من السكر قاصدة إنكلترة، وهو ضرب من العمالقة ذو رئتين وعينين وعضلات تقاوم كل ابتلاء، وسيلان كانت أول ما ذهب إليه لصيد النمر، وهو عندما نشر قصة ذلك لم يشك أحد في صحة مآثره القريبة من الخيال، ويبدو هنالك نصف عار، ويبدو حاملا رمحا، فيلقي في النفس انطباع الرجل الفطري، ويدرك أمر احتياجه إلى «مدفعية بنادق».
وليست القسوة من سجيته، فكانت الحيوانات والأولاد أشد ما يحب ويفهم، وقد ربى عبدا صغيرا ودب اليأس في نفسه عندما فقد ثلاثة من أولاده في ثلاثة أعوام، وكان غضوبا مع سرعة رضا، وكان متجبرا مع كرم وقرى، وكان مستقلا بفضل ما ورثه من ثروة، وكان يطفح صحة فيلوح أنه خلق للمغامرات، والحرب هي التي كان يحتاج إليها.
ويصل إلى ميدان القرم الحربي متأخرا، ويجد بعد موت زوجه الأولى هنالك، شريكة حياته التي تصلح له، يجد حسناء مجرية يصطاد الدببة معها في آسية الصغرى، ويستحوذ السأم عليه بسرعة، وكان صيادو الإنكليز ومغامروهم في ذلك الدور؛ أي حوالي سنة 1861، لا يحلمون بغير النيل حيث الفيول والأسود التي تختلف عما في سيلان، وحيث لا حد لأراضي الصيد، وكان يوجد في ذلك الحين أمر يقيم العالم الغربي ويقعده، كان يوجد عمل يتطلب إنجازا، كان يوجد جهاد يتطلب جميع الجهود، كان يوجد كفاح ضد الرق؛ فالحرية والإنسانية والمجد أمور كانت هنالك.
ويبذل بيكر جهود بطولة ويجاهد بيكر ويعاني ضروب الحرمان مدة ثلاث سنين، وترافقه زوجه في أثناء ذلك على الدوام، ويكتشف منبع النيل الثاني، يكتشف بحيرة ألبرت، ويعم خبر مجد صائد الآساد صموئيل أرجاء جميع أفريقية الشرقية.
ويعود محب الزنوج الشهير ذلك موظفا كبيرا بعد خمسة أعوام، ويكون عرضة للحقد وسوء الظن. ولماذا يأتي ليكدر صفو تجار الرقيق؟ ومن ذا الذي أذن لهذا النصراني في التعرض لتعاليم القرآن التي يبيع المسلم تحت ستارها وثنيي الزنوج؟ وما هي علاقة حرب النصارى الأمريكيين ب «مسلمي أفريقية» الذين كانوا يبيعون كل واحد من عبيدهم بخمسة جنيهات؟ والحرب الطويلة بين الشمال والجنوب بأمريكة كانت تثبت مع ذلك ضرورة نظام الرق ورضا الرب عنه. وماذا كان في النيل الأعلى معنى البزة الرسمية الزاهية التي أنعم الخديو بها على بيكر في القاهرة؟
ومن المحتمل أن يكون بيكر قد وضع في نفسه هذه الأسئلة في أقتم الأوقات، ويأتي صائد الآساد والأفيال لذبح الأفعى العظيمة التي تهلك منطقة النيل الأعلى تلك، يأتي للقضاء على تجارة الرقيق، لا على الرق، ويهزأ بيكر بتبجح جمعيات مكافحة الرق في إنكلترة، ويوجه إليها سهام اللوم بقوله: إن على أعضائها أن يعنوا في بدء الأمر بآلام إخوانهم في مناجم الفحم.
وكان بيكر يحب الزنوج ولا يحسن الظن بالعرب، شأن جميع من خلفوه، ولكنه كان لا يحب العبد كحب تولستوي
4
له، ولكنه كان لا يريد تحريره كما كان لنكولن
5
Bog aan la aqoon