كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة تأليف عبد الرحمن بن نصر الشيزري قام على نشره السيد الباز العريني مدرس بمدرسة الخديو إسماعيل الثانوية بإشراف محمد مصطفى زيادة أستاذ تاريخ العصور الوسطى بجامعة فؤاد الأول القاهرة مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر (١٣٦٥ - ١٩٤٦)

المقدمة / 1

تصدير لكتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيزري يُخيَّل إليّ أنَّ التاريخ الاجتماعي، وهو طورٌ لا ريب جديد في مدارج البحث التاريخي، سيصبح عما قريب هو النوع الوحيد الذي تصحّ تسميته تاريخًا عند الإطلاق؛ وسيتعين على المؤرخين آنذاك في المستقبل أن يسمّوا ما عدا هذا النوع من الأبحاث التاريخية بأسماء مركبة، فيقولون التاريخ السياسي، والتاريخ الدستوري، والتاريخ الاقتصادي، والتاريخ الحربي، وهَلُمَّ جرّا. ولست أرتجل هذه الفكرة حبًا في الطلوع برأي غير مألوف، كما أني لست ألقى القول جزافًا رغبة في التفرّد بجديد؛ فالتاريخ عنده فيلسوف المؤرخين ابن خلدون بحثٌ "في أحوال العمران والتمدين، وما يعرض فيه للاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية .... ". والتاريخ الاجتماعي في صورته الحاضرة، وإنْ اقتصر على التعريف بطرق الحياة عند الفرد والجماعة، وعلى شرح وسائل الكسب والمعيشة اليومية، ووصفِ المجتمع في تقدّمه وتأخّره، إنما يوضّح في الواقع آثار الملوك في ممالكهم، وينوّه بالرؤساء والزعماء السياسيين وقادة الفكر في عصورهم المختلفة؛ وهو يفسّر كذلك أسرار قيام الدول وسقوطها، وتعاقبَ الملوك وتوارثَ العروش، واشتعال الحروب وخمودها، وانعقاد المؤامرات وانصرامها، لأنّ واحدًا من هذه الأشياء لا يمكن أن يتأتى إلا نتيجة لما بالمجتمع من عوامل ومؤثرات ظاهرة وباطنة. ذلك أنّ الدولة التي تستطيع النموّ والتوسّع - اقتصاديا أو حربيًا - لا بدّ أن تستمد استطاعتها هذه من مجتمع قادر على النموّ والتوسّع، دون أن يفقد ذلك المجتمع شخصيته وخصبه العقلي؛ كما أن الدولة التي تبدو عاجزة قاصرة بالقياس إلى غيرها من الدول، لابدّ أن يكون قصورها وعجزها أثرًا لما بالمجتمع نفسه من نقص مادي أو روحيّ، وهكذا. وكتاب "نهاية الرتبة في طلب الحسبة" للشيزري، الذي تخرجه لجنة التأليف والترجمة والنشر هذا العام، نبع من منابع التعريف بأحوال المجتمع الإسلامي عامة - والشرق الأدنى خاصة - في العصور الوسطى، وهو لذلك مورد من أقرب الموارد الصافية التي سيغترف

المقدمة / 3

منها المشتغلون بكتابة التاريخ الإسلامي حسب الأسس الجديدة، وليس له شبيه في تصويره الحياة اليومية - فيما أعلم - إلا ما كتبه المتأخرون في الحسبة كابن الأخوة، أو النواحي الاجتماعية عموما كابن الحاج في "المدخل" والمقريزي في "إغاثة الأمة"، وهؤلاء جميعًا - فيما يبدو - قد استقوا من الشيزري، أو نقلوا منه مباشرة أو بالواسطة، كما أوضح الناشر في مقدمته العلمية. وقد قرأتُ هذا الكتاب الصغير أوّل مرة مخطوطًا أيام طلبي العلم في انجلترا، واختلافي إلى المتحف البريطاني بلندن، أي منذ خمس وعشرين سنة على وجه التحديد، فعرفتُ له قيمته بين النصوص القديمة، وجعلته في مستودع الآمال، وتمنّيت أن أحد الفرصة المواتية القيام على نشره في صورة علمية نافعة. ثم مضت السنون، وتعاقبت عليّ طبقات من الطلبة بقسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأولى؛ وما عَتَّمِتُ أن وجدتُ في أحد الممتازين منهم، وهو السيد الباز العريني، استعدادًا غير عاديّ لتحقيق ما أصبو إليه، على الرغم مما يتطلّبه النشر العلمي الصحيح من مجهود صامت وصبر طويل. وإذ يخرج هذا الكتاب اليوم من غيابات المخطوطات إلى عالم المطبوعات الحية، فإني جديرٌ أن أشكر الناشر على جهوده الموفقة في تحقيق أملٍ من آمالى، وفي إتحاف المكتبة العربية بمتن هامٍ له الأسبقية والمنزلة الأولى بين المتون الخاصة بالحسبة. غير أنّ أهمية الكتاب لا تنحصر في مجرّد أسبقيّته وأفضليته على سائر الكتب المشابهة، كما أنها لا تستند إلى إفاضة مؤلفه في بيان ما ينبغي للمحتسب أن يتحلّى به من الصفات، أو يقوم عليه من مراقبة السوقة والأسواق؛ بل تظهر أهميته كذلك فيما جاء به من ذكر ما كان يقوم به أصحاب الحرف والصناعات من أنواع الغشّ في مبيعاتهم ومعاملاتهم، مما ينبئ ببعض أحوال التجارة والتجار، في عصر المؤلّف على الأقلّ. يضاف إلى ذلك ما بالكتاب من الحقائق الكاشفة عن كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية في القرن الثاني عشر الميلادي، كاستخدام النساء في تنظيف القطن والكتان على أبواب الحوانيت بالطريق العام (ص ٦٩، ٧٠)، وشغف نساء بغداد بالأخفاف التي تصرّ عند المشي لاجتذاب الأنظار (ص ٧٣). وبالكتاب كذلك كثير من الألفاظ العربية الفصيحة والمولَّدة الصحيحة،

المقدمة / 4

مثل الدوّارين ونصاب المبضع والمِلْزَم ونحوها (انظر الفهرس)، ممَّا يغوص أهل العربية في بطون المطوّلات والأمهات لالتقاطه، حرصًا على المرادفات التي يُستغنى بها عن بعض الألفاظ الأعجمية التي حلّت محلّ السليم في الاستعمال. والذين يقيسون الكتب بمقدار بما فيها من تسلية، يجدون كذلك في هذا الكتاب كثيرًا من الأخبار الطريفة، مثل أخبار قلائي السمك وصُنَّاع الزلابية، وحيل الجرائحية والكحّالين، ومثل أنواع الأطعمة التي لم يستطع الناشر أن يتذوّقها أو يصيبها بتعريفه من مراجعه الكثيرة. على أنّ المزية الكبرى هذا الكتابه، هي ما فيه من أخبار عن حقيقة النظم الإسلامية وخصائص المجتمع الإسلامي، فهذا منصب الحسبة - وهو منصب قام بمصر قياما متّصلا منذ العصور الوسطى إلى زمن محمد على الكبير - قد هيمن متولّيه على أكثر من أربعين ناحية من نواحي الحياة اليومية، حيث شملت ولايته "أن يتردّد إلى مجالس القضاة والحكام، ويمنعهم من الجلوس في الجامع والمسجد للحكم بين الناس" (ص ١١٣)، وأن "يقصد مجالس الأمراء الولاة والأمراء، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويعظهم ويذكّرهم، ويأمرهم بالشفقة على الرعية" (ص ١١٥)؛ وهذا وذالك فضلا عن مراقبة الخبازين والأساكفة، والأطباء والمؤدّبين - حتى السقائين والغسالين. فهل معنى هذا أنّ المجتمع الإسلامي كان في غير حاجة لوازع القانون، بحيث أمكن الجمع بين كثير من جهات الضبط والربط والإدارة في يدٍ واحدة؟ أم معنى هذا أنّ روّاد السوق من المنتجين والمستهلكين كانوا عددًا ضئيلا بالنسبة إلى بقية السكان الذين لم ينعموا يبيع أو شراء إلا في النادر، بحيث استطاع المحتسب أن يسيطر في اليوم الواحد - بمساعدة عيونه وغلمانه وأعوانه - على ما تقوم به عدة إدارات وزارية في العصر الحاضر؟ ثم أسألُ أخيرًا عن سرّ قيام المحتسب بمراقبة كلّ ما جاء بالمتن هنا من نواحي الحياة اليومية، على حين عدم اختصاصه بمراقبة عمل السكر، واستخراج عسل النحل، وأحوال القيان، وشئون المدارس (وهذه غير الكتاتيب طبعًا). هذه أسئلة يوحي بها المتن إلى القارئ باديَ القراءة في هذا الكتاب، ولا إخال المتوفّر على البحث في المجتمع الإسلامي إلا واجدًا جملةً أخرى من الأسئلة.

المقدمة / 5

وبعد فإني أترك المتن يخبر من مزاياه التي بينتُ بعضها فحسب، كما أترك الحواشي تخبر بنفسها عما بذله الناشر من جهد بالغ وعناية مشكورة. وإني لأرجو أن يعمد العاملون إلى استخراج الكثير من أمثال هذا المتن، کي تصبح كتابة التاريخ كما ينبغي أن يكتب التاريخ. محمد مصطفى زيارة مصر الجديدة ٢١ رجب ١٣٦٥ هـ ٢١ يونيه ١٩٤٦ م

المقدمة / 6

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.