أيتها السيدات
إذا كان لفئة ما أن تجتمع وتبحث في شؤونها فلا أحق بذلك منا نساء مصر وفتياتها، فإننا على درجة من التأخر تؤلم نفس المتفكر فيها وترجع بالوطن خطوات واسعات عن سبيل التقدم، إن من دلائل تأخرنا أن أكثرنا أخذ يقلد المرأة الغربية بغير نظر إلى موافقة عاداتها للشرع الإسلامي والآداب الشرقية، وبعضنا الآخر ظل على تقاليده القديمة سواء كانت صحيحة أو فاسدة، فما هذا الجمود بمستحسن ولا ذاك الاندفاع بممدوح، وإني شارحة الآن عادات المرأتين في كل أدوار حياتهما، مقارنة إحداهما بالأخرى، مستخلصة من زبدة ذلك ما عسى أن ينفعنا في مستقبل حياتنا.
الدور الأول: المولودة
إن رجالنا الآن عند تبشير إحدانا بالأنثى شديد المشابهة جدا لحال الجاهلية الأولى، ولم أرنا خالفناهم في شيء مما كانوا يفعلون في ذلك إلا الوأد، قال الله تعالى:
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون .
إن الانقباض الذي نظهره عند مستهل الأنثى يحدث في الطفلة إذعانا إلى الذلة ورؤما إلى الضعة، فتشب الفتاة آلفة الفرق العظيم بينها وبين أخيها، فتعتقد في نفسها أنها أحط شأنا وأدنى مرتبة، فلا تطلب من المعالي ما يطلبه أخوها، ولا تنبسط نفسها إلى ما يرفع من شأنها وشأن جنسها، وتضع نفسها حيث يضعها الظالمون من أهلها، وليت شعري! لم نكره ولادة الأنثى وهي نصف الإنسان وأمه وزوجته وابنته؟! ألا يصح أن تكون الفتاة نافعة كالفتى؟! ألا يرجع الفضل في تدبير عيش الرجل لها؟! ألم تكن في كثير من الأحيان سبب سعادته وموضع أمله؟! وكيف نهمل تعاليم ديننا الحنيف في هذه المسألة ويتبعها أكثر الغربيين؟! فإن أممهم - خصوصا الشمالية منها - يتساوى عندها الذكر والأنثى، وقد يملكون عليهم فتاة فيهم من يفضلها علما وتجربة وحذقا، يبرر الظالمون للأنثى جورهم هذا بأن الذكر يحفظ اسم (العائلة) ويرث مالها ولقبها، ولكن كم من والد مات ذكره بموته، وكيف لا والعمل وحده عليه حياة الذكر أو فناؤه؟! هل رفع الله الأنبياء - عليهم السلام - درجات على الناس بأعمالهم أم بأبنائهم، ومنهم من لم يتزوج قط ومنهم من عقه أبناؤه؟! أم كان أبو العلاء المعري أبا ذرية أحيت اسمه وهو الذي يعد الزواج والذرية جناية؟! وهل يغني الولد عن الأبوين شيئا إذا كان لا يخفف حشرجة الموت؟! فالبنت والصبي سيان، قرة عين الوالد في حياته، ولا يدري ماذا يفعلان بعد مماته، وهل إذا ورث الفتى ثروة وبددها يعد حافظا غنى أسرته، أم إذا ولد لأحدهم ذكور ضمن لهم الحياة الخالدة؟!
الدور الثاني: دور الطفولة
في هذا الدور نفضل الصبي عن البنت في أمور شتى، مع أن الغربيين لا يفرقون البتة بينهما، فضلا عن أنهم يوفونهما حقهما من التربية والعناية، ونحن إذا فضلنا الذكر قليلا فلا نزال مقصرين في العناية به، فما بالكن بالأنثى؟! ترضع المرأة الغربية طفلها وتنظفه بنفسها، اللهم إلا فئة العاملات اللاتي يضطرهن الفقر إلى الاشتغال في المصانع والحوانيت وترك أطفالهن في أيدي الأجراء من مربيات الأطفال ومراضعهم، أما نحن فنعد إرضاع أطفالنا عيبا لا يغتفره لنا ادعاء الغنى أو الغنى نفسه! ونفوض أمر نظافتهم للخدم، ونكل ترويضهم وتربيتهم إليهم، وهن من تعلمن من فساد الذوق والجهل القبيح، فيشب أطفالنا أشد حبا لهم أشبه أخلاقا بهم، بينا نجد بيننا وبينهم جفاء وتقاطعا، وكيف تعرف الأم طباع طفلها إذا هي لا تتعرفها بنفسها؟! ولو مرت الأمهات يوما بالمراضع جالسات على حافة الطرق ليراقبن حالتهن الأخلاقية لما تأخرن لحظة عن حماية أطفالهن من جيش المراضع الهازم لمكارم الأخلاق.
أما عنايتنا بصحة أطفالنا فلم تكن بأكثر من عنايتنا بأخلاقهم، فبينا المرأة الغربية تغذو طفلها غذاء خفيفا سريع الهضم، وتحتفظ به من هجمات البرد والحر، تريننا نطعمه أثقل الغذاء ونبادر بإعطائه اللحم وما يتعسر هضمه، فتختل معدة الطفل ويصاب بالإسهال والنزلات المعوية، وقد يفضي به سوء الحالة إلى الموت أخيرا. وكذلك لا نكترث بنظافته لئلا يحسد، ونتركه يلعب به النقيضان: القر والحر، فلا يلبث أن يمرض ولا علاج له عندنا إلا الرقى والتمائم نثقل بها حمائله، وإذا بكى متوجعا نظن بكاءه جوعا فنلقمه الغذاء فوق الغذاء إلى أن يلقى حتفه، هنالك تتهم أمه صاحبتها أو قريبتها بأنها حسدته، وأنفذت فيه سهما من عينيها فتبغضها وتتشاءم من رؤيتها، وإذا ابتدأ الطفل يتكلم ويمشي فأول ما ينطق به عندنا لعنة الآباء والأجداد، ومن الغريب أننا نجعل ذلك منه موضوع ضحك واستحسان؛ فيظن أنه مصيب في قوله فيتمادى في الإكثار منه، وإذا مشى فإننا نحجر عليه أن يمشي إلا وسط الحجر المزدحمة بالأثاث والأواني، فإذا لم يكسر منها شيئا فإنه يتهشم بصدمة أو بوقوع، وإذا تأخر في الخطو قليلا نساعده عليه بالممشاة (المشاية) وهي علة تشويه كبيرة لا نشعر بها؛ ذلك أن عظام الطفل اللينة بإجهادها في المشي قبل قوتها، تلتوي فيشب الطفل أعوج الساقين منحني السلسلة الفقرية أو الصدر، كذلك لا نلتفت لموضع سرير الطفل وتأثير النور في عينيه، فيكثر فينا الحول والعمى، وما أعظم الفرق بين طفلنا الشاحب اللون البذيء اللسان وبين الطفل الغربي الصحيح البدن! فالاعتناء المهذب بالتربية ما أجمله حين يذهب في الصباح والمساء ليقبل والديه وحين يستغفر غيره أيا كان لأقل هفوة أو يشكر له جميلا أسداه إياه، ذلك الطفل الذي إذا حرم تلك القبلة الوالدية لهفوة أتاها فلا تسلن عن حزنه وبكائه إلى أن يتوب، بمثل هذا تعلم المرأة الغربية طفلها أن رضاء الوالدين أعظم نعمة للأولاد وتربي فيه الضمير الحي، والاعتراف بالشكر لمن وجب له، فلا تصغر نفسه بالضرب كما نعود نحن أطفالنا، ما المراد من ضرب الطفل؟ إذا المراد هو نهيه عن إتيان شيء لا نستحسنه لإيذاء جسمه بأنواع التعذيب البدني، فهلا نجد من طرق التأديب النفسية ما يوصل إلى تلك الغاية بغير الشتم والضرب اللذين يصغران همة الطفل ويخفضان من عزته صغيرا ويزيدان تحكمه واستبداده كبيرا؟!
وبقدر ما نعطي الطفل حرية في البذاءة والإتلاف نمنعها إياه في الرياضة المفيدة لنموه، فنمنعه الجري والفسحة ومشاهدة المناظر الطبيعية الجميلة، مع أن الطفل الغربي يعد عضوا مهما في البيت كسائر أعضائه من أب وأم؛ فيذهب به إلى بلاد بعيدة لاستنشاق الهواء واجتلاء المناظر ويفرد له أدوات خاصة لنومه ولعبه وسائر لوازمه ويعامل بالإكرام، ويعود الاستقلال من نعومة أظفاره إلى أن يترعرع، وإذا لحن في كلامه بادرت أمه بتصحيح خطئه والنطق أمامه نطقا صحيحا حتى يحاكيها فيه، أما أطفالنا البائسون فإننا نلثغ لهم لنرضيهم ونكلمهم بلغتهم المشوشة بدل تعليمهم لغتنا العامية لا الفصحى!
Bog aan la aqoon