8
ويتصيد الباز ما يصل إليه من الطير، وكل شيء يهرب من السهب أرسالا.
9
والبدوي وحده ينظر إلى الحريق بعين الرضا، فقد تطهر مرجه.
الفصل الرابع
إذا لم نتقيد بحرفية مثل نطق به عالم عربي قديم أمكننا أن نذهب معه إلى أن النيل يجري أربعة أشهر من الصحراء (الغاب البكر والجبال والمناقع)، ويجري شهرين من بلد الزنوج وشهرا واحدا من دار الإسلام.
والمثل العربي يقول: «ضحك الرحمن حينما صنع السودان»، ونسأل في أنفسنا عن قسم السودان الذي ضحك من أجله؛ وذلك لأن السودان عالم قائم بنفسه يشتمل على نواح كئيبة وأخرى زاهرة، والسودان يمتد من الغابة الاستوائية إلى الصحراء ومن خلال أفريقية الشمالية الشرقية، والسودان يعدل فرنسة خمس مرات مساحة، ويشتمل على ستة ملايين من الآدميين، وللنيل والمطر في السودان طابع مختلف أشد الاختلاف، وفي الجنوب يرتفع السودان ألف متر، ثم يهبط رويدا رويدا ليغدو بلد تلال وسهل خلا منطقة دارفور البركانية. وتحف الجبال حول السودان من الجنوب والشرق وجزء من الغرب، ويرتفع السودان نحو الشرق؛ أي نحو الحبشة، ويخضع لحكم الأمطار في أدوار مختلفة على حسب الارتفاع؛ ولذا لا تجد في السودان أية مطابقة في الحيوان والنبات والإنسان.
وينزل من الماء متر في منطقة المناقع سنويا، وينزل من الماء متر ونصف متر في الخرطوم سنويا، ولا ينزل ماء فيما بين الدرجة الثامنة عشرة من العرض الشمالي والقاهرة؛ أي بعد بربر تقريبا، وفي جنوب دائرة السرطان، وعلى عرض الخرطوم، حيث سمت الشمس يقف الرياح الموسمية وحيث الهواء الصاعد يبرد الأحر، ينزل المطر بين يونيو وأغسطس لتقدم ذلك السمت وتأخره إلى أقصى حد في تلك الأثناء.
وتلك هي أمطار صيف خفيفة تنبت الكلأ والطرفاء والعليق والسنط، وفي الجنوب؛ أي على مسافة كثيرة البعد من دائرة السرطان، يكون للأمطار موسمان غير منفصل أحدهما عن الآخر انفصالا بينا، ويكون الجفاف تاما بين مايو وأغسطس، وفي شهر سبتمبر تجفف الشمس ما في الأرض من بلل فيخيل إلى الإنسان أنه في حمام تركية.
وليست بلاد النوبة غير جزء من السودان يمتد من الخرطوم إلى أسوان تقريبا، وتمتد نوبية العليا التابعة للسودان حتى وادي حلفا، والدول الأوروبية هي التي عينت الحد الغربي لاشتمال الصحراء على جميع القارة من هذه الجهة، وتستر الرياح والرمال ما غرز من الأوتاد على مسافات طويلة فصلا للأملاك الإنكليزية عن الأملاك الفرنسية في عالم الصحراء الواحد.
Bog aan la aqoon