النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة
Bog aan la aqoon
[مقدمة المؤلف]
الحمد لله الذي ثبت من يشاء من عباده على الملة السمحة الحنيفية، وأزاغ من أراد عن كل ذي عقيدة ردية، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وخير البرية، وعلى آله وصحبه العدول الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرة الملة المحمدية.
أما بعد، فيقول العبد الفقير إلى مولاه السيد إبراهيم فصيح بن السيد صبغة الله ابن العلامة السيد أسعد صدر الدين المفتي ببغداد والحيدري البغدادي:
هذه رسالة في بيان الأحكام التي وقع الاختلاف فيها بين الله تعالى والشيعة، كما وقع بين سائر المجتهدين من ذوي المقامات الرفيعة، هي غريبة السياق في هذا الباب، لم يسبقني على مثلها أحد من الأصحاب، ألفتها بالتماس بعض أهل
1 / 25
نجد من ذوي الفهم والنقد، وذلك حينما كنت في البصرة. أسأل الله تعالى لطفه والنصر عليها. وسميتها "النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة"، وذلك في كثير من المسائل الدينية.
[النكتة ١]
منها أن الله تعالى قد حكم بأن جميع أفعال العباد من خير وشر مخلوقة له تعالى واقعة بإرادته وقدرته ﷿.
لقوله: ﴿خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾
وقوله: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾
وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾
وقوله: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ﴾
1 / 26
وقوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾
وقوله: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾
وقوله: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾
وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾
وقوله: ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ﴾
وقوله: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
وقوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾
وغير ذلك من الآيات. تعني أن جميع الحسنات بخلق الله تعالى. فما لهم لا يفهمون ذلك! أما العبد فليس له إلا الكسب الذي هو مدار الثواب.
وأما قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ فهو على سبيل الإنكار، والكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري. والتقدير: فما
1 / 27
أصابك إلا الله تعالى، أي كيف تكون هذه التفرقة أمرا واردا على سبيل مجرد السببية ذلك دون الإيجاد والخلق توفيقا بين الكلامين؛ لأنه يمكن تأويل الآية الأخيرة بأحد هذين الوجهين المذكورين ولا يمكن تأويل الأولى، فيتعين حمل الثانية على الأولى دون العكس.
1 / 28
وأما قوله تعالى توبيخا للكفار: ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا﴾
وقوله: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾
وقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾
وقوله: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾
وقوله: ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾
وقوله: ﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾
وقوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
وقوله: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾
وقوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾
وأمثال ذلك من الآيات، فهو محمول على السببية والكسب والجزء الاختياري الذي هو مناط التكليف ومدار الثواب والعقاب؛ لا على الإيجاد والخلق والتأثير، توفيقا بين هذه الآيات السابقة المعارضة لها ظاهرا، لأنه يمكن تأويل هذه الآيات بالحمل على الكسب والجزء الاختياري والسببية. ولا يمكن تأويل الآيات السابقة المصرحة بأن جميع أفعال العبادبخلق الله تعالى بتأويل حسن يقبله العقل المستقيم،
1 / 29
كما أول بعض الشيعة بأن الفعل يجوز أن يسند ما له دخل في الجملة، ولا شك أن الله مبدئ لجميع الكائنات وينتهي إليه الكل، فلهذا السبب جاز إسناد أفعال العباد إليه.
أقول: ولا يخفى عليك أن تأويل الآيات الدالة على أن أفعال العباد بقدرتهم بمثل هذه التأويل أولى أو أحق من تأويل الآيات المصرحة بأن جميع أفعال العباد بخلق الله تعالى بذلك التأويل، محافظة لتوحيد الحالق، ويكفي الكسب في ترتيب الثواب والعقاب، ولا تكفي السببية في توحيد الخالق، على أن نسبة المدخلية في الجملة إلى الله تعالى مع كونه الفاعل الخالق على الإطلاق إنما هو من سوء الأدب: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ بل الحري بأن يكون له مدخل في الفعل إنما هو العبد لكونه كاسبا
1 / 30
وله الجزء الاختياري في فعله لا الخلق والإيجاد والتأثير، إذ لا مؤثر ولا خالق في الوجود سوى الله تعالى، مع أنه إن أراد بمدخلية الله تعالى في أفعال العباد أن أفعالهم صادرة بإرادته تعالى فقد ثبت مطوبنا من أنه لا يمكن صدور شيء في الوجود إلا بإرادته وقدرته تعالى، وإن أراد أفعال العباد حادثة بمجموع قدرة الله تعالى وقدرة العبد لزم القصور في قدرة الله تعالى.
والشيعة خالفوا في ذلك فقالوا إن أفعال العباد صادرة منهم بتأثيرهم وإيجادهم كالمعتزلة.
نعم، توحيد الخالق ليس من الأمور المهمة التي تجب محافظتها
1 / 31
عند الشيعة، لأنهم يعتقدون أن عليا وأولاده ﵃
1 / 32
يتصرفون في الكائنات ويفعلون ما يشاؤون بإرادتهم. بل قال بعضهم: إن عليا كرم الله وجهه هو المقدر للأرزاق، كما قال ابن معتوق الحويزي من شعرائهم -لعنه الله- في مدحه ﵁:
ومعدن العلم مهبط الوحي ** لا بل مقدّر الأرزاق
1 / 33
والرافضة مع مخالفتهم لله تعالى فقد بارزوا الله تعالى بإثبات
1 / 34
قدرة خالقة لهم لقدرته تعالى، والكلام على هذه المسألة بالتفصيل
1 / 35
لا يسعه هذا المختصر. وقد استوفيت البحث في شرحي على رسالة خلق الأعمال، لشيخنا قطب العارفين وغوث المرشدين حضرة مولانا خالد النقشبندي، قدس الله سره وأفاض علينا بره.
[النكتة ٢]
ومنها أن الله تعالى قد ذكر في كلامه القديم أنه تعالى قد أرسل نبينا محمدا ﷺ رحمة للعالمين، لقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾
1 / 36
فصار ما سوى النبي ﷺ في العالمين أقل منزلة عند الله تعالى بالنسبة إليه ﷺ وهو أفضل وأكبر منزلة عنده.
ثم لأنه إذا كان رحمة للعالمين كان العالم في نجاته محتاجا إليه ﷺ بداهة، ولا ريب أن المحتاج إليه أعلى منزلة من المحتاج. وكيف يختلج في قلب مسلم مساواة أحد من الأنبياء ﵈ لنبينا محمد ﷺ، فضلا عن مساواة أحد الأمة المحمدية له ﷺ.
وخالفت الشيعة في ذلك ووقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى؛ لأن من أصول مذهبهم الباطل اعتقاد المساواة في الفضيلة بين النبي ﷺ وعلي وأولاده ﵃، كما هو مقرر في دفاترهم المشحونة بالغلط. وهذا من الأمور المكفرة لهم.
1 / 37
[النكتة ٣]
ومنها أن الله تعالى قد أخبر بأن الصحابة ﵃ المؤمنين قد آمنوا بالرسل عليهم الصلاة والسلام كما هو مقتضى الأمر -وعلي ﵁ من خواص المؤمنين- وذلك بقوله تعالى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا
1 / 38
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾
ومن المعلوم بداهة أن المأمور من الأمة بالإيمان بذات من الأنبياء لابد أن يكون أقل درجة من ذلك النبي عند الله تعالى. والأمر بالإيمان به يدل على علو قدره ورفعة منزلته عند الله تعالى بالنسبة إلى رتبة من أُمر بالإيمان به. ولا ينجو ذلك المأمور إلا بالإيمان بذلك الشخص، لبداهة علو منزلة المتبوع على التابع.
فإذا كان كذلك كما هو بديهي كان علي وأولاده الاثنا عشر ﵃ أقل منزلة بالنسبة إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام، لأنهم مأمورون بالإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام. فبالضرورة يلزم أن يكون كل من علي وأولاده الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أقل منزلة عند الله تعالى من الرسل عليهم الصلاة والسلام بداهة.
وخالفت الرافضة في ذلك، وذهبوا إلى تفضيل علي وأولاده الاثني عشر ﵃ على الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما هو مقرر في دفاترهم المشحونة بالغلط الفاحش. والعياذ بالله تعالى. فقد وقع الخلاف بين الله تعالى والشيعة. وهذه المسألة من
1 / 39
جملة الأمور المكفرة للرافضة بالإجماع.
1 / 40
[النكتة ٤]
ومنها أن الله تعالى قد أخبر باستخلاف الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم مع تمكين دينهم الذي ارتضاه لهم، بقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ
1 / 41
فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
فإن الخطاب للصحابة رضي الله تعالى عنهم، ووعد الله حق. ولم توجد الخلافة على هذه الصفة إلا للخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم. فهي التي وعد الله تعالى بها؛ لأن تمكن الأربعة في دينهم وزهدهم وجهادهم وفتوحاتهم قد بلغت حد التواتر بحيث صار إنكاره مكابرة وتعنتا. فوجب ضرورة أن توجد في جماعة الصحابة عليهم الصلاة والسلامم خلافة لجماعة يتمكن بها الدين. وهي خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم. إذ لا وجود لغير خلافتهم على تلك الصفة بداهة.
وخالفت الشيعة في ذلك وذهبوا إلى عدم صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم وعدم التمكين في الدين. بل ذهبوا إلى تكفيرهم والعياذ بالله تعالى. فإن ادعوا غير الأربعة فمن هم؟ فليبينوا لنا. والله مهما كذبوا لا يجدوا غير الخلفاء الأربعة على تلك الصفة عليهم الصلاة والسلامم.
فقد وقع الخلاف بين الله تعالى والشيعة.
1 / 42
[النكتة ٥]
ومنها أن الله تعالى قد أشار إلى صحة خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بقوله: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ﴾
فإن من المعلوم بداهة أن داعي المخلفين عن القتال إلى القتال لطلب الإسلام في هذه الوقعة ليس هو نبينا محمد ﷺ لقوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ فإن النبي ﷺ قد علم من هذه الآية أنهم لا يتبعونه أبدا، فكيف يدعوهم إلى القتال معه؟ فظهر أن هذه الدعوة حدثت بعد وفاته ﷺ. ولا عليا رضي الله تعالى عنه، لأنه لم يتفق في أيام خلافته قتال لطلب الإسلام، بل لطلب الإمامة ورعاية حقوقها، فلا يكون الداعي للقتال لطلب الإسلام الذي يجب باتباعه الأجر الحسن وبتركه العذاب كما أشار إليه بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا﴾ إلا أحد الخلفاء الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم. وعلى
1 / 43