Noor Al-Shaib wa Hukm Taghyeerihi fi Daw' Al-Kitab wal-Sunnah
نور الشيب وحكم تغييره في ضوء الكتاب والسنة
Daabacaha
مطبعة سفير
Goobta Daabacaadda
الرياض
Noocyada
١٣
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
نور الشيب
وحكم تغييره
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Bog aan la aqoon
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه كلمات مختصرة بيّنت فيها بإيجاز فضل من شاب شيبة في الإسلام، وأوردت الأحاديث التي جاءت تبيّن حكم صبغ الشيب بالسواد، وبالحناء مع الكتم، وبالصفرة، وذكرت بعض أقوال أهل العلم في ذلك؛ ليتبيّن الحق لطالبه؛ وليتضح أنه لا قول لأحد من الناس مع قول رسول الله ﷺ، وأن سنته أحق بالاتباع، ولو خالفها من خالفها، قال الله ﷿: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
1 / 3
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (١).
واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه ﷿ خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلّم على عبده، ورسوله الأمين؛ نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في يوم الثلاثاء الموافق ٢٧/ ٣/١٤١٩هـ
_________
(١) سورة الحشر، الآية: ٧
1 / 4
الأحاديث في نور الشيب، وحكم تغييره كثيرة، منها:
١ - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن النبي ﷺ نهى عن نتف الشيب، وقال: «إنه نور المسلم» (١).
٢ - وعن كعب بن مُرّة ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ شاب شيبةً في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة» (٢).
٣ - وعن عمرو بن عبسة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورًا يوم
_________
(١) الترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في النهي عن نتف الشيب، ٥/ ١٢٥، برقم ٢٨٢١، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب نتف الشيب، ٢/ ١٢٢٦، برقم ٣٧٢١، وأحمد في المسند، ٢/ ١٧٩، ٢٠٧، ٢١٠، ٢١٢،وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي،٢/ ٣٦٩،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٢٤٣.
(٢) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من شاب شيبة في سبيل الله، ٤/ ١٧٢، برقم ١٦٣٤، والنسائي، في كتاب الزينة، باب النهي عن نتف الشيب، ٨/ ١٣٦، برقم ٥٠٦٨، وابن حبان في صحيحه، عن عمر بن الخطاب ﵁، ٧/ ٢٥١، برقم ٢٩٨٣، وأبو داود بنحوه، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، في كتاب الترجّل، بابٌ: في نتف الشيب، ٤/ ٨٥، برقم ٤٢٠٢، وأحمد في المسند، ٤/ ٤١٣، ٢٣٦، ٦/ ٢٠، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ٣/ ٢٤٨، برقم ١٢٤٤، وفي صحيح سنن الترمذي، ٢/ ١٢٦.
1 / 5
القيامة» (١).
٤ - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: «الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجلٌ شيبةً في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة، ورُفِع بها درجة» (٢).
٥ - وعن أبي هريرة ﵁ يرفعه: «لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نورٌ يوم القيامة، ومن شاب شيبة في الإسلام، كُتب له بها حسنة، وحُطّ عنه بها خطيئة، ورُفِع له بها درجة» (٣).
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في هذا المعنى عن أكثر من عشرة من أصحاب النبي ﷺ، وهذه الأحاديث
_________
(١) الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من شاب شيبة في سبيل الله، ٤/ ١٧٢، برقم ١٦٣٥، وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، وأخرجه ابن حبان من حديث أبي نجيح السلمي، ٧/ ٢٥٢، برقم ٢٩٨٤.
(٢) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، ٥/ ٢٠٥، برقم ٦٣٨٧، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٢٤٣. ورواه أبو داود بنحوه، في كتاب الترجل، باب في نتف الشيب، ٤/ ٨٥، برقم ٤٢٠٢.
(٣) ابن حبان في صحيحه ٧/ ٢٥٣، برقم ٢٩٨٥، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ٣/ ٢٤٧، برقم ١٢٤٣.
1 / 6
الخمسة السابقة تبيّن فضل الشيب، وأنه لا يُنتف؛ لأنه نور المسلم، ووقاره؛ لأن الوقار يمنع الشخص عن الغرور والطرب، ويميل إلى الطاعة والتوبة، وتنكسر نفسه عن الشهوات، فيصير ذلك نورًا يسعى بين يديه في ظلمات الحشر إلى أن يدخله الجنة (١).
فالشيب يصير نفسه نورًا يهتدي به صاحبه، ويسعى بين يديه يوم القيامة، والشيب وإن لم يكن من كسب العبد، لكنه إذا كان بسبب من نحو جهاد أو خوف من الله ينزل منزلة سعيه، فيُكره نتف الشيب من نحو: لحية، وشارب، وعنفقة، وحاجب، قال النووي: لو قيل يحرم لم يبعد (٢).
ومن غيّر بالسواد لا يحصل على هذا النور إلاّ أن يتوب أو يعفو الله عنه (٣).
وهذا الشعر الأبيض يؤدي إلى نور الأعمال الصالحة،
_________
(١) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، ٩/ ٢٩٣٤.
(٢) انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي، ٦/ ١٥٦.
(٣) انظر: المرجع السابق، ٦/ ١٥٧.
1 / 7
فيصير نورًا في قبر المسلم، ويسعى بين يديه في ظلمات حشره (١)، ويحصل هذا الفضل بشعرة واحدة بيضاء، تكون ضياء ومخلصًا عن ظلمات الموقف، وشدائده (٢).
وهذا الفضل في هذه الأحاديث يرغِّب المسلم في ترك نتف الشيب، وأعظم من النتف التغيير بالسواد، فقد نهى عنه النبي ﷺ، وحذّر منه.
٦ - فعن جابر بن عبد الله ﵄ قال: أُتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله ﷺ: «غيِّروا هذا بشيء واجتنبوا السواد» (٣)، والثغامة نبت أبيض الزهر، والثمر، شُبِّه بياض الشيب به، وقيل: شجرة تبيضّ كأنها الثلجة، أو كأنها الملح (٤).
وقوله ﷺ: «غيّروا هذا بشيء» أمرٌ بتغيير الشيب، قال
_________
(١) انظر: مرقاة المفاتيح، للملا علي القاري، ٨/ ٢٣٥.
(٢) انظر: تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، للمباركفوري، ٥/ ٢٦١.
(٣) صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب استحباب خضاب الشيب بصفرة أو حمرة وتحريمه بالسواد، ٣/ ١٦٦٣، برقم ٤٢١٢.
(٤) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٥/ ٤١٨.
1 / 8
به جماعة من: الخلفاء، والصحابة، لكن لم يَصِر أحد إلى أنه للوجوب، وإنما هو مستحبٌّ (١).
قال الإمام القرطبي ﵀: «أما قولهم: إن النبي ﷺ لم يخضب فليس بصحيح، بل قد صحّ عنه أنه خضب بالحنّاء، وبالصّفرة» (٢)، ولعل القرطبي ﵀ يشير إلى:
٧ - حديث أبي رمثة ﵁ حيث قال: «أتيت أنا وأبي النبيَّ ﷺ، وكان قد لطّخ لحيته بالحنّاء» (٣).
٨ - وعنه ﵁ قال: «أتيت النبي ﷺ ورأيته قد لطّخ لحيته بالصّفرة» (٤).
_________
(١) المرجع السابق، ٥/ ٤١٨، وسمعت شيخنا العلامة عبد العزيز ابن باز ﵀ أثناء تقريره على الحديث رقم ٥٠٧٣، من سنن النسائي في: ٢١/ ٨/١٤١٨هـ يقول: «الخضاب سنة مؤكدة وليس واجبًا».
(٢) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٥/ ٤١٨.
(٣) النسائي، في كتاب الزينة، باب الخضاب بالحناء والكتم، ٨/ ١٤٠، برقم ٥٠٨٣، وأبو داود، كتاب الترجل، باب في الخضاب، ٤/ ٨٦، برقم ٤٢٠٦، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٣/ ١٠٤٤.
(٤) النسائي، كتاب الزينة، باب الخضاب بالحناء والكتم، ٨/ ١٤٠، برقم ٥٠٨٤، وأبو داود في كتاب الترجل، باب في الخضاب، ٤/ ٨٦، برقم ٤٢٠٨، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٣/ ١٠٤٤، وفي مختصر الشمائل المحمدية، ص٤٠ - ٤١، برقم ٣٦ - ٣٧.
1 / 9
٩ - وعن زيد بن أسلم قال: «رأيت ابن عمر يُصفِّر لحيته، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، تُصفِّر لحيتك بالخلوق؛ قال: إني رأيت رسول الله ﷺ يُصفِّر بها لحيته ولم يكن شيء من الصبغ أحب إليه منها» (١)، وهذا من فعله ﷺ، أما من قوله فقد ثبت عنه أحاديث:
١٠ - فعن أبي ذر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «إن أحسن ما غيرتم به الشيب: الحناءُ والكتم» (٢).
١١ - وعن ابن عباس ﵄ قال: مرَّ على النبي ﷺ رجل قد خضب بالحناء فقال: «ما أحسن هذا؟»، قال: فمر آخر قد خضب بالحناء والكتم فقال: «هذا أحسن من هذا»، قال: فمر آخر قد خضب بالصفرة فقال: «هذا أحسن من هذا كله» (٣).
_________
(١) النسائي، كتاب الزينة، باب الخضاب بالصفرة، ٨/ ١٤٠، برقم ١٠٨٥، وصححه الألباني، في صحيح سنن النسائي، ٣/ ١٠٤٤.
(٢) النسائي، كتاب الزينة، باب الخضاب بالحناء والكتم، ٨/ ١٣٩، برقم ٥٠٧٧ - ٥٠٨٠، ومن حديث عبد الله بن بريدة، برقم ٥٠٨١ - ٥٠٨٢، وأخرجه أبو داود، كتاب الترجل، باب الخضاب، ٤/ ٨٥، برقم ٤٢٠٥.
(٣) أبو داود، كتاب الترجل، باب ما جاء في خضاب الصفرة، ٤/ ٨٦، برقم ٤٢١١، وقال العلامة الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح: «وإسناده جيد»، ٢/ ١٢٦٦.
1 / 10
١٢ - وعن ابن عمر ﵄ قال: «كان النبي ﷺ يلبس النعال السبتية، ويصفِّر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعله» (١).
وسمعت شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀ يقول: «وقد جاء التصفير عن ابن عمر في الصحيحين، ويستثنى من التزعفر: ما كان في اللحية، أو الشارب، أو الرأس» (٢)، وسمعته أيضًا يقول: «والسنة الخضاب بالحناء أو بالصفرة، أو بالحناء والكتم» (٣).
قال الإمام القرطبي ﵀: «وأما الصباغ بالحناء بحتًا، وبالحناء والكتم، فلا ينبغي أن يختلف فيه؛ لصحة
_________
(١) النسائي، كتاب الزينة، باب تصفير اللحية بالورس والزعفران، ٨/ ١٨٦، برقم ٥٢٤٤، وأبو داود، كتاب الترجل، باب ما جاء في خضاب الصفرة، ٤/ ٨٦، برقم ٤٢١٠، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، ٣/ ١٠٦٥، برقم ٤٨٣٩، وصحيح سنن أبي داود، ٢/ ٧٩٢.
(٢) سمعته من سماحته، يوم الأحد بعد المغرب، في جامع الأميرة سارة أثناء شرحه لحديث رقم ٥٢٤٤، من سنن النسائي، بتاريخ ١٠/ ١١/١٤١٨هـ.
(٣) سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم ٥٠٨٥، من سنن النسائي في المكان السابق، بتاريخ ٢٤/ ٨/١٤١٨هـ.
1 / 11
الأحاديث بذلك، غير أنه قد قال بعض العلماء: إن الأمر في ذلك محمول على حالين:
* أحدهما: عادة البلد، فمن كانت عادة موضعه ترك الصبغ فخروجه عن المعتاد شهرة تَقْبُح وتكره.
* وثانيهما: اختلاف حال الناس في شيبهم، فربَّ شيبة نقية هي أجمل بيضاء منها مصبوغة، وبالعكس فمن قبَّحه الخضاب اجتنبه، ومن حسنه استعمله، وللخضاب فائدتان:
إحداهما: تنظيف الشعر مما يتعلق به من الغبار والدخان.
والأخرى: مخالفة أهل الكتاب (١)؛ لقوله ﷺ: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» (٢)، ثم قال ﵀: «ولكن هذا الصباغ بغير السواد، تمسكًا بقوله
_________
(١) انظر: المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٥/ ٤٢٠.
(٢) متفق عليه من حديث أبي هريرة ﵁: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ٤/ ١٧٥، برقم ٣٤٦٢، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب في مخالفة اليهود في الصبغ، ٣/ ٦٣١٦، برقم ٢١٠٣.
1 / 12
ﷺ: «واجتنبوا السواد»، والله أعلم (١)، وقال ﵀: «وقوله ﷺ: «واجتنبوا السواد» أمر باجتناب السواد، وكرهه جماعة منهم: علي بن أبي طالب، ومالك، وهو الظاهر من هذا الحديث، وقد عُلِّلَ ذلك بأنه من باب التدليس على النساء؛ وبأنه سواد في الوجه، فيكره؛ لأنه تشبه بسيما أهل النار» (٢)، ثم ذكر ﵀ جماعة كثيرة من السلف كانوا يخضبون بالسواد، وقال: «ولا أدري عذر هؤلاء عن حديث أبي قحافة ما هو؟ فأقل درجاته الكراهة كما ذهب إليه مالك» (٣).
قلت: أما عذر السلف الذين كانوا يخضبون بالسواد، فيحمل على أنه لم يبلغهم حديث النهي الصريح عن الصبغ بالسواد، والله أعلم. وقال الإمام النووي ﵀: «ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة
_________
(١) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٥/ ٤٢٠.
(٢) المرجع السابق، ٥/ ٤١٩.
(٣) المفهم لِمَا أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٥/ ٤١٩.
1 / 13
بصفرة، أو حمرة، ويحرم خضابه بالسواد على الأصح» (١).
ويؤكد اختيار الإمام النووي ومن سلك مسلكه في تحريم الخضاب بالسواد ما ثبت عن ابن عباس ﵄ أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة» (٢)، وسمعت سماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀ يقول عن هذا الحديث: «إسناده جيد، وهذا يدل على تحريم تغيير الشيب بالسواد، ويقتضي أنه كبيرة؛ لأنه وعيد» (٣).
وقوله ﷺ: «كحواصل الحمام» أي كصدور الحمام في
_________
(١) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٤/ ٣٢٥.
(٢) أبو داود، كتاب الترجل، باب ما جاء في خضاب السواد، ٤/ ٨٧، برقم ٤٢١٢، والنسائي في كتاب الزينة، باب النهي عن الخضاب بالسواد، ٨/ ١٣٨، برقم ٥٠٧٥، وأحمد في المسند، ١/ ٢٧٣، وقال ابن حجر في فتح الباري، ٦/ ٤٩٩: «إسناده قوي»، وصحح إسناده العلامة الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، وقال: على شرط الشيخين، ص٨٤.
(٣) سمعته منه أثناء شرحه لحديث رقم ٥٠٧٥، من سنن النسائي، في جامع الأميرة سارة بالبديعة، بعد مغرب يوم الأحد الموافق ٢١/ ٨/١٤١٨هـ.
1 / 14
الغالب؛ لأن صدور بعض الحمام ليست بسود (١).
ومما يدل على قُبح الخضاب بالسواد ما بيَّنه بعض السلف الذين كانوا يخضبون بالسواد حيث قيل: إنه قال:
نُسَوِّدُ أعلاها وتأبى أصُولُها .. ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل (٢)
وقال الإمام ابن القيم ﵀: «والصواب أن الأحاديث في هذا الباب لا اختلاف بينها بوجه؛ فإن الذي نهى عنه النبي ﷺ من تغيير الشيب أمران:
أحدهما: نتفه.
والثاني: خضابه بالسواد ... والذي أذن فيه: هو صبغه وتغييره بغير السواد: كالحناء والصفرة، وهو الذي عمله الصحابة ﵃ ...
وأما الخضاب بالسواد فكرهه جماعة من أهل العلم، وهو الصواب بلا ريب لِمَا تقدم، وقيل للإمام أحمد: تكره
_________
(١) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، ٩/ ٢٩٣٣، ومرقاة المفاتيح، للملاّ علي القاري، ٨/ ٢٣٢.
(٢) شرح مشكل الآثار، للطحاوي، ٩/ ٣١٤.
1 / 15
الخضاب بالسواد؟ قال: إي والله، وهذه المسألة من المسائل التي حلف عليها ... ورخص فيه آخرون، منهم أصحاب أبي حنيفة، وروي ذلك عن الحسن، والحسين، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن جعفر، وعقبه بن عامر، وفي ثبوته عنهم نظر، ولو ثبت فلا قول لأحد مع رسول الله ﷺ، وسنته أحق بالاتباع، ولو خالفها من خالفها» (١).
ويستخلص من الأحاديث الواردة في الشيب وخضابه ما يأتي:
أولًا: الشيب نور المسلم في الدنيا والآخرة
ثانيًا: المنع من نتف الشيب ثابت عن النبي ﷺ -.
ثالثًا: الشيب تُزاد به الحسنات
رابعًا: الشيب تُرفع به الدرجات
خامسًا: الشيب تُحطّ به الخطايا
سادسًا: تحريم صبغ الشيب بالسواد
_________
(١) تهذيب ابن القيم المطبوع مع معالم السنن للخطابي، ٦/ ١٠٤.
1 / 16
سابعًا: صبغ الشيب بالحناء، أو الصفرة، أو الحناء والكتم سنة مؤكدة
ثامنًا: الحناء: لونه أحمر، والحناء والكتم: لونه بين السواد والحمرة
تاسعًا: من صبغ الشيب بالسواد من السلف فلا دليل له من كتاب ولا سنة
عاشرًا: لا قول لأحد مع قول رسول الله ﷺ كائنًا من كان
الحادي عشر: الشيب له أسباب غير كبر السن، فقد يكون مبكرًا؛ لخوف الله ﷿، أو لغيره من الأسباب، فعن ابن عباس ﵄ قال: قال أبو بكر ﵁: يا رسول الله قد شبت؟ قال: «شيبتني هودٌ، والواقعة، والمرسلات، وعمّ يتساءلون، وإذا الشمس كوِّرت» (١).
وعن أبي جحيفة ﵁، قال: قالوا: يا رسول الله، نراك
_________
(١) الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة الواقعة، ٥/ ٤٠٢، برقم ٣٢٩٧، وحسنه، وصححه الألباني مختصر شمائل الترمذي، ص٤٠، برقم ٣٤.
1 / 17
قد شبت؟ قال: «شيبتني هودٌ وأخواتها» (١)، والله ﷿ الموفق للصواب.
وصلى الله، وسلّم على نبيّنا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
_________
(١) أخرجه الترمذي في الشمائل، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص٤٠، برقم ٣٥.
1 / 18