وتلقي قوارب أخرى مراسيها بالقرب من جزيرات صخرية في البحر الأحمر، وتسلم حملها إلى قارب آخر ينقله إلى الحجاز، ولا يوجد للنخاسة سوق في جدة، ومثل هذه السوق موجود في مكة حيث يؤتى بمئات من العبيد على أنهم من الحجاج، وتعلم جمعية الأمم ذلك وتنظم تقارير فرنسية رائعة في سنة 1930 موكدة خبر ذلك، وتطلع جميع السلطات على حقيقة ذلك، ويعرف جميع القناصل في الساحل أسماء النخاسين، وهؤلاء لا يأخذون من المشتري زيادة على ثمن المبيع، ولكنك ترى في كل مكان سماسرة كثيري السخاء يدفعون نحو 120 جنيها ثمنا للغلام الجميل البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة أو البنت البالغة من العمر أربع عشرة سنة، ويبدو ثمن المرأة الحبلى التي قد تعود جميلة بعد الوضع أرخص من ذلك لاتباع الولد للمشترى من غير زيادة في الثمن.
وكانت أسواق النخاسة علنية في أديس أبيبا حتى سنة 1913، والآن تقوم المستودعات مقامها في هرر على الخصوص، وهذه المستودعات تابعة للنجاشي رأسا، وهنالك قرى بأسرها تعيش بالنقود التي تدفع ثمنا لسكوتها، ولها أفانين من المعاملات مع رؤساء القوافل، ولا يبدو الخطر إلا بين الاختطاف ومجاوزة الصحراء، ويتخذ جميع المنازل مخابئ مع جباب
3
ينام فيها الأسرى وتظل مستورة حتى يسار إلى البحر، وفي الساعة الحاضرة - كما في الماضي - ترى الطرق الصحراوية مرصعة بجثث أناس هلكوا عن ضنى ونصب، ويروى أن نصف الأسرى يموتون مقدما بسبب الخصاء الذي يتم بقذارة ومن غير طبيب.
وما وجه من مغاز إلى الغرب والجنوب؛ أي نحو كينية والسودان، فقد نبهت السلطات الإنكليزية إليه من غير أن تقدر على منعه في كل وقت، ويجد الأحباش هذه الغزوات أمرا طبيعيا، وعند الأحباش أن هذه الغزوات تنطوي على معنى التعويض عن فرار عبيدهم إلى ما وراء الحدود ما دام الإنكليز والطلاينة لا يعيدونهم إليهم، ويحسن موظفو الإنكليز في القضارف - البعيدة من الحدود 130 كيلومترا - قبول هؤلاء الفارين، ويجدون لهم عملا ولنسائهم أزواجا.
بيد أن أصحاب العبيد يرون الضر قد مسهم، فيرسلون من يطالب برد بضاعتهم إليهم، وإليك نص أحد الكتب التي يخاطبون بها الموظف البريطاني في الحدود:
نسأل الله أن يلهمك العدل! إن الحكومة هي حامية الفقراء وحارسة أموالهم، وقد فر جميع العبيد في منطقتنا إلى القصارف، فأدى ذلك إلى خراب بيوتنا نحن المساكين الذين لا يقدرون على العمل بلا عبيد، وإليك أبعث ابني لتساعده في الموضوع، وإني لك من الشاكرين ألف مرة.
4
الفصل الثاني عشر
بلغ النيل الأزرق سهل السودان، ويتجه إلى الشمال الغربي، يتجه إلى هدف غير معروف، وتنتهي مغامرات العقيق، ولا تحميه الصخور والغابات، ويجري من خلال السهب الخانق ويهدأ، ولا يزال من الفتاء ما يحتمل معه السفن، ويكون في الرصيرص؛ أي على 650 كيلومترا من الملتقى، من شدة العمق والاتساع ما تزيد به مقاومته، وتعلوه باخرة بيضاء، ويحمل النيل النفور الجموح حملا، ومع ذلك تراه - بمجراه السريع ولونه الداجن وما يجر من غرين - يمتاز من أخيه الساكن مع تماثل في المظهر.
Bog aan la aqoon