ويشعر نجاشي الحبشة وبطركها بخطر الكفرة فيذكر نصرانيته فيستصرخ البابا، ويكتفي البابا بإرسال كتاب باللغة اللاتينية إليه لم يقدر أحد في الحبشة على قراءته، وبمنح هؤلاء الزنوج الأتقياء كنيسة في رومة لم تنفك تسمى سان ستيفانو دي موري منذ ثمانية قرون، ويعرف حجاج من الأحباش في القدس بعد مدة أن ملك البرتغال هو أقوى ملوك النصرانية، فلما أتى بلاطه وفد حبشي بهي ولى هؤلاء الزنوج - الذين لم يعتقد نصرانيتهم - ظهره، فهذا هو الجهل السائد حول الأحباش بعد منحهم كنيستهم في رومة بثلاثمائة سنة.
ووقع بعد قرن فقط تعانق الإخوان في يسوع المسيح ووعد القوي بمساعدة الضعيف، وكان البرتغاليون قد علموا أن ذلك القطر الافتراضي ذو أرض ثلثها من تراب وثلثاها من ذهب فضلا عن احتوائه عبيدا وعاجا كما يراد، وعلى ما وجده الملك من مبالغة في ذلك ظن أن العكس هو الصحيح فأمل - على ما يحتمل - أن يكون ثلث الأرض من ذهب وثلثاها من تراب، والمغامرة تكلف البرتغاليين ثمنا غاليا في بدء الأمر، فلما خفوا لنصر ملك البحر الأحمر على العرب الآتين من مصر والسادة لنصف الحبشة الذي أكرهوه على الإسلام غلب ابن فاسكودوغاما، غلب هذا الفارس الذي هو من أنبل فرسانهم، وعذب وقطع قاهره رأسه بيده وخصي جميع أسارى النصارى، وحدث هذا سنة 1541، وكان لا بد من مرور قرون قبل أن ينتقم أحد ملوك النصارى وفق سنة الثأر، وينتصر البرتغاليون بعد عامين ويعيدون الملك الحبشي إلى عرشه، وكيف يبدي الملك كلوديوس شكرانه الآن؟
عزم على انتحال المذهب الكاثوليكي الروماني فأثار بذلك منازعات جديدة، واستقر البرتغاليون بالبلد مع علماء وتجار، وكان من عادة الملوك السابقين ألا يدعوا السفراء يعودون وأن يغمروهم بضروب الثراء والنساء لما يبدونه من حسن النصح، وأن يبقوهم أسرى بمثل هذه المغريات، وفي هذه المرة أقام البرتغاليون في شمال بحيرة طانة مدينة غندار وحصنها مع أبراج مدورة ضخمة وأسوار مهمة كأسوار طليطلة؛ أي أنشئوا الأثر الوحيد الذي تركه الأوروبيون خارج أديس أبيبا بين الأكواخ الزنجية في تلك المملكة.
وكأنه قدر على ذلك البلد الجبلي أن يفك بالمنازعات الدينية التي تقضمه كما يفك بالمطر والنيل، ومن اليسوعيين الرومانيين أناس أرسلهم البابا لم يألوا جهدا في توطيد سلطانهم هنالك، وفي عتبة العالم النصراني وبين شباه الزنوج تبصر الصراع حول تعاليم يسوع قد ثار حين ثار في أوروبة وبمثل الحميا التي هاج فيها لدى الأوروبيين، ولما عاد المسلمون لا يهددون النصارى عزم النصارى على التذابح، ولم يتقاتل رؤساء القبائل العربية اليهودية أولئك مع أن معابدهم كانت من أكواخ وكانت طقوسهم قائمة على الطبل والنداء؟
المسيح ممسوح بالروح القدس، ولكنه لا يحتاج إلى ذلك! وكان الخصوم يصرخون قائلين: هذا ضلال! وإنما يجمع هذا المسح بين طبيعتيه، وآخرون يصيحون قائلين: هذا أعظم بهتان! ولا يتم فداء البشر على يد المخلص إلا بالروح القدس، وفي الحين بعد الحين تتفق هذه المذاهب الثلاثة على القول بأعلى صوت: اقتلوا اليهود! وذلك على أن تعود إلى سابق انقسامها.
وفي سنة 1630، حينما كانوا غوستاف أدولف وفلنشتاين وتيلي يحولون النصارى بمدافعهم، كان قساوسة الأقباط والكاثوليك بالحبشة يسلحون رعاياهم بالسيوف والرماح نصرا لمثل ذلك المذهب.
وخرت المملكة في أثناء اصطراع المذاهب ذلك كما حدث في ألمانية وقتئذ، فمن الجنوب أتى الغلا الوثنيون الذين هم مزيج من الزنوج والحاميين والعرب واستولوا على البلاد، وتنقل العاصمة بلا انقطاع في أثناء الفتن وتغيير الملوك، وصار نجاشي غندار لا يتمتع بغير سلطان صوري، وكان كل أمير يسيطر بالقوة أكثر مما بالعقل، وتحل سنة 1850 فيضع مغامر حدا لتلك الفوضى التي دامت قرنين، فقد تلقب كاسا الذي كان رئيسا لعصابات، كأبطال أوميرس وكالطغاة المعاصرين، ب «نيجوس نيجستي»،
4
وحمل في الوقت نفسه اسم تيودور.
وكان هذا القمص النصراني في بدء أمره يبيع الكسو
Bog aan la aqoon