221

Nil Hayat Nahr

النيل: حياة نهر

Noocyada

ويمضي عامان فيصبح غوردون حاكما لجميع السودان، ويثير من الحقد مثلما أثار بيكر، وكان ملك الزنوج الزبير من القوة ما يستطيع معه أن يطرد ملوك دارفور الذين ظل الملك في آلهم خمسمائة سنة، ولكنه - ككثير من الأفاقين - لم يعرف أن يقاوم رغائب الخديو فانجذب إلى القاهرة حيث منع من العود. ولما أراد غوردون دعوة سليمان بن الزبير - الذي كان دون أبيه قيمة - إلى سلوك سبيل العقل لم يدعه إلى محكمته ولا إلى ضيافته، ولم يوجه إليه كتائب قوية مع مدافع ضخمة، وإنما استفتح التوراة وسار نصرانيا، لا حاكما، ويغامر في الصحراء مع مائتي فارس، ويحث بعيره، ويقطع كل يوم، وبين مرحلة ومرحلة، مائة كيلومتر، حتى يبرز وحده أمام عدوه، ويدخل مخيم الأشرار والزنوج رويدا رويدا متوكلا على الرب وعلى زرده

6

المذهب.

وهل كان من الممكن أن يعرف أناس من الهمج وضعه؟ هم لم يمسوه بسوء، ووعد سليمان بمعاقبة المذنبين. ولما أدرك الحرس غوردون دعوا إلى وليمة، وخيل إلى غوردون أن الحق ومقامه العالي انتصرا على الرذيلة. وما كاد غوردون ينصرف حتى عاد كل شيء إلى ما كان عليه، وهنالك أرسل الإيطالي الباسل جسي مع جيش حقيقي، لا مع زرد مذهب، فغلب جسي سليمان وقتله، وهنالك حرر الزنوج الذين لم يعتموا أن عتوا،

7

وطرد العرب الذين منوا

8

بالبطالة وملئوا غيظا وانتشروا في جميع المنطقة، وكان التحول مفاجئا إلى الغاية، وتلاشى النخاسون وتلاشت النخاسة من غير إلغاء للسبب، وقد نشأ عن مقاصد أولئك الرجال الرائعة إثارة جميع من يقبض في السودان على المال والسلطان ضد الحكومة المصرية التي أحالت سلطتها إلى هؤلاء الأوروبيين.

ويغادر غوردون السودان مغاضبا كما صنع بيكر منذ سبع سنين، ويضع مواهبه وخدمه تحت تصرف إنكلترة، ويترك غوردون البلاد بعد إصلاحات عشر سنين على السنة البريطانية، وما حدث من مكافحة العرب النوبيين في سبيل السود فقد ضاعف الفوضى بدلا من تنظيم البلاد وإمتاعها بالسلم. والسودانيون - مع السنين - يمقتون بالتدريج حكومة خلعت الملوك المحليين لتتمتع بأطايب النعم عند مصب النيل هنالك بفضل مظالم الباشوات. وكان الأغنياء يتفقون على الإفلات من الضرائب وعلى الإثراء بتجارة العاج والرقيق، وكان الفقراء لا يعرفون شيئا غير كون هؤلاء الكلاب النصارى يطالبون الخديو المديون بإبطال النخاسة، وكان ما في سبب تحريرهم من دنس يكفي لاحترازهم. وقد حظرت الحكومة المصرية على التجار بيع الشمع، وريش النعام، وجلد بقر الماء، والببغاوات، والعاج على الخصوص، محتكرة هذه الأشياء.

وكان جنود الخديو، إذا ما بلغوا واحة، يعسكرون فيها على حساب البدوي إلى أن يؤدي ما عليه، فإذا رفض ذلك ربط بنخلة أو جر إلى مجرى جاف حتى تأتي زوجه بمال أو أنعام. وعلى هذه الأساليب كانت تقوم أجرة الجندي الذي لا يدفع إليه راتب في سنوات وجعل رئيس القبيلة الذي يطالب بأكثر مما يطلب الجندي منه. وكان شباه الأعراب يتركون غلاتهم ويفرون مع أنعامهم إلى سهب منيع، وكان الفلاح المكلف بضريبة على حقله وعن كل واحد من أفراد أسرته يدع أرضه بورا ويتوجه نحو منابع النيل الأبيض ويقطع طرقا أو يبيع رقيقا، ويؤخذ من كل شيء خرج، يؤخذ من الناعورة التي هي مصدر الحياة في شواطئ النيل، ومن النخلة ولو عطلت من الثمر، ومن ختان الأولاد، ويعاد إلى الخرطوم باشا عابد للذهب كان غوردون قد عزله وكان يسير على غرار أسلافه، وينصب هذا الباشا مدفعا ويسميه قاضيا، فكان كل من يعاسره يقاد إلى هذا القاضي ويربط أمام فوهته ويمزق إربا إربا بقذيفة تطلق منه.

Bog aan la aqoon