عنك فخيل البريد. قلت: الحضرة وجُباتها، والمزرعة العظمى ونباتها وأفْتَتحُ الصرائمَ بمحمد بن أبي القاسم. فقال: شيخٌ موقَّرٌ، والمنصِب ما لم يصُنه مُحَقَّر، مُرْعٍ على رُتب الخدمة. قديمُ الاصطناع والنعمة، مؤتمنٌ على الحساب منتسِبٌ للأمانة أتمَّ الانتساب، نبيهُ العَقَار والاكتساب، مُوجِبٌ حقَّ أُولِي الأحْسَاب قلت) بياض (قال فارسُ زِمام، ومتمسك بذمام، ومُصَلٍّ خلف إمام. يناقش ويدقق ويعاود ويحقق، وهو عن الصَّبوح يرقق. فغريمه مُتعَب. مهما عسَّر وصَعَّب، واستوفى واستوعب:
كَعُصْفُورَةٍ في كَفِّ طِفْلٍ يَسُومُهَا ... تَرودُ حِيَاضَ المَوْتِ والطِّفْلُ يَلْعَبُ
وعلى الرتبة الشماء. والخُلُق اللطيفة كالماء، فبينه وبين ابن عمّه ريحانة الكرماء وشهاب الظلماء ما بين الحروف والأسماء، لا بل بين الأرض والسماء:
وقَدْ يُسَمَّى سَماءَ كلُّ مُرْتَفَعٍ ... وإنَّمَا الفَضْلُ حَيْثُ الشَّمْسُ والقَمَرُ
قلت) بياض (قال: خدوم، وقاضي سَدوم، وموجود معدوم، مَخِيلٌ بالنُّبْل، ومحيد عن السُّبْل، ويخلط أرضًا وسماء، ومُسَميّاتٍ وأسماء، يحسَبه الظمآن ماء. قلت: فابن القوار؟ فقال: شختور يسبح، وقصاب يذبح، وتاجر في كل نفس يربح، انسحب عليه القبول من لَدُن صباه، وصاح به الجَدُّ فلبَّاه، شأنه الدهر غمزٌ وإشارة، ونِذارة وبشارة، محظوظ مجدود، عِقْدُ حرصِه مشدود، وهو في الكُفَاةِ معدود. قلت) بياض (؟ قال: فارة، وقضاءٌ وكَفَّارة،) وبَقِيَّةٌ مما ترك آلُ موسى وآلُ هرون (تحت غفارة، وبعوضة في الآذان، تغني عن الاستئذان، وتَطْرُق حتى سُباتِ الإقامة والأذان، قادرٌ على تلفيق الثبوت، وحملِ اليهود على نِسيان السُّبوت، يرى الحكمة خَبِيثَةَ جَيْبِه، ويشتغل بعيُوب الناس عن عيبه. قلت: فابن جَدار؟ قال: ألوفٌ ودود، أنوف عن الخُبْث صَدود، محسوبٌ من الأسرياء معدود، كثير الهشاشة والأريحية، مبذول المشاركة شائع التحية، بادي النُّبلِ والظُّرفِ، مُؤْتَمِرٌ لوَحْيِ الطَّرف، عدةٌ للعدل والصرف، ينظم الأبيات ويوضح من الفضل الغرر والشيات:
عَلَيَكَ بِكاتبٍ لَبِق ذَكِيّ ... أَديبٍ في شَمائِله حَرارة
تُشيرُ لَهُ بِلَحْظِكَ مِنْ بَعِيدٍ ... فَيَفَهم طَرْفَهُ عَنْكَ الإشارة
قلت: فالو إلى الريب؟ فشد خيشومه، واستدفع بيمن الله شومه، ثم قال: الروض الأنف، محتاج إلى الكنف. اعلم أنني على طول تجربتي، وتكرر تشريقتي وتغريبتي، لم أعثر له على شبيه، فلعنة الله عليه وعلى أبيه، الجهل والرعونة، والطلعة الملعونة، والخيانة التي يَعْرِفُها الوجود، واليد التي في غير الخَنَا لا تجود، نار الخيانة التي تأكل في اللحظة الواحدة بجِطامها، وخنجر الأمانة الذي يقد حبالها، المارنُ على النكال والعقاب، المخلُّ بالألقاب، الخاملُ البيت والهمة، الكثيرُ الذَّام القليل الذمة، ولله درُّ أبي محمد العلكوم ذي العارض المركوم حيث يقول:
لأبي الفَضْلِ بن الربيب خِلاَلُ ... شَهِدَتْ بالوفاءِ والفَضلِ فيهِ
ساقِطُ الأصْلِ عاهِرُ الفَرْجِ مُذْ كا ... نَ سَفيهًا قد بَذَّ كُلَّ سَفيهِ
ذي مُحَيَّا مِن الحياءِ عَديمٍ ... وَقَفًا ممتل وشَكل كَريهِ
سُلْحُفَاةٌ قد عُمِّمَتْ وجراز ... في رداءٍ مُوَشَّعٍ يَلْويهِ
يَحمِلُ السَّرْجُ منه دَنَّ رَجِيعٍ ... يَعْرِفُ الناسُ ذَوقَهُ مِنْ فِيهِ
حَجَّرَ اللهُ جُودَهُ ونَدَا كَفّيْ ... هِ إلاَّ عن أَسوْدٍ يَشْفِيهِ
فهو لا يَسْتَكِفُّهُ مِنْ بَلاءٍ ... ومجابي البلاد لا تَكْفِيهِ
قلتُ للنَاسِ والسُّؤَالُ شِفَاءٌ ... وهوَ قِدْمًا شأنُ النبيلُ النَّبيهِ
1 / 42