وردت علي من فئتي التي إليها في مَعْرَك الدهر أتحيز، وبفضل فضلها في الأقدار المشتركة أتميز، سَحَاءة سرت وساءت، وبلغت من القصدين ما شاءت، أطلع بها سيدي صنيعة وده من شكواه على كل عابث في السويداء، موجب اقتحام البيداء، مضرم نار الشفقة في فؤاد لم يبق من صبره إلا القليل، ولا من إيضاح لسانه إلا الأنين والأليل، ونَوًى مدت لغير ضرورة يرضاها الخليل فلا تسأل عن ضنين تطرقت اليد إلى رأس ماله، أو عابد نوزع متقبل أعماله، أو آمل ضويق في فذلكة آماله، لكنني رجحت دليل المفهوم على دليل المنطوق، وعارضت القواعد الموحشة بالفروق، ورأيت الخطّ يبهر والحمد لله ويروق، واللفظ الحسن تُومِضُ في حبره للمعنى الأصيل يروق، فقلت: ارتفع الوَصب، ورد من الصحة المغتصب، وآلة الحس والحركة هي العصب، وإذا أشرق سراج الإدراك دل على سلامة سَليطه، والروح خليط البدن والمرء بخليطه، وعلى ذلك فلا يقنع بليد احتياطي إلا الشرح، ففيه يسكن الظمأ المبرح، وعذرًا عن التكليف فهو محل الاستقصاء والاستفسار والإطناب والإكثار، وزَنْدُ القلق في مثلها أَوْرَى، والشفيق بسوء الظن مُغْرَى، وسيدي هو العمدة التي سلمت لي الأيام فيها، وقالت: حسب آمالك ويكفيها، فكيف لا أشفق، ومن أنفق من عينه فأنا من عيني لا أنفق، والله لا يحبط سعيي في سؤال ولا يخفق، ويرشد إلى شكره على ما وهب منها ويوفق، والسلام الكريم على سيدي البر الوصول، الذي زكت منه الفروع لمّا طابت الأصول، وخلص من وده لابن الخطيب المحصول ورحمة الله.
فراجعني حفظ الله سيادته بما نصه:
متى شئتُ ألفي من علائك كل ما ... يُنيلُ من الآمال خَيْرَ مَنَالِها
كَبُرْءِ اعتلال من دعائك زارني ... وعاداتُ بِرٍّ لم تَرِمْ عن وِصَالِها
أبقى الله ذلك الجلال الأعلى متطولًا بتأكيد البر، مفضلًا بموجبات الحمد والشكر، وَرَدنْني سحاءته المشتملة على معهود تشريفه، وفضله الغنى عن تحريفه متحفيًا في السؤال، عن شرح الحال، ومعلنًا بما تحلى به من كرم الخلال، والشرف العال، والمعظم على ما يسر ذلك الجلال الوزاري الرياسي أجراه الله على أفضل ما عوده، كما أعلى في كل مكرمة يده، ذلك ببركة دعائه الصالح، وحبه المُخيِّم بين الجوانح، والله سبحانه المحمود على نعمه، ومواهب لطفه وكرمه، وهو سبحانه المسؤول أن يمنى لسيدي قرار الخاطر، على ما يسره في الباطن والظاهر، بمن الله وفضله، والسلام الكريم على جلاله الأعلى ورحمة الله. كتبه المعظم الشاكر الداعي الذاكر المحب ابن رضوان وفقه الله، في الثلاثين من ذي الحجة خاتم أحد وستين وسبعمائة.
وخاطبت الفقيه السري أبا عبد الله الكناني وقد صرف عن خطة الأشغال إلى الخدمة بسجلماسة في سبيل إعراض من المقام السلطاني شَعَبَ الله شته ولَمّ شعثه فهو أهل النعمة، ومحل التجاوز عن الهفوة.
أصبحتَ سهمًا من كنانة صائبًا ... يمضي إلى هدف الكمال ونحره
وأبو المكارم جدك الأرضَى الذي استول ... ى على سرِّ الجلال وهجره
ما كان يُدعى بالمكارم كنيةً ... إلا بكونِك ثاوِيًا في ظهره
سيدي الذي لساني مُرْتَهَنُ حمده وجَناني مستودع وده، أقسم بمن فضلك على أبناء جنسك، ومنابت غَرْسِك، وجعل يومك في الفضل مربيًا على أمسك، ما مرَّ يوم إلا ولي فيه لعلاك ذكر وحمد وشكر، وهمٌّ بلقائك وفكر، لِمَا استجلبت من جمال يثير الكلف، وجلال يذكر بمن سلف، ولما تعرفت ما كان من الانصراف وتطويق الاقتراف، وتصحيح المثل في:) الأطراف منازل الأشراف (ارتمضت وما اغتمضتُ ثم شكرتُ الله على نعمه، وتبينت مواقع لطفه بك وكرمه، فإنك والله عرضة لإصابة العين، ووقعها - ونعوذ بالله - ليس بالهين، وكم بين المشوب والمحض وبعض الشر أهون من بعض. ويتفاضل الدهر في العض، ولله عناية ببقاع الأرض، فإن كانت سجلماسة قبل اليوم يجلب منها التبر إلى دار الملك، فقد رد إليها الذهب الإبريز بعد السبك، ولا بد أن يصول الحق على الشك، فتعود الأمور إلى معتادها، وتُحلِلُّكَ العَلياء محل فؤادها، فإِنما هو تَجْميم، ووراه إنعام عميم، ومن الله أسأل أن يصل لك أسباب العز آمنة من الانصرام، ولا يقطع عنك عوارف الإنعام، والسلام.
1 / 35