لماذا لا يكذبون على الوزير أعزه الله
حدثني أبو العباس هبة الله بن محمد بن يوسف ، المعروف بابن المنجم النديم ، وهو أحد بني يحيى بن أبي منصور المنجم ، صاحب المأمون ، ومحل أهله وسلفه وبيته في منادمة الخلفاء والوزراء والأمراء مشهور ، وموضعهم من الكلام والنجوم والعلم والأدب وقول الشعر وتصنيف الكتب في أنواع ذلك المعروف ، ومكانهم من المنزلة في خدمة السلطان وعظم النعمة والحال متعالم ، ومحل أبي العباس في نفسه أشهر من أن يجهل في العلم والأدب وقول الشعر والمعرفة بالجدل والفقه ، وغير ذلك مما يقوم به ، وقد نادم أبا محمد المهلبي رحمه الله ، واختص به ونفق عليه سنين كثيرة ، ومن بعده من الوزراء ، وغيرهم من الرؤساء ، وهو أحد بقايا رجال أهل بيته ، قال : كنت بحضرة أبي مخلد عبد الله بن يحيى الطبري صاحب معز الدولة فجرى ذكر الكرم والكرام ، والجود والأجواد ، وما كانت البرامكة وغيرها تأتيه من الأفضال على الناس ، فأخذ أبو مخلد يدفع هذا ويبطله ، حتى قال : هذه حيل نصبها الشحاذون على دراهم الناس ، لا أصل لها . فقلت له : أيها الشيخ إن قلت ذلك ، فقد قال صاعد مثله ، فأجيب . فقال : ما قال ؟ فقلت له : حكي له جود البرامكة ، فقال : هذا من موضوعات الوراقين وكذبهم ، وكان أبو العيناء حاضرا ، فقال له : فلم لا يكذب على الوزير أعزه الله مثل هذا وهو حي يرجى ويخاف ، وأولئك موتى مأيوس من خيرهم وشرهم مثل هذا الكذاب ؟ قال : فخجل أبو مخلد .
Bogga 5