عليه لأن الأصل عدم ذلك
وقال الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح الهداية له هذا إذا كان الوقت لا يتسع لهما ولو اتسع الوقت لهما لكانت المسألة بعينها ويصير
Bogga 17
هذا كتعارض البينتين إذا شهدتا بتاريخ واحد سقطتا لأنه لا يمكن العمل بهما انتهى كلامه
والأول أصح وهذه الصورة هي مراد صاحب المحرر وإن كان كلامه يدخل فيه ما لو تيقن فعليهما ولم يتيقن أن الطهارة عن حدث ولا الحدث عن طهارة وهي مسألة فقد الابتداء وهي ثلاث صور
إحداها فقدانه فيهما
مثاله أن يقول أتحقق أني بعد الزوال توضأت وضوءا لا أدري عن حدث كان أو تجديدا وإني أحدثت ولا أدري كنت حين الحدث محدثا أو متطهرا ولا أعلم السابق من الفعلين فهذا يكون على عكس حاله قبل الزوال فإن قال كنت قبل الزوال متطهرا فهو الآن محدث لأن الطهارة السابقة زالت بالحدث يقينا وأما الوضوء الثاني فيحتمل أنه تجديد قبل البول ويحتمل أنه رفع الحدث بعده فلا يزيل الحدث المتيقن بالشك ولو قال كنت قبل الزوال محدثا فهو الآن متطهر لأن الحدث السابق زال يقينا بطهارة متيقنة بعده إما بالوضوء الذي ذكره إن كان رافعا وإما بوضوء تقدمه إن كان تجديدا والحدث المتيقن يحتمل أنه قبل هذه الطهارة ويحتمل أنه بعدها ولا يزيلها بالشك هكذا ذكره الشيخ مجد الدين في شرح الهداية وغيره
وقال في الرعاية ورن جهل فاعلهما حالهما وأسبقهما أو عين لهما وقتا لا يسعهما فهل هو بعدهما كحالة قبلهما أو بضده فيه وجهان وقيل روايتان
Bogga 18
ومسألة جهل فاعلهما حالهما هي هذه الصورة ومسألة تعيين وقت لا يسعهما كلامه في الرعاية فيه إطلاق يدخل فيه تحقق الابتداء وفقدانه ولعل مراده مع تحقق الابتداء فتكون المسألة الثانية التي خالف فيها أبو المعالي
وذكر في المستوعب المسألة الأولى التي خالف فيها الأزجي ثم قال فإن تيقن فعلهما في وقت لا يتسع لهما تعارض هذا اليقين وسقط وكان على حاله قبل ذلك من طهارة أوجدت ولم يزد على ذلك
وأظن أن الشيخ وجيه الدين أخذ اختياره من هذا ونزل كلام من أطلق من الأصحاب عليه
الصورة الثانية أن يفقد الابتداء في فعل الحدث وحده
مثاله أن يقول أتيقن أني بعد الزوال تطهرت عن حدث وأني أحدثت ولا أعلم أني كنت حين الحدث طاهرا أو محدثا وشك في السابق من الفعلين فهذا متطهر سواء كان قبل الزوال محدثا أو متطهرا لأنه إن كان متطهرا قبله فقد زالت طهارته بالحدث الذي تطهر عنه بعد الزوال وإن كان محدثا فطهارة هذه تزيل كل حدث قبلها وأما الحدث المتيقن فيحتمل أنه كان قبل هذه الطهارة ويحتمل أنه بعدها فلا يزيلها بالشك
الصورة الثالثة أن يفقد الابتداء في فعل الطهارة
مثاله إذا قال أتحقق أني بعد الزوال أحدثت حدثا صادف طهارة وأني توضأت وضوءا لا أدري تجديدا كان أو رافعا زاد صاحب الرعاية وعادته التجديد غاليا فإنه يكون محدثا سواء كان قبل الزوال محدثا أو متطهرا للتعليل في الصورة قبلها
قوله ومن قام من نومه فوجد بللا لم يتيقنه منيا لزمه الغسل إلا أن
Bogga 19
يتقدمه لمس وتفكر أو يكون به برد فلا غسل
هذا هو المشهور وعنه لاغسل عليه مطلقا وعنه عكسه كذا ذكر المسألة جماعة
وظاهر هذا أنه لا فرق بين أن يذكر احتلاما أولا وذكر ابن تميم وفي الرعاية رواية أنه إذا تقدمه فكر ونحوه لا غسل عليه وإن ذكر احتلاما وفي شرح العمدة للشيخ تقي الدين رواية أنه لا غسل عليه مطلقا وقطع الشيخ
Bogga 20
مجد الدين في شرح الهداية بأنه يلزمه الغسل إن ذكر احتلاما سواء تقدم نومه فكر أو ملاعبة أولا قال وهو قول عامة العلماء إلا في وجه للشافعية أنه لا يجب تم بحث المسألة
وعلى هذا ظاهر ما في المحرر يحتمل أن يكون مرادا كما صرح به غيره ويحتمل أن يكون مراده إذا لم يتقدمه احتلام جمعا بين كلامه وكلام المتكلم الواحد أو من في حكمه يقيد بعضه بعضا
وقد ذكر الشيخ وجيه الدين أبو المعالي ابن المنجي في شرح الهداية له في هذه المسألة شيئا لم أجد من الأصحاب ذكره قال إن وجد رائحة الطلح
Bogga 21
والعجين فهو منى وإن لم يجد الرائحة ولم يجد بياضا وثخنا فالظاهر أنه ليس بمني قال هو والشيخ موفق الدين وقد توقف الإمام أحمد رحمه الله تعالى في هذه المسألة في مواضع
قوله ومن خاف عطشا على نفسه أو رفقته أو بهائمه حبس الماء وتيمم
Bogga 22
ظاهر كلام جماعة أنه يجوز ذلك وقاسوه على خوف المرض وظاهر كلام الإمام أحمد أنه يحرم عليه استعمال الماء في هذه الصورة قال أبو طالب سألت الإمام أحمد عن الرجل يتيم ومعه الماء القليل وهو يخاف العطش قال نعم يتيمم ولا يتوضأ به وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول إذا خاف على نفسه تيمم وصلى يعين على نفسه قال الله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} قال أبو عبد الله إذا كان معه ماء أو كان معه قليل يخشى على نفسه تيمم وصلى وترك الماء لشفته إذا خاف على نفسه ولا يعيد الصلاة
Bogga 23