216

Nil Hayat Nahr

النيل: حياة نهر

Noocyada

ولا يبدأ تاريخ السودان إلا بالحملات التي وجهها إليه محمد علي بين سنة 1820 وسنة 1840. وقد دفع هذا الرجل الممتاز ثمن إقدامه غاليا، فقد أخضع ابنه البالغ من العمر اثنتين وعشرين سنة قبائل السود حتى الدرجة الحادية عشرة من العرض فوقع في شرك؛ وذلك أنه طلب في شندي - الواقعة على النيل في شمال الخرطوم - من الملك نمر ألف بقرة وألف أمة فتاة وألفا من الإبل والضأن والمعز وألف حمل بعير من الحبوب، وألف حمل بعير من التبن.

وينحني الملك ويقول: «إن حسابكم هو من البساطة ما يوجب العجب، ويظهر أن الألف هو الرقم الذي تعرفونه.» ولما جمع كل شيء وكدس التبن حول المعسكر دعا الملك الغزاة إلى وليمة، ويتوارى الملك في ختامها ويحرق التبن، ويهلك الفاتح الفتى هو وضباطه بين اللهب، ويعقب ذلك انتقام هائل فقد أحرقت شندي وذبح ألف امرأة وولد على ضفاف النيل، ويوفق الملك نمر وحده للفرار إلى الصحراء.

وأعانت تلك الحملات على اكتشافات مع ما تخللها من فظائع، كأن ترسل إلى القاهرة آذان الأسارى، وكأن يعد ملك في سنار كبد الإنسان مع الجعة طعامه المفضل. وكانت الخرطوم تقام، وكانت تسير قوارب خفيفة إلى الدنكا الذين لم يصل إليهم أحد من قبل، ويذهب محمد علي إلى السودان بنفسه، ويخلد نفسه هنالك بابتكاره أسلوبا جديدا في جباية الضرائب، وذلك بتعليقه بشجرة في كل قرية كيسا محتويا بعر بعير آمرا بأن تدفع كل قرية تاليرات بعدد ما في الكيس من بعرات.

وأخيرا تسود السلم فيما يمكن أن يرقب من نواحي البلد، وتتمتع هذه النواحي بسكون المقابر، ويسير اللصوص على أثر الرواد في الجنوب كما يقع في كل زمان، كما يقع حتى الآن، ويبدأ ارتياد تلك البقاع بلا حرس، ويتجه خلف العلماء تجار من ذوي الجشع نحو منبع النيل، ويوغل المبشرون في السهب ويضطرون إلى الرجوع.

وتغدو أفريقية لدى البابا «وكالة»، ولدى قنصل سردينية «قاعدة». ويلاقي التجار والأشرار المصريون رهبانا نمسويين، ويحاول هؤلاء أن يكسبوا الزنجي ليسوع، ويحاول أولئك أن ينالوا عاجا، وتخفي دول في أوروبة ما تضمر من مقاصد وراء رسالة نبي، وتعتمد دول أخرى على رسالة نبي تسويغا لاصطياد العبيد، وفي تلك المجاهل يثير جميع ذلك حقد النوبي على النصراني، ويثير عطف النصراني على الزنجي.

وتمضي ثلاثون سنة أو أربعون سنة فيقاوم تجار الرقيق في قصورهم إسماعيل باشا الذي هو حفيد محمد علي، ولا يدفعون من الضرائب إلا بالمقدار الذي يناسب كتائبهم الشخصية، وعلى ما كان يساور إسماعيل باشا من أطيب النيات تقصر يده بسبب أعدائه وديونه، ويكون أول مصري يطلب من أجنبي أن يسرع إلى مساعدته في السودان، ويعض هذا الحاكم على الأمر بالنواجذ كحاكم وكنصراني وكإنكليزي، ونواجذ هذا الأجنبي كانت غاية في المتانة.

وكان صموئيل بيكر في الأربعين من عمره حينما حفزه نشاطه إلى قصد أفريقية، وكان بيكر هذا - حتى ذلك الحين - صائدا عنيدا في سيلان وجوابا وثابا في العالم، وكان هذا ممازجا لدمه، ولا عجب، فقد كان منذ صباه يبصر سفن أبيه ذات القلوع

2

تغادر جمايكا مع شحن

3

Bog aan la aqoon